رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

وقفنا فى المقال السابق عند إقالة وزارة النحاس فى 8 أكتوبر 1944، وعهد الملك إلى أحمد ماهر زعيم الحزب السعدى بتشكيل الوزارة، فقام بحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة قاطعها الوفد. وكانت وزارة أحمد ماهر ائتلافية من الحزب السعدى والأحرار الدستوريين والكتلة الوفدية بزعامة مكرم عبيد والحزب الوطنى القديم وبعض المستقلين، وشابت الانتخابات عمليات تزوير كبيرة دعت مكرم عبيد للاستقالة من الوزارة ثم سويت المسألة وبقى وزيراً.

فى هذه الأثناء كان الموقف العسكرى لألمانيا يتدهور سريعاً، فالجيش السوفياتى أطبق من الشرق واجتاح الحدود الألمانية فى طريقه إلى برلين. وفى الغرب رغم المقاومة المستميتة أخذ هيلتر يتراجع حتى أصبحت نهاية الحرب مسألة أشهر وربما أسابيع قليلة. وتحصن هتلر فى مخبأه فى برلين تحت الأرض بعمق كبير. وكان الحلفاء قد أعلنوا عن نيتهم فى قيام هيئة أمم بعد نهاية الحرب تحل محل عصبة الأمم القديمة. وأعلنوا أن شرط الاشتراك فيها أن تكون الدولة المشتركة قد ساهمت فى الحرب ضد هتلر. وعلى الفور قرر أحمد ماهر إعلان أن مصر ستكون فى حالة حرب دفاعية ضد ألمانيا وحلفائها.

وكان الجهاز السرى الذى كونه حسن البنا قد بدأ يتشكل، وكان الولاء لألمانيا ما زال أساس سياسة الإخوان المسلمين الذين كانوا ما زالوا على إيمانهم أن هتلر سينتصر بمعجزة هى وصوله إلى سر القنبلة الذرية التى سيفنى بها أعداءه ويعيد تحويل دفة الحرب. وكان هناك إرهابى داخل الجهاز السرى يدعى محمود العيسوى انفجر غضبه من إعلان أحمد ماهر أنه سيعلن حرباً دفاعية ضد ألمانيا. فتربص به فى البهو الفرعونى بمبنى البرلمان وهو فى طريقه من قاعة مجلس النواب التى أعلن الحرب منها إلى قاعة مجلسى الشيوخ ليكرر إعلان الحرب وأطلق عليه الرصاص فأرداه قتيلاً فى الحال. ولم يعرف وقتها أن هناك جهازاً سرياً للإخوان بل كان الاعتقاد أن محمود العيسوى متعصب لألمانيا أو عميل لها تصرف على نحو منفرد. وقبض عليه وقدم للمحاكمة وتم إعدامه.

كان اغتيال أحمد ماهر يوم 24 فبراير سنة 1945 وخلفه فى الوزارة وفى رئاسة الحزب السعدى محمود فهمى النقراشى الذى استمر بنفس الوزارة ونفس السياسة لماهر. وانتهت الحرب تماماً فى 5 مايو سنة 1945 بهزيمة ألمانيا الكاملة وانتحار هتلر فى مخبئه واستسلام ألمانيا دون قيد أو شرط. وواجه النقراشى الحركة الوطنية التى بدأت فى أعقاب الحرب تنادى بالمطالب الوطنية، وعلى رأسها الجلاء الكامل لجيش الاحتلال البريطانى ووحدة مصر والسودان. وكان الوفد على رأس الحركة الوطنية التى كان أداتها الرئيسية عندئذ الطلبة والعمال. أما حسن البنا والإخوان المسلمون فتجنبوا تماماً القيام بدور فى المظاهرات التى بدأت تندلع ضد وزارة النقراشى، وبدأ النقراشى فى مطالبة بريطانيا بالدخول فى مفاوضات تنتهى بتلبية المطالب الشعبية، وكالعادة تباطأت بريطانيا فى الرد مما زاد الغضب الشعبى اشتعالاً. وفى هذه الأثناء جدَّ عاملان كل الساحة السياسية زاداها التهاباً، فقد كانت الهجرة اليهودية لفلسطين بموجب وعد بلفور الشهير قد أوصل عدد الجالية اليهودية فى فلسطين إلى نحو ثلث سكان فلسطين، وقيل إن الاستعمار الغربى يمهد لتقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية بما يعنى التمهيد لضياع وطن عربى يضم ثالث الحرمين وأولى القبلتين، كما يضم أهم تراث مسيحى ومسقط رأس يسوع عليه السلام. وكان العامل الثانى هو حادث اغتيال أحد أقطاب الوفد وهو أمين عثمان باشا فى يناير1946 على يد مجموعة متطرفة شديدة القرب من القصر الملكى، وقيل وقتها إن الملك قد أنشأ ما سمى بالحرس الحديدى من مجموعة من الضباط المغامرين لاستخدامهم فى تصفية خصومه، وعلى رأسهم مصطفى النحاس وزعماء الوفد كما سنوضحه فى حينه.

وكان حزب الوفد وثيق الصلة بالنقابات العمالية نتيجة أنه حزب الأغلبية الشعبية، وأنه فى الفترات القصيرة التى تولى فيها الحكم أدخل لأول مرة أهم التشريعات لحماية الحركة العمالية، وكان أول من نجح فى إنشاء نقابات عمالية على يد عبدالرحمن فهمى خلال ثورة 1919 المجيدة. ثم توالت علاقة الوفد بالعمال، كانت من أهم مراحلها سنة 1936 وصول الكثير من القادة العماليين إلى مناصب مرموقة فى الوزارة والبرلمان مثل أحمد حمدى سيف النصر رئيس المجلس الأعلى للعمال الذى أصبح وزيراً للزراعة. وصدور العديد من التشريعات لحماية العمال خلال وزارات الوفد التالية مثل قانون عقد العمل الفردى وساعات العمل وتكوين النقابات والتعويض عن إصابات العمل وغيرها من التشريعات الحيوية للحركة العمالية. وبذلك كان الوفد هو الحزب الذى يقود الحركة العمالية.

استغل الوفد هذه العوامل بجانب سيطرته على أغلبية الحركة الطلابية فى المدارس والجامعات ودفع الحركة الوطنية إلى الضغط لتحقيق المطالب الوطنية. واستقر الرأى على عقد مؤتمر حاشد للطلبة والعمال فى ساحة قصر عابدين يوم 9 فبراير سنة 1946.. وخرج طلبة جامعة فؤاد (جامعة القاهرة حالياً) فى مظاهرة ضخمة اتجهت من الجامعة إلى قصر عابدين. وعندما وصلت إلى كوبرى عباس كان النقراشى استعد للمواجهة بالمئات من جنود بلوك الغفر (الأمن المركزى حالياً) الذين فتحوا الكوبرى فلم يستطع الطلاب العبور. ولما حاولوا التراجع سد الجنود طريقهم وانهالوا عليهم ضرباً بالهراوات فى قسوة بالغة وقفز مئات الطلبة فى النيل هرباً من الهراوات ومات يومها أكثر من ثلاثين شهيداً غرقاً وضرباً. ولما وصلت الأخبار إلى آلاف الطلبة الذين سبقوا إلى ساحة عابدين وغيرهم فى باقى أنحاء مصر اشتعل الشارع فى طول البلاد وعرضها. وهتف الطلبة والعمال لأول مرة بسقوط الملك «عدو الشعب». وكانت هذه أول مرة يهتف الشعب ضد فاروق منذ اعتلائه العرش سنة 1937 مما هز الملك تماماً ولم يستطع النقراشى الاستمرار فى الحكم فقدم استقالته وقبلها الملك دون تردد، ثم عهد بتشكيل الوزارة إلى إسماعيل صدقى فى 17 فبراير سنة 1946. ونعرض فى المقال التالى وزارة صدقى وكيف استقبلها الشعب.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد