رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

وقفنا فى المقال السابق عند حيرة عبدالناصر فى كيفية الاحتفاظ بتعاون الاتحاد السوفيتى وكسب صداقة أمريكا فى نفس الوقت.

كانت مصر قد أنشأت سنة 1959 مفاعلاً ذرياً فى أنشاص لتطوير سلاح ذرى رداً على قيام إسرائيل سنة 1956 بمعونة فرنسا بإنشاء مفاعل ديمونة وتطوير قنبلة ذرية إسرائيلية، ومر عام 1960 والجمهورية العربية المتحدة تحاول دمج طرفيها فى وحدة حقيقية رغم الخلافات القائمة بين الإقليمين نتيجة الخلافات فى بنيتها الاقتصادية والسياسية، وكان الاتحاد السوفيتى سائراً فى طريق مساعدة مصر لبناء السد العالى رغم القوة السياسية بين البلدين، وفى مطلع سنة 1961 انتخب جون كيندى رئيساً لأمريكا، وكانت له مواقف ليبرالية شهيرة عندما كان عضواً بمجلس الشيوخ مثل تأييد ثورة الجزائر وحق الشعب الجزائرى فى حكم نفسه، فظن عبدالناصر أن هناك فرصة ذهبية عن طريق إدارة كيندى الجديدة فى تحسين علاقات مصر بأمريكا، فبدأ مراسلات شهيرة بينه وبين كيندى كانت أولها خطابه الشهير لكيندى:

من رئيس أقدم وأفقر دولة إلى رئيس أحدث وأغنى دولة، قال عبدالناصر فى خطابه لكيندى إنه ليس هناك مبرر للعداء أو التوتر بين دولتينا، فمصر تحاول تنمية اقتصادها لرخاء شعبها ولا نريد عداء مع أى دولة، وكان عبدالناصر قد أطلق بادرة لحسن نواياه بأن جمد عمل مفاعل أنشاص النووى، وأوقف اعتماداته وأنهى خدمة رئيسه الوزير صلاح هدايت.

ولكن رد كيندى جاء مخيباً لآمال عبدالناصر فى إمكان اكتساب صداقة أمريكا، فرغم العبارات الودية التى ساقها كيندى فقد أفهم عبدالناصر بوضوح أحد إن كان يريد صداقة أمريكا فعليه أن يقوم بأمرين وهما:

أن يلتزم عبدالناصر بحدود دولته ولا يحاول مد نفوذها خارج حدودها.

والأمر الثانى أن يفتح بلده للاقتصاد الحر والاستثمار الأجنبى ويوقف برامج الحماية الاقتصادية ويصبح جزءاً من اقتصاد العالم الحر.

بمعنى آخر كان على «عبدالناصر» أن يصرف النظر عن مشروع القومية والوحدة العربية، ويوقف برامج تصنيع بلده، أو بمعنى أدق يحول بلده إلى شىء شبيه بجمهوريات الموز فى أمريكا الجنوبية، فأدرك بوضوح أن أمريكا لن تساعده أبداً فى بناء قاعدة صناعية فى الجمهورية العربية المتحدة، فأقدم «عبدالناصر» على خطوة غاية فى الخطورة كلفته ضياع الوحدة بين مصر وسوريا وتدمير بعض الصناعات التى كانت مزدهرة فى مصر.

قام عبدالناصر فى يوليو سنة 1961 بتأميم اقتصاد الجمهورية العربية المتحدة صناعياً وتجارياً فثارت ثائرة النخبة السورية التى كانت طبقة تعتمد على حرية التجارة أساساً فحشدت قواها على الفور وجندت رجالها من ضباط حزب البعث فى الجيش السورى وقامت فى أغسطس سنة 1961 بانقلاب فى سوريا ضد عبدالناصر، وبعد محاولات لم تنجح فى السيطرة على الموقف عسكرياً بإرسال جنود مظلات من مصر، ونجح الانقلاب فى السيطرة على سوريا وإعلان انفصالها عن مصر التى ظل اسمها الجمهورية العربية المتحدة عدة سنوات بعد ذلك.

أما فى مصر فقد كان انفصال سوريا صدمة شديدة لعبدالناصر ضاعت معها أحلامه فى وحدة عربية، وأفرغ عبدالناصر غضبه فى مجموعة السياسيين القدامى الذين أنهى الانقلاب العسكرى فى يوليو 1952 حياتهم السياسية وحاكم وسجن بعضهم وقتها واتهمهم عبدالناصر بالشماتة فى نظام الحكم والعمل على تدبير ثورة مضادة على غرار ما حدث فى سوريا، فأجرى حملة اعتقالات واسعة لكل أعدائه الحقيقيين والمتوهمين ووضع أملاك العديد منهم تحت الحراسة.

أما الشركات الصناعية والتجارية التى أممها فقد وضع لإدارتها مجموعة من الضباط والمدنيين المؤيدين له، والذين كان معظمهم يفتقدون الخبرة والقدرة الإدارية تماماً فساء حال الكثير من هذه الشركات وبدأت تخسر خسائر فادحة، ولم ينتشر الفساد المالى فيها أول الأمر خوفاً من عبدالناصر الذى كان معروفاً بنزاهته الشخصية وصرامته فى مواجهة الفساد، ولكن الاقتصاد المصرى كان الضحية على أى حال.

وحل عام 1962 والحالة الاقتصادية فى مصر تزداد سوءاً، وفجأة أواخر سبتمبر سنة 1962 مات ملك اليمن الإمام يحيى وخلفه على عرش اليمن ولده وولى عهده محمد البدر، وبعد أسبوع واحد من جلوس «البدر» على العرش قام الجيش اليمنى بقيادة اللواء عبدالله السلال بانقلاب عسكرى أطاح بـ«البدر» وألغى الملكية، وهرب البدر إلى الشمال ولجأ للسعودية لنجدته، وقيل إن عبدالناصر هو الذى يقف وراء انقلاب اليمن، وكانت علاقات مصر والسعودية وقتها فى أسوأ حالاتها، وتهيأ الجانبان لحرب طويلة طاحنة بالوكالة، مصر فى صف السلال والسعودية فى صف البدر، ونعرض فى المقال التالى كيف انجرفت مصر بجيشها إلى هذه الحرب الطاحنة التى انتهت بكارثة مرعبة على مصر والعرب كلهم عندما اندلعت حرب الأيام الستة فى يونيو سنة 1967.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد