رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

وضحنا فى الحلقة السابقة استعداد الوفد لإلغاء المعاهدة من جانب واحد وإعداد مشروع المراسيم الملكية الخاصة بذلك وإرسالها للتوقيع وتهديد الملك بأنه إن لم يوقعها فسوف يقوم النحاس بإبلاغ البرلمان فوراً أن الملك رفض التوقيع.

لم يجرؤ فاروق على تحدى الحركة الوطنية فى وجه الشعور الهادر فى الشارع المصرى بضرورة مواجهة بريطانيا بالقوة لجميع أشكالها من سلمية وحرب عصابات وغيرها فوقع الملك المراسيم وأعادها للنحاس، وفى يوم 8 أكتوبر سنة 1951 وقف النحاس شامخاً أمام مجلس الشيوخ والنواب فى اجتماع مشترك وشرفات الزائرين مكتظة عن اخرها، وأعلن فى نبرة قوية بيانه التاريخى بإلغاء المعاهدة قائلاً: «من أجل مصر وقعت معاهدة سنة 1936 ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها»، كان من حظ كاتب هذه السطور أن يكون أحد الحاضرين بشرفة الزائرين، ولن أنسى ما حييت ما حدث: هب أعضاء المجلسين وكل من فى شرفات الزائرين وقوفاً عند سماع عبارة النحاس الخالدة، وانخرط الجميع فى تصفيق حاد وهتاف يصمان الآذان وسالت الدموع مدراراً من أغلية الحاضرين وظل الهتاف والحماس لأكثر من عشر دقائق.

جمع الملك ورجاله وممثلى بريطانيا وأخذوا يعدون فى الظلام لثورة مضادة تجهض حركة المقاومة الوطنية دبروا لها بإحكام، وتفصيلها كالتالى:

قام الملك يوم 24 ديسمبر سنة 1951 بتعيين أحد رجاله من ألد أعداء الحركة الشعبية وهو حافظ عفيفى رئيساً للديوان الملكى وفى اليوم التالى تعيين عبدالفتاح عمرو مستشاراً للقصر للشئون الخارجية، كان حافظ عفيفى قد صرح قبل تعيينه بأن بريطانيا وأمريكا هما الصديق الحقيقى لمصر وأنه يتطلع لعقد مصر معاهدة صداقة وتحالف معهما، وكان عمرو مشهوراً بأنه يصلح سفيرا لإنجلترا فى مصر وليس سفيراً لمصر بإنجلترا.

ثار الشعب ثورة عارمة لهذا التحدى السافر من الملك للحركة الوطنية وانطلقت فى اليوم التالى تظاهرات ضخمة تهتف بسقوط الملك ومن عينهم واستمرت المظاهرات والعنف واستمرت المؤامرة كالآتى:

ولد لفاروق ولى عهده أحمد فؤاد فى 16 يناير سنة 1952 ودعا فاروق كل قادة الجيش والشرطة والمسئولين لوليمة بقصر عابدين تحدد لها يوم 26 يناير، وقبل يوم الوليمة حاصرت قوات الجيش البريطانى مبنى محافظة الإسماعيلية بالدبابات والمدفعية وطلبت من جنود بلوك الخفر الموجودين به الاستسلام وتسليم أسلحتهم، فاتصل قائدهم اليوزباشى البطل مصطفى رفعت على الفور بوزير الداخلية فؤاد سراج الدين الذى أمره برفض الاستسلام والمقاومة لآخر رجل وآخر طلقة، ودارت معركة منعدمة التكافؤ بين دبابات ومدافع بريطانيا وبين بنادق بلوك الخفر الذى يعود عمرها الى ما بعد الحرب العالمية الأولى، وفى نهاية المعركة كان مبنى محافظة الاسماعيلية قد تهدم على من فيه وقتل بداخله 46 من أبطال الشرطة وأصبح اليوم عيداً للشرطة تحتفل به كل عام.

وصلت الأنباء للقاهرة فخرجت مصر كلها تطالب بالثأر وتمرد جنود بلوك الغفر واتجهوا الى جامعة القاهرة حيث شاركوا طلبتها فى مظاهرة عارمة اتجهت نحو القصر، وكان الملك وقتها يحتفل مع ضباط الجيش والشرطة بميلاد ولى عهده وطلب من معاونيه عدم إزعاجه لأى سبب.

فجأة بدأت مجموعات غريبة مسلحة بقنابل مولوتوف حوالى الظهر تنتشر وسط القاهرة وتشعل الحرائق فى دور السينما والبارات والمحلات الكبرى وفندق شبرد التاريخى وبضعة أندية بريطانية مات بداخلها بضعة رعايا بريطانيين شاء حظهم العاثر أن تضحى بهم بريطانيا لإنجاح المؤامرة كما سبق لها التضحية بحاكم السودان البريطانى السير لى ستاك سنة 1924 لتفنيذ مؤامرة سحب الجيش المصرى من السودان.

اتصل وزير الداخلية فؤاد سراج الدين بالقصر ولم يكن مدعواً فى وليمة الملك وطلب من الشماشرجية إيصاله بالملك فوراً فقالوا له إن «مولانا أمر بعدم إزعاجه»، وبقى سراج الدين فى مكتبه بوزارة الداخلية يتقلب على الجمر، وهو يتلقى بلاغات حرائق القاهرة ويعيد الاتصال بالقصر عشرات المرات ليطلب من الملك إنزال الجيش للسيطرة على الموقف ويأمر رجال الشرطة بإطلاق الرصاص الحى على مشغلى الحرائق وسط العاصمة، وأخيراً وبعد الساعة الثالثة عصراً تكرم الملك بالأمر بإنزال الجيش للسيطرة على العاصمة بعد أن كانت الحرائق قد أتت على أهم معالم وسط العاصمة وبعد أن تمت المؤامرة بنجاح.

استدعى الملك النحاس وطلب منه إعلان الأحكام العرفية لمواجهة الموقف وسقط النحاس فى الفخ وسقطت معه مصر كلها، وصاحب إعلان الاحكام العرفية أمر عسكرى بمنع التجول بين السادسة مساء والسادسة صباحاً ولم يستطع الجيش السيطرة على الموقف سوى مع حلول المساء، وتمكن من إيقاف النهب الذى مارسه الغوغاء من الأماكن المحترمة.

ونعرض فى المقال التالى باقى أحداث ذلك اليوم المشئوم وتداعياتها.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد