رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

نستأنف فى هذه المقالة حديثنا الذى بدأناه على مدى المقالات الثلاث الماضية فتشير الى ان بريطانيا عملت المستحيل لشق صف الوفد وتقسيم أعضائه إلى معتدلين مثل عدلى يكن وإسماعيل صدقى، ومتطرفين، كما أسمتهم، وهم الأغلبية الساحقة التى سارت وراء زعامة سعد وصلابته فى التمسك بالمطالب الوطنية وهى الاستقلال الكامل لوادى النيل أى مصر والسودان وجلاء جيوش بريطانيا كلية عن مصر واعترافها بها مملكة مستقلة دستورية.

وكان الوفد كحزب طوال سنوات 1919 وما بعدها قد رسخ قدمه تماماً وراء زعامة سعد زغلول وأعلن مبادئه الثلاثة الثابتة والباقية حتى الآن كمبادئ حزب الوفد الجديد الذى أعاده للحياة السياسية عملاق الوطنية الزعيم الراحل فؤاد سراج الدين بعد سنوات طويلة من الحل والاضطهاد على يد الحكم العسكرى الديكتاتورى فى عهوده الثلاثة كما سنوضح فى حينه، وكانت مبادئ الوفد الثلاثة هى:

استقلال وادى النيل - الديمقراطية السياسية - العدالة الاجتماعية.

وكانت المواطنة والمساواة بين المصريين بصرف النظر عن الجنس أو الدين فى أوج ازدهارها تحت شعار وحدة الهلال والصليب، وقام العديد من القساوسة الأقباط يخطبون على منابر المساجد والعديد من شيوخ الأزهر يخطبون فى الكنائس طوال سنوات الثورة.

ونوجز وقائع سنوات 1919 حتى 1921 فى محاولات بريطانيا شق صفوف الحركة الوطنية دون جدوى، وإرسال لجنة برئاسة اللورد ملنر وزير المستعمرات البريطانى لمحاولة تهدئة الثورة، وظلت المناورات البريطانية طوال هذه الفترة على أمل إيجاد قوة شعبية تقبل التعامل مع بريطانيا من وراء ظهر الوفد، كل ذلك والثورة مستمرة ومحاولات التفاوض مع الوفد ومع من سمتهم بالمعتدلين مستمرة دون جدوى.

ولما أدركت بريطانيا فى النهاية استحالة كسر إرادة الوفد قامت من جديد باعتقال سعد وعدد من رفاقه المتمسكين بمطالب الأمة ونفيهم إلى جزيرة سيشل فى 23 ديسمبر عام 1921 وعاد الغليان الثورى وحوادث المقاومة الشعبية السلمية والمسلحة، واعتمد الإنجليز والسلطان فؤاد على وزارات من المعتدلين الذين كانت مطالبهم الوطنية تقف عند حد الحكم الذاتى لمصر فى إطار الإمبراطورية البريطانية مثل عدلى يكن وعبدالخالق ثروت، وظل المد الثورى يرتفع، وحتى تقضى بريطانيا عليه أصدرت فى 28 فبراير عام 1922 تصريحاً يعترف باستقلال مصر صورياً وأصبح السلطان فؤاد ملكاً، واحتفظت بريطانيا بأربعة تحفظات على هذا الاستقلال الصورى وهو حقها فى استمرار احتلال مصر وحماية قناة السويس باعتبارها شريان مواصلات الإمبراطورية وحماية الأجانب والأقليات.

ورفضت الحركة الوطنية فوراً هذا التصريح بينما قبله الملك فؤاد والمعتدلون الذين سارعوا فى أول مارس بتشكيل وزارة برئاسة عبدالخالق ثروت، وأعلن إنشاء وزارة خارجية لمصر باعتبارها أصبحت دولة مستقلة ذات سيادة، كل ذلك والثورة والمقاومة السلمية والمسلحة مستمرة.

وبدأ الملك فؤاد تشكيل لجنة لوضع دستور للبلاد وإنشاء برلمان وقضاء مدنى مستقل رغم وجود قضاء موازٍ هو المحاكم المختلطة التى كانت مختصة بالقضايا التى يكون الأجانب طرفاً فيها حيث إن الامتيازات الأجنبية كانت سارية ولها أولوية على استقلال مصر.

ورفض الوفد ممثل الأمة لجنة وضع الدستور، ما لم تكن له رئاستها وأغلبية أعضائها وسماها «لجنة الأشقياء» ومع ذلك استمرت اللجنة فى عملها، وكانت نتيجة لاستمرار الثورة والضغط الشعبى أنها أصدرت دستور عام 1923 فى أواخر ذلك العام، وكان دستوراً يعترف بحق الشعب فى حكم نفسه ويحدد الحقوق السياسية والحريات، ويحدد إجراء انتخابات حرة لاختيار برلمان يمثل الشعب فى أوائل عام 1924 وطبعاً النصوص القانونية البراقة شىء والممارسة الفعلية للدستور فى ظل احتلال بريطانى وملكية مطلقة شىء آخر.

ومع ذلك كان الضغط الشعبى والثورة المستمرة عاملاً حاسماً على الساحة السياسية، فلما أجريت الانتخابات أوائل عام 1924 اكتسحها مرشحو حزب الوفد بنسبة 90٪ من مقاعد البرلمان لدرجة أن رئيس الوزراء عندئذ يحيى باشا إبراهيم سقط فى دائرته الانتخابية أمام مرشح الوفد أحمد أفندى مرعى، كان حزب الوفد شهيراً باسم حزب الفلاحين والجلاليب الزرقاء، وأسقط فى يد الملك والبريطانيين واضطر الملك فؤاد إلى دعوة سعد زغلول لتشكيل وزارة وفدية خالصة، كما أسقط فى يد النخبة المثقفة وآباء التنوير مثل أحمد لطفى السيد الذين ظنوا أن الشعب سيرد جميلهم فى قيام الدستور الذى طالما نادوا به، وكان أدق تعبير عن خيبة أمل النخبة الأرستقراطية على نتائج الانتخابات قول أحمد لطفى السيد: هذا الدستور ثوب فضفاض لا يناسب الأمة غير المهيأة له بعد.

ونعرض فى المقال القادم وزارة سعد ومؤامرات الملك وبريطانيا التى أسقطتها بعد عشرة أشهر من قيامها.