رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

انتهينا فى المقال الماضى إلى الإشارة لدور بريطانيا فى صناعة الضباط الأحرار، وفى ذلك نشير إلى أن بريطانيا وضعت أحد دبلوماسييها فى طريق أحد قادة جمعية الضباط الأحرار وكان بالتحديد قائد الجناح الطيار على صبرى، وأكدت له أن الجمعية لو تحركت لإسقاط الملك فلن تتدخل بريطانيا وستعتبر ذلك شأناً مصرياً داخلياً، ولو أراد جيش الاحتلال البريطانى القضاء على الانقلاب العسكرى وحرك قواته لاحتلال القاهرة والقضاء على الانقلاب لتغير وجه التاريخ قبل غروب شمس 23 يوليو سنة 1952، خاصة أن بعض وحدات الجيش ما زالت على ولائها للملك، مثل الحرس الملكى والبحرية الملكية بقيادة أمير البحر سليمان عزت، الذى حرك بعض قطعه البحرية نحو معسكر مصطفى باشا بالإسكندرية ووجه مدافعها نحو المعسكر لتهديده لو تحرك للانضمام للانقلاب.

واكتفينا فى مقالنا الأول بهذه الملاحظات على مقال السيدة الفاضلة الملىء بالخبرة على التاريخ، على أن نبدأ سلسلة المقالات سنة 1919 حتى اليوم مهما طالت السلسلة، ولن نتوقف خلالها للرد على أى هجوم، فسنترك الرد لحين انتهائها من عرض التاريخ، كما عرفناه وعشنا جزءاً كبيراً من صبانا وحتى الآن.

ونبدأ فى هذا المقال سرد تاريخ مصر منذ ثورة 1919 الخالدة حتى اليوم حسب ما يقوله التاريخ لا ما أرادته السيدة الفاضلة كريمة قائد الانقلاب العسكرى فى 23 يوليو 1952 عند نهاية الحرب العالمية الأولى فى نوفمبر سنة 1918 كانت مصر محمية بريطانية تحتلها جيوش بريطانيا المنتصرة والتى كانت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس. وكانت بريطانيا سنة 1914 قد خلعت الخديو عباس آخر خديو فى مصر، نظراً لأن الخليفة العثمانى التابعة له مصر اسماً قد دخل الحرب العالمية فى صف ألمانيا عدوة بريطانيا التى رأت فى ذلك فرصتها فى إسقاط النفوذ العثمانى الاسمي وإعلان حمايتها على مصر، ووضعت بريطانيا على عرش مصر السلطان حسين كامل شقيق عباس الأصغر بعد أن رفض ابنه محمد عبدالمنعم قبول العرش الذى خلعت بريطانيا عنه أباه، ولما مات حسين كامل سنة 1917 وضعت بريطانيا على العرش أحمد فؤاد أصغر أبناء الخديو إسماعيل.

ومنذ احتلال بريطانيا لمصر 1882 بتواطؤ السلطان العثمانى لسحق الثورة العرابية التى قامت سنة 1881 مطالبة بدستور للبلاد، وتم القضاء على ثورة الزعيم الوطنى العظيم أحمد عرابى ونفيه مع رفاقه إلى جزيرة سيلان «سريلانكا حالياً».

ومنذ الاحتلال البريطانى سنة 1882 هبت فى مصر غضبة شعبية لم تهدأ نارها وساعدت بعض الأحداث على ازدياد نار الثورة فى النفوس مثل مذبحة دنشواى سنة 1906 عندما اجتاحت جنود بريطانيا قرية دنشواى، لأن بعض جنودها كانوا يصطادون الطيور فى حقولها فتصدى لهم الفلاحون ومات أحد جنود بريطانيا فاجتاحت القرية وقبضت على العديد من أهلها الذين أقامت لهم محاكمة صورية حكمت على العديد منهم بمدد سجن طويلة وشنقت أربعة منهم أمام منازلهم، وكانت هذه الحادثة بالذات أشد ما ألهب الثورة فى نفوس المصريين الذين تزعم ثورتهم عندئذ الزعيم الشاب مصطفى كامل باشا، وكانت مطالب مصطفى كامل والثورة عندئذ هى جلاء القوات البريطانية وعودة مصر ولاية ذات حكم ذاتى داخل الإمبراطورية العثمانية، ومات مصطفى كامل فى ريعان شبابه بمرض السل سنة 1908، ولكن الحركة الوطنية لم تمت بموته وظلت البلاد تغلى حتى جاءت الحرب العالمية الأولى وأعلنت بريطانيا حمايتها على مصر كما ذكرنا أعلاه وطوال سنوات الحرب حتى نهايتها سنة 1918 كانت الحركة الوطنية تشتد ويتحول مسارها إلى المطالبة باستقلال مصر وليس عودتها ولاية عثمانية، وظهر فى هذه الفترة رجال عظام طالبوا بتحرير المرأة وخروجها من ظلام عصر الحريم مثل قاسم أمين الذى نشر كتاباً بهذا العنوان، كما ظهر رجال عظام مثل أحمد لطفى السيد وعبدالعزيز فهمى اللذين كانا يلقبان بآباء الدستور والحياة البرلمانية التى كانا يناديان بها، أما الزعامة السياسية والجماهيرية فكانت لسعد زغلول باشا الذى كان وكيل الجمعية التشريعية، وهى هيئة نيابية أنشأتها بريطانيا سنة 1913 كان رأيها استشارياً فيما عدا فرض الضرائب، ثم ألغت بريطانيا هذه الجمعية شبه النيابية عند اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وطوال سنوات الحرب كانت الجماهير المصرية من أعيان وأفراد عاديين وفلاحين تتجمع حول سعد زغلول الذي كان يتمتع بشخصية زعامية طاغية وصلابة في التعبير عن مطالب الحركة الوطنية الخاصة باستقلال مصر واقامة حكم برلماني بها. والتف حول سعد زغلول نخبة كبيرة من شباب الأعيان والمهنيين والأفراد العاديين كانوا نواة حزب الوفد كما سنوضح، وقبيل نهاية الحرب قرب أواخر سنة 1918 بدأت النخبة الوطنية الملتفة حول سعد تطالبه بالاستعداد لعرض مطالب مصر على مؤتمر الصلح الذى سيعقد عقب نهاية الحرب، وعند إعلان الهدنة يوم 11 نوفمبر سنة 1918 كانت الحركة الوطنية قد استقرت على قيام سعد زغلول باشا وعلى شعراوى باشا وعبدالعزيز فهمى بك أحد أدباء التنوير، كما ذكرنا، بمقابلة اللورد ونجيت المعتمد البريطانى فى مصر وحاكمها الفعلى ومطالبته بالسماح لهم بالسفر لباريس لحضور مؤتمر الصلح الذى كان سيعقد فى قصر فرساى خارج باريس سنة 1919.

وتم لقاء الثلاثة مع ونجيت يوم 13 نوفمبر أى بعد يومين فقط من إعلان الهدنة، ولما سألهم ونجيت عن صفتهم كي يطالبوا باستقلال مصر وعمن فوضهم فى هذا الطلب اشتعلت البلاد من أقصاها إلى أقصاها بالحماس، وخلال أسبوع كان المصريون قد جمعوا أكثر من نصف مليون توكيل يفوضون بموجبه سعد زغلول وزميليه بالمطالبة باستقلال مصر بكل الطرق المشروعة، ويلاحظ أن عدد سكان مصر وقتها لم يكن يتجاوز العشرة ملايين، ولم يكن هناك راديو أو تليفزيون طبعاً لحشد الجماهير، ولم تكن بمصر من الصحف السياسية سوى صحيفتين هما اللواء والمؤيد اللتان تصدر كل منهما مرتين أسبوعياً، وبدأت المظاهرات تشتعل فى أنحاء مصر تأييداً لسعد وزميليه، وأطلق على منزل سعد زغلول بيت الأمة وسمى التجمع الشعبى الضخم الذى التف حوله سعد باسم الوفد تكريماً للوفد الثلاثى الذى قابل ونجيت يوم 13 نوفمبر الذى اعتبر عيداً للجهاد الوطنى، وظلت مصر تحتفل به سنوياً حتى وقوع الانقلاب العسكرى فى 23 يوليو سنة 1952 كشرت بريطانيا عن أنيابها لمواجهة المظاهرات العارمة التى اندلعت فى كافة أنحاء البلاد، فقامت يوم 8 مارس سنة 1919 باعتقال سعد وبعض كبار مؤيديه وسيق المقبوض عليهم إلى باخرة بريطانية حملتهم إلى جزيرة مالطا التى كانت مستعمرة بريطانية، وانتشر نبأ القبض على سعد ورفاقه انتشار النار فى الهشيم، وفى صبيحة يوم 9 مارس سنة 1919 اشتعلت البلاد من أقصاها إلى أقصاها بالثورة العارمة، وكان هذا اليوم هو بداية ثورة 1919 الخالدة وإلى المقال التالى.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد