رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

وقفنا فى المقال السابق عند إسقاط إسرائيل لجنود مظلاتها وسط سيناء مساء 29 أكتوبر سنة 1956 كبداية للهجوم على مصر مع بريطانيا وفرنسا.

كما كشفت الوثائق فيما بعد عن عقد اجتماع سرى فى باريس فى 16 أكتوبر سنة 1956 بين بريطانيا وفرنسا، وانضمت إسرائيل الى المتآمرين بعده واتفق الثلاثة على قيام إسرائيل بهجوم شامل على مصر يوم 29 أكتوبر يعقبه إنذار من بريطانيا وفرنسا لمصر وإسرائيل فى 30 أكتوبر بسحب كل منهما القوات عشرة أميال شرق وغرب قناة السويس، وسماح مصر لبريطانيا وفرنسا باحتلال نقاط فى كل من بورسعيد والاسماعيلية والسويس لتأمين الملاحة فى قناة السويس، وكانت مدة الإنذار 12 ساعة يبدأ بعدها الهجوم إن لم يستجب له الطرفان، وطبعاً قبلت اسرائيل الانذار كالمتفق عليه، ولم تكن قواتها وقت قبوله قد تجاوزت منتصف سيناء، ورفضت مصر الانذار رفضاً قاطعاً وقررت خوض الحرب دفاعاً عن نفسها وأعلنت التعبئة العامة وقطعت جميع علاقاتها ببريطانيا وفرنسا.

وفى صباح 31 أكتوبر الباكر بدأ الهجوم الجوى المركز من بريطانيا وفرنسا على القاهرة ومدن القنال، بينما كان الجيش الإسرائيلي يتوغل فى سيناء واضطرت مصر لسحب الجيش من سيناء، حتى لا يقع فى فخ داخل سيناء بين جيش إسرائيل من ناحية وجيشى بريطانيا وفرنسا لو نجحتا بعد الهجوم الجوى فى احتلال مدن القناة.

وتعرض العالم لأزمة سياسية عارمة، وخرجت كل الدول العربية ومعظم دول العالم تعلن تأييدها الكامل لمصر وتدين العدوان، واجتمع مجلس الأمن وظل فى حالة انعقاد دائم طوال الأزمة.

أما أمريكا فأذاعت فى 31 أكتوبر بيانا أبدت فيه تعاطفاً ظاهرياً مع المعتدين، وفى الوقت نفسه طلبت من مجلس الأمن وقف الهجوم وانسحاب القوات الإسرائيلية الى بلادها، واستخدمت بريطانيا وفرنسا حق الفيتو فلم يصدر قرار من مجلس الأمن.

فى هذه الأثناء ظلت القوات الإسرائيلية تتوغل فى سيناء، وتستولى على مواقعها بسهولة بعد سحب الجيش المصرى منها، حتى وصلت الى قرب الشاطئ الشرقى لقناة السويس، وتمركزت عليه، بينما كان الهجوم الجوى البريطانى الفرنسى يزداد ضراوة لتمهيد أرض المعركة لإنزال جوى يعقبه احتلال من البحر، وتم إسقاط جنود المظلات البريطانيين والفرنسيين على بورسعيد واحتلال مطارها ثم المدينة نفسها فى 5 نوفمبر، وتراجعت القوات المصرية الى جنوب بورسعيد وتحصنت فيها تماما، فلم يستطع المعتدون التقدم لاحتلال باقى مدن القناة، وكانت الملاحة فى قناة السويس قد توقفت نتيجة إغلاق المصريين لمدخلها الشمالى فى بورسعيد وإغراق طائرات المعتدين قبل ذلك لسفينة قرب بحيرة التمساح.

قامت مصر عن بكرة أبيها فى روح من التحدى والإصرار على القتال الى درجة غير مسبوقة، والتفت كلها حول قيادة عبد الناصر الذى أبدى درجة من الشجاعة والإصرار على المقاومة كانت وقوداً للمعركة خاصة الخطاب الذى ألقاه من على منبر الجامع الأزهر خلال المعركة وأعلن فيه إصرار مصر على المقاومة.

فى هذه الأثناء كانت ثورة العالم الخارجى وصيحاته تزداد ارتفاعاً ضد المعتدين، وكان سكرتير عام الأمم المتحدة داج همرشولد على رأس قائمة المهاجمين للعدوان وهدد بالاستقالة من منصبه إذا لم يتوقف العدوان.

وسط هذا العالم الملتهب قام الاتحاد السوفيتى يوم 5 نوفمبر بتوجيه انذار الى المعتدين الثلاثة مهدداً باستخدام القوة النووية السوفيتية ضد المعتدين، واضطرت امريكا الى المناداة بوقف الحرب فورا حتى لا تتطور الأمور الى حرب عالمية نووية، ولكنها لم تغفل أن تدين الإنذار السوفيتى وتعتبره عدواناً جديداً.

اضطر المعتدون امام هذا الإجماع العالمى لإيقاف القتال يوم 7 نوفمبر، وبدأ الاتفاق عن سحب القوات المعتدية تدريجياً حتى تم جلاؤهم من منطقة القناة فى 22 ديسمبر سنة 1956 وتلكأت اسرائيل فى سحب قواتها حتى 7 مارس سنة 1957 بعد أن نجحت فى أن تتضمن شروط الانسحاب حرية الملاحة للسفن الاسرائيلية فى خليج العقبة، وكانت مصر قد أغلقت الملاحة فى وجه السفن الاسرائيلية منذ الحرب العربية الاسرائيلية الأولى سنة 1948، وأخفى عبد الناصر عن المصريين موافقته على حرية الملاحة الاسرائيلية فى خليج العقبة، ولم يعلموا بها إلا عشية حرب يونية سنة 1967 كما سيلى فى حينه.

حققت أمريكا هدفها الأهم وهو خروج بريطانيا وفرنسا من الشرق العربى، وانفرادها بالنفوذ فيه وبدأت تستعد لخطة احتواء مصر لحسابها كما سيلى. أما عبد الناصر فلم يحلم زعيم عربى فى التاريخ الحديث بأن يصل الى المكانة التى وصلها عبد الناصر من حب الجماهير العربية وتعلقها بزعامته.

ولكن كان لهذا النصر السياسى الكامل رغم الهزيمة العسكرية أثره فى سوء تقدير عبد الناصر لموازين القوة فيما بعد، واعتقاده فى نجاحه الدائم، ولسوء حظ مصر وحظه لم يجد بين معاونيه من يجرؤ على تنبيهه للمخاطر نتيجة الحكم الدكتاتورى الذى جلس فوق قمته كما سيلى.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد