عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

من الدروس التى تعلمتها أننى لم أخرج إلى هذا الوجود صحيفة بيضاء، كما كان يظن القدماء بل كثير من صفات أمى و أبى وأجدادى وما حدث لهم قد نقشت فى صحيفتى، سواء فى ذلك الصفات الجسمية أو العقلية أو الأخلاقية، كانت تلك الكلمات من فصل «استفد من تجربتى» للكاتب الكبير أحمد أمين.

كنت أقرأ هذه الأسطر وأنا على متن الطائرة أثناء عودتى من رحلتى الأخيرة بجنوب شرق القارة الآسيوية، وكم كانت رحلة طويلة، إلا أنها كانت فرصة جيدة أيضاً كمتسع من الوقت للتعمق فى القراءة، والتأمل بعض الشىء.

ووجدتنى أتوقف للحظات عن القراءة، وبدأت أفكر فى تلك الكلمات العميقة المغزى، وتذكرت عندما كنت حاملاً فى ابنتى، وكان المقربون لى خاصة من النساء ينصحوننى دائماً بأن أستمع إلى موسيقى هادئة، وأنظر إلى صور جميلة، وأحاول قدر المستطاع أن أحيط نفسى بالسعادة والبهحة..... وما إلى ذلك من الأمور التى تجعلنى أشعر بالسعادة مما ينعكس فى النهاية على ما تحمله أحشائى، وكأنه يشعر ويحس هو الآخر ويتأثر تكوينه تبعاً لذلك الشعور..... وعدت لأتابع القراءة فوجدت الأستاذ أحمد أمين يضرب أيضاً مثالين كان لهما أثر سيئ فى حياته: أحدهما وهو فى بطن أمه حيث احترقت أخته التى لم يرها، وقد كانت فى الثانية عشرة من عمرها، ويروى بالطبع كم حزنت الأم على ابنتها وتألمت لفراقها، وقضى هو أشهراً يتغذى بدم أمه الحزين وتتكون أعصابه من أعصابها المحطمة ويسبح فى ماء الحزن داخل جسم الأم..... وتساءل لربما كان هذا الحادث سبباً فى جعله إنساناً يميل إلى الحزن والبكاء أحياناً، وكذلك سماع الغناء الحزين وتفضيله المأساة على الملهاة فى حياته التى عاشها؟! لربما فعلاً... أو قد يكون ما حدث هو أحد الأسباب وتكون التربية هى التى أسهمت فى تعميقه بدل من أن تمحيه أو تعمل على إصلاح ما نتج عنه من آثار سلبية.... ولربما أيضاً!

كذلك ذكر أن الحادث الثانى تمثل فى أن أمه كانت تعانى من ضعف أو قصر فى النظر، وقد ورث عنها ذلك، الأمر الذى أثر أيضاً على كل حياته، وأربكه فى مواقف كثيرة، وكان له أثر فى أخلاقه.

المهم أن كاتنبا الكبير خرج فى النهاية بنتيجة فى غاية الأهمية ألا وهى: أن التربية عندنا فى الشرق كانت ولا تزال على ما أعتقد أنا أيضاً أنها متروكة للمصادفة. وأنا أوافقه تماماً فى ذلك دون أدنى شك، فلو كانت (التربية التى نتلقاها صحيحة) لكانت اهتمت بدراسة شئون كل طفل وأسرته لتكتشف أسباب وجود أعراض معينة، كالميل للحزن كما ذكر أستاذنا مثلاً، أو صفات أخرى كالعناد وغيرهما من الصفات التى يكون لها آثارها السلبية على حياة الفرد والمجتمع على حد سواء، وعليه نستطيع أن نضع علاجاً صحيحاً لها بعد التشخيص السليم من الناحية النفسية، وبالتالى تتم معالجة القصور لننعم بالحياة فى سعادة أكثر وراحة أكثر، ففى حالة الأستاذ أحمد أمين كان من الممكن مثلاً لو تم التعامل مع الأمر بطريقة مدروسة ومحسوبة ومقصودة أن يتعلم منذ الصغر كيف يتذوق الفرح والبهجة كما يتذوق الحزن. كذلك أيضاً كان يمكن أن تتم معالجة أو الحد من مشكلة ضعف أو قصر النظر لو تم الانتباه لها مبكراً منذ الصغر.

فكم تستطيع التربية أن تصلح من فساد وتعالج من مرض، ولكن وللأسف الشديد معظم الأمور عندنا متروكة للظروف والطروف، للمصادفة والحظ، تتم معالجتها بطريقة الفهلوة وشغل التلت ورقات...وينطبق ذلك على مستوى الأفراد، وأيضاً الحكومات والدول.

 

وما زال لحديثنا بقية......