رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الميزان فى نهاية المطاف:

عرضنا على صفحات هذا الكتاب بكل ما نستطيع من دقة وموضوعية تاريخ بلدنا فى الفترات المحدودة، التى حكم فيها حزب الوفد طوال الفترة الليبرالية بين صدور دستور 1923 حتى نهايتها فى يوليو 1952 عند وقوع الانقلاب العسكرى فى 23 يوليو 1952. وبعد ذلك عرضنا تاريخ الانقلاب العسكرى منذ وقوعه فى 23 يوليو 1952 حتى رحيل قائده إلى رحاب المولى فى 28 سبتمبر 1970. ويعلم الله أننا قدر طاقتنا لم نحابِ حزب الوفد الذى ننتمى إليه ولم نتجن على الانقلاب العسكرى، بل قدمنا فى كل ما كتبنا الدليل على ما نقول. وأعطينا قائد الانقلاب حقه فى كل المواقف الوطنية والخطوات الإيجابية التى اتخذها فى سبيل هذا الوطن. وفى الوقت نفسه لم نتردد فى نقد المواقف والخطوات التى قام بها وأدت إلى كوارث لهذا الوطن ما زلنا نعانى وتعانى أمة العرب آثارها لوقت لا يعلمه إلا المولى متى ينتهى. وعندما نتصدى لتقييم فترة حكم عبدالناصر، التى امتدت ثمانية عشر عاماً، فهناك حقائق مؤكدة يتحتم ذكرها.

الحقيقة الأولى أن البيان الأول للانقلاب العسكرى فجر يوم 23 يوليو 1952 تضمن التزام من قاموا به بأحكام الدستور. ولكن الحقيقة التى ظهرت خلال أقل من أسبوع من وقوع الانقلاب أن القائمين لم يكن فى نيتهم أبداً احترام الدستور، وكانوا يخططون لإقامة حكم ديكتاتورى عسكرى منذ ساعة الصفر من وقوع الانقلاب، ودللنا على هذا بالزيارة التى قام بها عبدالناصر يوم 29 يوليو لعبدالرزاق السنهورى، رئيس مجلس الدولة وقتها طالباً منه إيجاد مخرج عن حكم الدستور بضرورة دعوة برلمان الوفد للانعقاد خلال عشرة أيام من تنحى الملك عن العرش لإعلان ولى عهده وابنه ملكاً وتعيين مجلس وصاية عليه، ثم ينفض الاجتماع. لم يكن عبدالناصر إطلاقاً يريد احترام الدستور كما زعم فى البيان الأول. ولعل تتابع الأحداث بعده للوالى حسين إسقاط الدستور نفسه بعد بضعة أشهر قليلة من وقوع الانقلاب ما يقطع بصحة ما نقول ويشهد بأننا لا نظلم الرجل أو يتجنى عليه حين نذكر أنه كان يريد حكماً دكتاتورياً وسلطة مطلقة عند استيلائه على السلطة فى مصر.

والحقيقة الثانية أن عبدالناصر كان الزعيم الشعبى الذى أتاحت له الأقدار من حب الجماهير فى مصر، بل على طول وعرض العالم العربى وتعلقها بزعامته ما لم تتحه لأى زعيم مصرى أو عربى على مدى التاريخ العربى قديمه وحديثه. ولو استخدم عبدالناصر هذا الحب وهذا التعلق الجماهيرى به فى بناء ديمقراطية حقة وسلطة شعبية تساندها وخلق رأى عام قوى يسانده لأمكن له إقامة دولة عظمى إقليمية تبقى بعد رحيله وتجعل منه دائماً رمزاً خالداً على مدى تاريخها. ولكن لسوء حظ مصر وحظه، فقد كان نهم السلطة المطلق أقوى مشاعره. وحتى لا يظن القارئ أننا نردد عبارات مثالية وشعارات جوفاء عن حتمية الديمقراطية، فإننا نذكر الآتى:

عندما قامت حركة عدم الانحياز فى خمسينات القرن الماضى تنادى برفض خضوع الدول المنتمية لها لنفوذ أى من الكتلتين الغربية الاستعمارية والشيوعية السوفيتية. كان عمالقة هذه الحركة من زعماء العالم ثلاثة، هم: عبدالناصر زعيم مصر، وجواهر لال نهرو زعيم الهند، وجوزيب بروز تيتو زعيم يوغسلافيا، وبينما كان القادة الثلاثة مخلصين لهذه الحركة وقادوا مسيرتها الدولية بكفاءة سجلها التاريخ لهم، اختلفت طرق الرجال الثلاثة تماماً فى نظام الحكم الذى اتبعه كل منهم داخل بلده.

فنهرو أدرك بعبقرية الزعيم أن بلداً ضخم المساحة، مثل الهند متعدد الأعراق واللغات والأعراف يستحيل تماماً حكمه إلا بنظام ديمقراطية فيدرالية تشد أركانه نحو بعضها بعضاً وتراعى فى الوقت نفسه الاختلافات المحلية، فأقبل نهرو بدأب لا يكل منذ وصوله للسلطة عند استقلال الهند 1947 على إقامة هذا النظام الديمقراطى الفيدرالى الحقيقى ودرب خلفاءه وعلى رأسهم ابنته الوحيدة إنديرا غاندى على التمسك بالديمقراطية الفيدرالية ورعايتها وتبادل السلطة من خلالها لدرجة أن إنديرا غاندى وهى رئيسة وزراء الهند فيما بعد أجرت انتخابات برلمانية خسرتها، فسلمت السلطة على الفور لخصومها السياسيين. وسارت الهند على هذا المنوال تنمى قدراتها السياسية والاقتصادية والصناعية تبنى سياراتها وطائراتها المدنية والعسكرية وتطور صناعة الصواريخ والأقمار الصناعية. وها هى الهند تقف اليوم فى صف الدول العظمى الأول فى العالم.

أما مقابل الهند فى حالة مصر ويوغسلافيا بالنسبة لنظام الحكم الداخلى، فقد رفض كل من عبدالناصر وتيتو النظام الديمقراطى تماماً وفضلا عليه ما سمياه العدالة الاجتماعية ورفع مستوى الفقير اقتصادياً وصحياً، أما الديمقراطية فلا أولوية لدى الفقراء لها، فماذا كانت نتيجة غيبة الديمقراطية فى كل من مصر ويوغسلافيا؟

فى حالة مصر فبمجرد وفاة عبدالناصر استطاع من خلفه فى السلطة المطلقة تحويل مصر بجرة قلم من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين اقتصادياً دون أن يجد من يردعه. إذا كان ما يسمى بالرأى العام والقوى الشعبية المدنية قد سحقت تماماً فى فترة حكم عبدالناصر وأصبح الحاكم المطلق هو صاحب السلطة فى تحريك بندول الساعة الاقتصادية يميناً أو يساراً حسب هواه أو مصالحه.

أما فى حالة يوغسلافيا التى كانت مكونة من عدة جمهوريات فيدرالية تربطها دكتاتورية تيتو وليس مؤسسات ديمقراطية راسخة، فإنه بمجرد وفاة تيتو تفككت الجمهوريات اليوغسلافية كما ينفرط العقد. ووقعت بينها حرب أهلية طاحنة ومجازر التطهير العرقى بين العناصر المختلفة داخل الاتحاد اليوغسلافى.

أيمكن لأحد بعد هذا المثال أن يتشكك فى أن الحكم الديمقراطى ضرورة لنمو أى شعب وتماسكه وليس مجرد ترف تلهو به النخبة الحاكمة؟

فى ختام هذا الكتاب لا نجد ما ننهى به أفضل من خطاب عملاق الهند العظيم جواهر لال نهرو من سجنه 1944 فى أحد معتقلات الاحتلال البريطانى خلال الحرب العالمية الثانية إلى ابنته إنديرا غاندى وكانت فتاة مراهقة فى الرابعة عشرة من العمر. وكان نهرو يرسل لها من سجنه خطابات يشرح لها فيها ما يجرى فى العالم من صراع ضد الأنظمة الدكتاتورية والفاشية.

قال نهرو العظيم فى هذا الخطاب الذى يستحق أن يكتب بماء الذهب ويعلق على حائط كل من يشتغل بالسياسة:

الحكومة الديمقراطية يا إنديرا تعامل الشعب الذى تحكمه كما يعامل الرجل زوجته وأولاده، يفكر وهو على فراش الموت فى مصير الأسرة من بعده وتدبير مصروفات تعليم الأبناء وزواج البنات، أما الدكتاتور فيعامل الدولة التى يحكمها كما يعامل الرجل عشيقته تكون له أو لا تكون.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد