رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

وقفنا فى المقال السابق عند إحكام «عبدالناصر» قبضته على السلطة وبدء تفرغه للسياسة الخارجية عندما فشلت المفاوضات مع بريطانيا عام 1951 خلال آخر حكومات الوفد وصلابة «النحاس» فى رفضه كل الأحلاف العسكرية واستقلال القرار المصرى، تقدمت بريطانيا وأمريكا وفرنسا ومعهم تركيا بمحاولة أخيرة لضم مصر للحلف الاستعمارى المعروف بمنظمة الدفاع المشترك عن الشرق الأوسط لربط دوله بعجلة الاستعمار الغربى، ورفضت حكومة الوفد هذا العرض رفضاً قاطعاً وقامت بإلغاء معاهدة عام 1936 فى 8 أكتوبر عام 1951 وبدأت الكفاح المسلح ضد جنود بريطانيا على النحو المفصل فيما سبق.

وبعد سقوط النظام الملكى وسيطرة الحكومة العسكرية على البلاد نتيجة انقلاب 23 يوليو عام 1952، ثم مسيرتها فى المفاوضات مع بريطانيا حتى وصلت إلى اتفاقية الجلاء فى أكتوبر عام 1954 التى كانت نسخة طبق الأصل تقريباً من مشروع معاهدة صدقى/ بيفن التى أسقطها الشعب، فضلاً عن فصل السودان عن مصر نتيجة اتفاقية السودان التى سبقتها، كان عبدالناصر فى اعتقادنا يحاول ما أمكن مهادنة الغرب حتى يفوز بجلاء جيش الاحتلال البريطانى، ثم يكشف وجهه الحقيقى فى مشروعه لوحدة عربية ثم اقتصاد اشتراكى عندما يحين وقته.

ظهر وجه عبدالناصر الحقيقى فى 24 فبراير عام 1955 عندما أعلن عن قيام حلف بغداد بين تركيا والعراق، ودعيت مصر للانضمام له، وتلكأت بريطانيا فى الانضمام إليه حتى تخدع العرب بأنه حلف إقليمى بين دول إسلامية لا دخل لبريطانيا به، وباركته أمريكا بالانضمام إلى لجنته الاقتصادية ولجنة مقاومة النشاط الهدام، وبعد ذلك انضمت إلى لجنته العسكرية وكانت باكستان وإيران، ورفض عبدالناصر رفضاً قاطعاً الانضمام للحلف وراح يهاجمه بشدة علناً، واشترك مع الهند ويوغوسلافيا ودول أخرى فى الدعوة إلى مؤتمر للحياد الإيجابى بين الغرب الاستعمارى، والكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفيتى، وعقد المؤتمر فى أبريل عام 1955 فى مدينة باندونج الإندونيسية، وعلى الفور بدأ الغرب عملية عزل مصر ومهاجمتها عن طريق إدانة العدوانية إسرائيل التى فاجأت مصر فى 28 فبراير بهجوم كبير على غزة التى كانت تحت الإدارة المصرية وقتها بحجة القضاء على الفدائيين الفلسطينيين الذين يتخذون من غزة مقراً لمهاجمة مدن إسرائيل، وخسرت مصر 39 قتيلاً و33 جريحاً من جنودنا.

وكان على «عبدالناصر» التحرك بسرعة حتى لا يظهر بمظهر العاجز عن الدفاع عن مصر، فكان مؤتمر باندونج فى أبريل عام 1955 الخطوة الأولى لحماية ظهره ضد الغرب والدول التابعة له فى المنطقة مثل العراق، واستغل عبدالناصر باندونج أبرع استغلال فدعم علاقة مصر مع الدول الأربع الأساسية التى دعت للمؤتمر وهى الهند ويوغوسلافيا، فضلاً عن إندونيسيا وسريلانكا، وخطا أول خطوة فى العلاقة مع الصين التى كانت مصر وقتها لا تعترف بحكومتها الشيوعية طبقاً لقرار الأمم المتحدة بأن حكومة الصين الوطنية الحاكمة فى جزيرة فورموزا وقتها هى الممثل الشرعى للصين كلها، استغل عبدالناصر المؤتمر وأقام علاقة بل صداقة شخصية مع رئيس وزراء الصين عندئذ السياسى البارع شوراين لاى كانت لها أهم النتائج فيما بعد.

كان عبدالناصر يبحث عن السلاح من أى مصدر لمواجهة عدوان إسرائيل، وطبعاً لم يكن ممكناً أن يحصل عليه من الغرب الذى يقف وراء العدوان الإسرائيلى، فنصحه شوراين لاى بالتقارب مع تشيكوسلوفاكيا ثانى أكبر دولة صناعية بعد روسيا داخل الكتلة الشيوعية حتى لا يكون الطلب من روسيا رأساً زعيمة الكتلة الشيوعية بما يخل بصورة الحياد بين الكتلتين رسمياً.

كان أول رد فعل غربى ضد مصر قيام إسرائيل بغارة جديدة على قطاع غزة فى 30 مايو عام 1955 تلتها غارات أخرى فى 22 أغسطس و28 أكتوبر عام 1955، وسار عبدالناصر سراً فى طريق تسليح الجيش من تشيكوسلوفاكيا، وفاجأ الغرب بعقد صفقة أسلحة ضخمة مع تشيكوسلوفاكيا تضمنت طائرات حربية نفاثة ومدرعات وأكثر أسلحة تطوراً وقتها، ووقع خبر الصفقة وقوع الصاعقة على إسرائيل التى كانت الصفقة ضربة قاصمة لتفوقها الجوى بالذات فى الشرق الأوسط، فقامت أمريكا بمضاعفة التسليح والمساعدات العسكرية لإسرائيل.

تشجع عبدالناصر نتيجة هذه الصفقة مع تشيكوسلوفاكيا التى رفعت شعبيته فى مصر وشعوب الجامعة العربية عموماً إلى آفاق جديدة، أما الحكومات العربية الموالية للغرب فكان للصفقة تأثير مقلق جداً لها.

وفى أغسطس عام 1955 تم انتخاب شكرى القوتلى رئيساً لسوريا وكان سياسياً وطنياً عروبياً وكان انتخابه سنداً لعبدالناصر على طريق الوحدة العربية، ورد الغرب على هذا التيار العروبى بقيام إسرائيل بغارة ضخمة فى 2 نوفمبر عام 1955 على موقع الضبعة عن طريق منطقة العوجة المنزوعة السلاح حسب اتفاقية الهدنة، واستخدمت إسرائيل ثلاثة آلاف جندى تعاونهم المدرعات والمدفعية والطائرات، وكانت نتيجتها سقوط ثمانين شهيداً من جنودنا، فكان حتمياً على عبدالناصر أن يزداد تقارباً مع الكتلة الشرقية المعادية للغرب، وتوج هذا التقارب باعتراف مصر بحكومة الصين الشعبية ممثلاً لكل الصين وسحب اعترافها بحكومة فورموزا، وكان الاعتراف الذى أدهش الجميع وزاد من شعبية عبدالناصر يوم 16 مايو عام 1956 أى عشية تأميم قناة السويس وما تلاها من عدوان ثلاثى نغطيه فى المقالات التالية.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد