رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

وقفنا فى المقال السابق عند اعتلاء فاروق العرش فى يوليو سنة 1937 ونجاح حكومة الوفد فى عقد معاهدة مونترو التى ألغت كل الامتيازات الأجنبية فى مصر وإنشاء محاكم مختلطة مؤقتة لمدة 12 سنة للفصل فى القضايا التى تكون بين الأجانب والمصريين، اتسمت العلاقات بين فاروق وحكومة الوفد منذ البداية بنفور شديد من جانبه، فقد نجح المنافقون وأعداء الوفد مثل شيخ الأزهر فى إيغار صدر الملك الشاب ضد الوفد وإفهامه أن النحاس يغار منه لأن الملك الشاب يطمح أن يكون خليفة المسلمين الجديد والنحاس يريد هذا اللقب لنفسه، ولذلك بدأت العلاقة منذ البداية مشوبة بالأزمات.

وكانت أول أزمة بعد اعتلاء فاروق العرش فى 29 يوليو وإعادة تكليفه النحاس بتشكيل الوزارة وتقديم أعضاء الوزارة للملك دون استشارته مقدماً، فاعترض الملك على اختيار يوسف الجندى وزيراً للمعارف، ولم يشأ النحاس تفجير الموقف مع الملك منذ اليوم الأول فقبل اعتراضه، ورفض الملك أن تشاركه الوزارة فى اختيار رئيس الديوان الملكى، حسب قواعد الدستور، وبدأ الملك يؤدى صلاة الجمعة فى مسجد الرفاعى الذى لا يخضع لوزارة الأوقاف ويتفوه خلال وجوده بعبارات تسىء للأقباط، وأن لهم فى الوزارة عدداً يفوق نسبتهم فى عدد سكان مصر، وهكذا من التصرفات المتتالية التى عملت على تسميم الجو بين الجانبين، فأرسل النحاس مذكرة لرئيس الديوان الملكى بأن إدارة البلاد طبقاً للدستور تنحصر فى الوزارة وحدها وهذا ما يرتب مسئوليتها أمام البرلمان، وإذا بالملك يصدر مرسوماً ملكياً فى 30 ديسمبر سنة 1937 بإقالة الوزارة تضمن عبارات قاسية وأوتوقراطية تبرز تحدى الملك للأغلبية الشعبية.

كلف الملك محمد محمود، رئيس حزب الأحرار، أهم أحزاب الأقلية وقتها بتشكيل الوزارة وأجرى محمد محمود انتخابات برلمانية اتسمت بالتزوير الفاحش والإرهاب البوليسى الكامل، وكانت نتيجتها عدم حصول الوفد على أكثر من 12 مقعداً فى مجلس النواب، وظلت هذه الوزارة فى الحكم حتى سنة 1939 مستندة إلى قمع بوليسى كامل للرأى العام.

عند هذا المنعطف اشتعلت الحرب العالمية الثانية فى أول سبتمبر سنة 1939 إثر هجوم هتلر على بولندا، وكان هتلر قبل ذلك قد ضم النمسا إلى ألمانيا سنة 1938 فى مارس ثم ابتلع أغلب دولة تشيكوسلوفاكيا بعدها مبقياً منها على دويلة خاضعة بهذا الاسم، وفى سبتمبر سنة 1938 التقى رئيس وزراء بريطانيا، نفيل تشامبرلن، مع الألمان فى ميونخ وأقر لهم ما حققوه من توسع على أن يكون الأخير، وأدركت بريطانيا وفرنسا أن الحرب قادمة لا محالة فثار الرأى العام البريطانى على تشامبرلن وأجبره حزبه على التنحى عن الحكم، وتولى بعده ونستون تشرشل الذى أخذ يستعد للحرب، وكانت إيطاليا تحت حكم الحزب الفاشستى بقيادة موسولينى تزداد تقارباً من هتلر، وكان النفوذ الإيطالى يزداد ظهوراً فى قصر فاروق خاصة بعد رحيل وزارة محمد محمود وتولى على ماهر الوزارة فى أغسطس سنة 1939، ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية فى أول سبتمبر عقب اجتياح هتلر بولندا وإعلان بريطانيا وفرنسا الحرب عليه، وسارت الحرب أول الأمر لصالح ألمانيا التى انضم لها موسولينى رسمياً فى سنة 1940 وحققت ألمانيا أول الأمر انتصارات مذهلة خلال أشهر قليلة اجتاح الجيش الألمانى هولندا وبلجيكا ولكسمبورج والدنمارك والنرويج وسقطت باريس واستسلمت فرنسا وبدأ الجيش الإيطالى يغزو مصر من ليبيا التى كانت مستعمرة إيطالية عندئذ.

شعرت بريطانيا برعب حقيقى وحصار مخيف وأدركت أن مصر على وشك الضياع منها، خاصة ونشاط القوى المعادية لها والمؤيدة لإيطاليا داخل القصر الملكى نفسه قد بدأ يتحدى الوجود البريطانى علناً والتقارب يزداد سراً بين وزارة على ماهر وإيطاليا، فهددت بريطانيا الملك وطلبت منه إزاحة وزارة على ماهر وتحديد إقامته فخرج من الوزارة فى 28 يونيو سنة 1940 وخلفه حسن صبرى الذى لم يستمر أكثر من خمسة أشهر وتوفى وهو يلقى خطاب العرش أمام البرلمان فى 15 نوفمبر سنة 1942 وشهدت وزارته أحداثاً جساماً كما سيلى.

كان الموقف العالمى يزداد تأزماً بالنسبة لبريطانيا، بينما الانتصارات تتوالى على ألمانيا وبدأ القائد الألمانى الشهير روميل يقود الجبهة الغربية ضد مصر أواخر سنة 1941 وجيوش إيطاليا فى ذيله، والقوى الفاشية داخل مصر مثل حزب مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين تجاهر بتأييد ألمانيا وإيطاليا وتنظم المظاهرات التى كانت تهتف «يحيا هتلر إلى الأمام يا روميل»، وكان حزب الوفد يدرك جيداً أن استبدال الاستعمار البريطانى المتراجع باستعمار ألمانى نازى فى غاية القوة العسكرية العدوانية سيكون كارثة على مستقبل مصر، وأنه لا مفر من مساندة بريطانيا فى وجه العدوان الألمانى الزاحف، وكان هذا بالضبط موقف زعيم الهند العظيم جواهر لآل نهرو خلال الحرب عندما رفض طلب الحزب الشيوعى الهندى بتدبير حرب عصابات ضد قوات بريطانيا التى كانت تحتل الهند وقتها، ورأى أن مساندة الاستعمار البريطانى المتراجع أقل خطراً على مستقبل الهند من محور ألمانيا واليابان الزاحف.

بدأت الأمور فى مصر تفلت من سيطرة الحكومة والمظاهرات المؤيدة لألمانيا تتوالى فى الوقت الذى وصلت فيه جيوش ألمانيا لمدينة العلمين فى طريقها للقاهرة..

ونستأنف فى المقال القادم تطور الأحداث منذ بداية سنة 1942.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد