رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

وقفنا فى المقال السابق عند تكليف الملك للنحاس بتشكيل الوزارة نتيجة الأغلبية الساحقة التى حصل عليها الوفد فى الانتخابات التى أجريت قرب نهاية سنة 1949، وقام النحاس بتشكيل الوزارة فى 12 يناير سنة 1950 على مضض شديد من الملك الذى اضطرته الظروف لإعادة الوفد للحكم، ومن الدقيقة الأولى حاولت أحزاب الأقلية وأقوى أبواقها الصحفية عندئذ جريدة أخبار اليوم وضع العراقيل فى طريق الوزارة وإفساد علاقتها بالملك، فنشرت أخبار اليوم أكذوبة هدفها الإساءة للنحاس وزعمت بأنه فى لقائه الأول مع الملك طلب أن يقبل يد الملك، ولم يكن ممكناً للوفد إصدار تكذيب لهذه الأكذوبة وإيغار صدر الملك زيادة عما هو عليه، فرد الوفد على الأكذوبة رداً تميز بالعبقرية السياسية، فنشرت صحيفتا «الوفد» عندئذ، وهما صوت الأمة و«المصرى» صورة اللقاء الأول بين الملك والنحاس على طول صدر صفحتهما الأولى بعنوان: «اللقاء الأول بين الملك والزعيم الجليل»، وفيها وقف الرجلان بقامتهما المعتدلة تماماً وقد تشابكت أياديهما الأربعة ولم ينحنِ النحاس مجرد انحناءة وعلى وجهيهما ابتسامة مجاملة مصطنعة، والعددان موجودان فى دار الكتب لمن يريد التأكد.

انزعج الملك من الأغلبية البرلمانية الكاسحة التى حصل عليها الوفد وحاول التدخل فى تشكيل الوزارة باستبعاد الدكتور طه حسين منها باعتباره يسارى الميول، فرفض النحاس وتم ضم طه حسين للوزارة، وحاول الملك فرض تابعه الفريق محمد حيدر ليكون وزيراً للحربية فرفض النحاس وتم تعيين الوزير الوفدى مصطفى نصرت وزيراً للحربية، ومن باب طمأنة الملك صدر فى 14 فبراير مرسوم بتعيين الفريق محمد حيدر قائداً عاماً للقوات المسلحة وتكون تبعيته السياسية لوزير الحربية، وعين الملك حسين سرى رئيساً للديوان الملكى باعتباره على علاقة طيبة بالوفد، وأنه رئيس الوزراء الذى أشرف على الانتخابات التى أعادت الوفد للحكم، كما رفض النحاس طلب الملك بتعيين إسماعيل شيرين زوج شقيقة الملك محافظاً للقاهرة، وطلب تعيين كريم ثابت وزيراً فى الوزارة الوفدية.

كان أول عمل قامت به وزارة النحاس هو الإفراج عن آلاف المعتقلين السياسيين خلال وزارة النقراشى وإبراهيم عبد الهادى وأغلبيتهم الساحقة من الإخوان المسلمين، وفى 28 أبريل سنة 1950 ألغى النحاس الأحكام العرفية وأحال الجرائم العسكرية إلى المحاكم العادية، وألغيت جميع أنواع الرقابة على الصحف والمطبوعات.

قامت وزارة الوفد بعدة خطوات جريئة حماية للقضية الفلسطينية نلخصها فيما يلى ثم نعود لمسيرة الوزارة ومفاوضاتها مع بريطانيا.

عندما تردد أن الأردن يعمل سراً لعقد صلح منفرد مع إسرائيل تقدم النحاس فى 29/3/1950 لمجلس الجامعة العربية واستصدر قراراً جماعياً بعدم حق أى دولة عربية عقد صلح منفرد مع إسرائيل، وعندما أعلن الأمير عبدالله أمير شرق الأردن سنة 1950 نفسه ملكاً وضم الضفة الغربية لنهر الأردن وسمى نفسه ملكاً على الأردن، طلب النحاس عقد اجتماع للأمة العربية لطرد الأردن منها باعتبار ضم الضفة لشرق الأردن عدواناً على أرض فلسطينية، وتدخل الأمير فيصل وزير الخارجية السعودى (الملك فيصل فيما بعد) لحل الموضوع بقيام الملك عبدالله بإعلان أن ضم الضفة الغربية مؤقت وإنها أرض فلسطينية أمانة لديه.

فى 17/6/1950 وقع النحاس معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادى مع دول الجامعة.

عندما قام رئيس وزراء إيران الدكتور محمد مصدق بتأميم البترول فى 15/3/1951 تحمس مصر له جداً وطلب النحاس من مصدق سحب اعتراف إيران بإسرائيل الذى كان الشاه قد أصدره، واستجاب مصدق وتم سحب اعتراف إيران بإسرائيل فى 11/7/1951.

عندما اندلعت الحرب الكورية فى يونيو 1950 وطلبت بريطانيا وأمريكا إرسال قوات مصرية لمساندتها رفض النحاس رفضاً قاطعاً وتمسك بحياد مصر بين الكتلتين الشيوعية والغربية.

وفى سنة 1951 نشرت وثائق مزورة عن اتصالات سرية وخطابات متبادلة بين النحاس والاتحاد السوفيتى، وأحيل الأمر للنائب العام واعترف المزورون وعوقبوا بالسجن 3 سنوات، نعود الآن لمسيرة وزارة النحاس التى شاء القدر أن تكون وزارته الأخيرة، فمنذ تشكيلها فى 12 يناير 1950 كان هدفها الأول سرعة فتح مفاوضات مع بريطانيا لتحقيق المطالب الوطنية كاملة بحل سلمى إن أمكن، خصوصاً والموقف الدولى خاصة بعد اندلاع الحرب الكورية ينذر بإمكان اندلاع حرب عالمية ثالثة، كما أن الموقف الداخلى فى مصر خاصة بعد عودة الجيش من فلسطين بعد الحرب الأولى مع إسرائيل بهزيمة لا يمكن إخفاؤها كان له وقع الصاعقة على الشعب وعلى الجيش ورأى النحاس أنه ما لم تصل مصر لتسوية سلمية مع بريطانيا فإن المستقبل ينذر بأوخم العواقب.

كونت الحكومة وفد مفاوضات من فؤاد سراج الدين وزير الداخلية ومحمد صلاح الدين وزير الخارجية وإبراهيم فرج وزير الشئون البلدية، واستمرت المفاوضات أشهراً طويلة كان الرأى العام يغلى خلالها، ووصل النحاس لنتيجة أن استمرار المفاوضات لن يجدى وأن بريطانيا لن تسلم بحقوق مصر سلمياً، وأنه لابد من ثورة جديدة على غرار ثورة 1919 المجيدة.

اشتعلت جذوة الثورة من جديد فى قلوب زعماء الوفد وقرر النحاس إلغاء معاهدة سنة 1936 واتفاقيتى الحكم الثنائى فى السودان من جانب واحد تمهيداً لإعداد البلاد للكفاح المسلح، أعدت الوزارة مراسيم الإلغاء وتعديل لقب الملك إلى ملك مصر والسودان، واتصل النحاس برئيس الديوان بالإنابة وأبلغه أن مراسيم مهمة جداً فى الطريق إليه وعليه أن يوقعها من الملك ويعيدها قبل اجتماع البرلمان وإلا سيبلغ النحاس البرلمان بأن الملك لم يوقعها.

ونقف عند هذه الفقرة لنستكمل فى المقال القادم مسيرة الإعصار السياسى المقبل.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد