رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

وقفنا فى المقال السابق عند استكمال عبدالناصر السيطرة على السلطة المطلقة بمذبحة القضاء فى أغسطس 1969.

بعد مذبحة القضاء بأقل من شهر، فوجئ عبدالناصر بخبر سار جداً له وهو وقوع انقلاب عسكرى فى ليبيا أول سبتمبر سنة 1969 بقيادة العقيد معمر القذافى، الذى أعلن عزل الملك السنوسى الذى كان خارج البلاد عن العرش وإلغاء الملكية.

كان هناك تنظيم سرى باسم الضباط الأحرار فى ليبيا عمل اتصالات سرية مع بعض معاونى عبدالناصر سنة 1966 ولكنه لم يبلغهم باسم قائدهم أو أعضائهم وقتها، وكان من اتصلوا بمصر يطلبون مجموعة من الأناشيد الوطنية وخطب عبدالناصر وبيان 30 مارس سنة 1968 دون مزيد، وفجأة ليلة أول سبتمبر سنة 1969 وردت الأنباء بوقوع انقلاب عسكرى فى ليبيا، وأدرك عبدالناصر على الفور أن قادة الانقلاب سيكونون حلفاء له ويقيمون نظام حكم ربما يكون نسخة من نظامه، وفى مساء اليوم الأول من سبتمبر حضر آدم حواز أحد ضباط الانقلاب للسفارة المصرية فى بنغازى وطلب إبلاغ عبدالناصر بالانقلاب الذى وقع فى ليبيا وأسماء قائده وضباطه وطلب دعم مصر لهم، وعلى الفور عقد عبدالناصر اجتماعاً مع أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى وتقرر على الفور إرسال برقية تأييد كما أمر بتحريك بعض وحدات القوات المسلحة والقوات الجوية المصرية إلى الحدود مع ليبيا لحماية الانقلاب لو حدث تدخل ضده من القواعد العسكرية الغربية الموجودة فى ليبيا وقتها، وأبلغ قادة الانقلاب السفارات العربية بأن ما حدث أمر داخلى لمواجهة فساد الحكم ولا يؤثر على مصالح الغرب فى ليبيا.

وسلم وقد حضر من مصر رسالة من عبد الناصر إلى القذافى يعلن فيها تأييده الكامل له وعقد اللقاء الأول بين عبدالناصر والقذافى بالقاهرة فى ديسمبر سنة 1969.

وتوالى تغلغل مصر فى مساعدة ليبيا بمستشارين عسكريين وسياسيين واقتصاديين وأعلنت ليبيا نفس شعارات الانقلاب العسكرى فى مصر من حرية وعدالة اجتماعية.

وأطلق عبدالناصر بعد فترة قوله الشهير بأنه يرى شبابه فى شخص القذافى وكان العمق الاستراتيجى الليبى مساعداً كبيراً لمصر فى هذه الفترة التى شاهدت حرب الاستنزاف فى مصر وتزايد الغارات الإسرائيلية على العمق المصرى، ونقلت مصر إلى ليبيا مقر الكلية البحرية والجوية المصرية الى طبرق مع بعض قطع الأسطول المصرى، وتكررت زيارات القذافى لعبدالناصر فى مصر بعد الزيارة الأولى فى ديسمبر سنة 1969.

ثم جاء عام 1970 وزاد خلاله نشاط المقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل وغارات إسرائيل الانتقامية ضد الأردن التى أصبحت الساحة الرئيسية للتواجد الفلسطينى، وأخذ قلق الملك حسين يتزايد نتيجة تصاعد النفوذ الفلسطينى بالأردن واحتمال سقوط عرش حسين واستيلاء المقاومة الفلسطينية على السلطة فى الأردن، ووصل التوتر بين الجانبين أقصاه خلال أغسطس سنة 1970 وسبتمبر عندما اختطفت المقاومة الفلسطينية عدة طائرات مدنية غربية وهبطت بها فى الأردن خارج سيطرة الجيش الأردنى، وسرعان ما اشتعل قتال غاية فى الدموية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردنى وكان ياسر عرفات يقود الفلسطينيين داخل الأردن بنفسه.

وعقد على وجه السرعة قمة عربية طارئة لوضع حد للمجازر الدائرة فى الأردن، وكان عقد القمة بين 21 و27 سبتمبر سنة 1970 بالقاهرة بفندق هيلتون، وأقام عبدالناصر بالفندق مع الوفود العربية طوال المدة تقريباً، وتحمل جهداً بدنياً خارقاً نتيجة اضطراره للذهاب بنفسه للمطار عند حضور وعند سفر كل رئيس عربى، وكان المجهود أكبر من أن تتحمله صحة عبدالناصر التى كان مرض السكر ينهش فيها، ومع ذلك ظل يتابع اجتماعات القمة حتى مساء 27 سبتمبر، ثم اتجه إلى منزله ليعقد اجتماعاً مع العقيد القذافى به لمتابعة تنفيذ جانبى الصراع فى الأردن لقرارات مؤتمر القمة، حتى فجر 28 سبتمبر.

وفى الحادية عشرة صباحاً أصر على التوجه لمطار القاهرة بنفسه لتوديع آخر الرؤساء العرب المغادرين وكان أمير الكويت، ثم عاد الى بيته وقد خارت قواه تماماً، ودخل إلى غرفة نومه ليستريح، واستدعى معاونوه كبار الأطباء الذين كانوا يتابعون علاجه.

وحاولوا المستحيل لإنقاذ حياته بعد أن دخل فى غيبوبة تامة وحاولوا تحريك القلب الذى توقف بالصدمات الكهربائية الطبية، واستمرت محاولاتهم حوالى الساعة دون جدوى فقد كان القضاء المحتوم قد وافاه فى حوالى الخامسة عصراً، ولم تجد معه الصدمات الكهربائية التى استمرت لساعة أو أكثر، وانتقل جمال عبدالناصر إلى رحاب ربه، واجتمع كبار رجال الدولة حول فراشه لمواجهة الوقف الذى نزل عليهم كالصاعقة وترتيب ما يلزم فى هذه الظروف من كيفية إذاعة النبأ وكيفية ملء فراغ السلطة الذى تركه.

وهكذا طويت صفحة رجل عملاق بعد ثمانية عشر عاماً من الصراع السياسى على كل الجبهات، ونخصص المقال التالى والأخير لتقييم الرجل وحكمه، مشيرين الى أنه من سوء حظ مصر وحظه أنه اختار طريق الحكم الديكتاتورى بعكس زميله العملاق نهرو فى الهند، ولو حذا عبدالناصر حذو زميله، ربما كانت مصر قد أصبحت على يديه دولة الشرق الكبرى، ولكن كما علمتنا الحياة، فكلمة «لو» لا تغير الواقع.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد