رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نشرت مجلة السياسة الخارجية فى 10 فبراير سنة 2015 تحليلاً متميزاً للأوضاع السياسية داخل اليمين البريطانى، وحلمه بإعادة صياغة نظام عالمى جديد محافظ يكون مركزه المجال السياسى الإنجليزى، وهو ما تحقق عندما صوتت أغلبية بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبى كما يقول الكاتبان مايكل كينى ونك بيرس.

يقول الكاتبان إن فكرة المجال الإنجليزى جذورها فى تاريخ الكومنولث «منظمة الدول البريطانية»، ولكن اليوم فقد أخرج العالم حلفاً قوياً غير معلن، فخلال ما كان فترة اضطراب غير عادية فى السياسة البريطانية، حدث أحد أهم التغييرات التى ستدوم فى عقول هؤلاء الجالسين على قمة السلطة السياسية، ولم تلاقِ هذه التغيرات ما تستحق من اهتمام، ونعنى بذلك عودة اليمين السياسى إلى الظهور بقوة، وحلمه فى إنشاء مستقبل مختلف تماماً سياسياً واقتصادياً للمملكة المتحدة، وهو حلم هدفه العودة إلى الظروف التاريخية والقيم التى جعلت بريطانيا عظمى فى الماضى، وبين عدد متزايد من المحافظين البريطانيين ذوى الميول الأوروبية هناك طموح لإنشاء حلف من الدول الرئيسية الناطقة بالإنجليزية المنتشرة حول العالم، وقد نما هذا الشعور حتى أصبح الآن صرحاً محترماً، ففكرة إقامة مجال سياسى إنجليزى واستراتيجى انتشرت فى هذه الدول لدرجة أصبحت معها ذات تأثير سحرى على المحافظين البريطانيين، وقد تقدم الإطار الفكرى المتنامى لحملة للخروج من الاتحاد الأوروبى فى أى استفتاء مستقبلى.

فمفهوم مجال إنجليزى يعكس الاعتقاد الراسخ بأن مصالح بريطانيا الحقيقية تكمن فى تقوية علاقاتها وربما إنشاء نوع من التحالف مع الدول ذات التكوين المماثل لها سياسيًا ومؤسسيًا، ولديها التقاليد والقيم نفسها الخاصة بالحكم البرلمانى والحرية الشخصية، والاقتصاد الحر، وحكم القانون، وقائمة العضوية فى هذا المنتدى تختلف كثيراً حسب الفكر الشخصى، ولكنها فى قلبها لابد أن تتضمن الدول الخمس الرئيسية الناطقة بالإنجليزية، وهى أستراليا ونيوزيلندا وكندا والولايات المتحدة، فضلاً عن بريطانيا. والدول الأربع الأولى منها كانت كلها يومًا ما مستعمرة بريطانية، ويمكن بسهولة تصنيفها على أنها مجموعة من الدول المتحدة فى الإرث المشترك من السياسة والاقتصاد والثقافة النابعة كلها من الجذور البريطانية البرلمانية ومؤسساتها والحرية الاقتصادية والليبرالية والعقيدة البروتستنتية.

ولكن ما يجعل لمفهوم المجال الإنجليزى جاذبية شديدة فى وقتنا الحالى بالنسبة للمحافظين ويزيل تمامًا أى مرارة من الماضى من بقايا الحرب الباردة، أن قيامه كإطار لبريطانيا مستقلة تزدهر فى ظل اقتصاد دولى، يسيطر عليه علو شأن آسيا وتقدمها، فعندما تتحرر بريطانيا من الارتباط بأوروبا، وتتحد مع باقى دول المحال الإنجليزى، فإنها فى رأى معتنقى هذا الفكر تستطيع إعادة اختراع تاريخها فى التجارة الحرة، وتوسيع نطاق تاريخها الاستعمارى ليتمشى مع الظروف الجديدة، ويستطيع الاندماج فى الاقتصاد الدولى الجديد الذى يقوم خلال القرن الآسيوى.

وهذه هى الجذور الحقيقية لبديل قوى ضد أنصار الاندماج مع أوروبا أصحاب الفلسفة الوسطية للعولمة الذين سيطروا على  التيار الأساسى للسياسة البريطانية وبالذات حزب العمال البريطانى خلال ربع القرن الماضي، ومن المهم ملاحظة أن هذا الفكر الذى يتخذه المحافظون الجدد، يقاوم تمامًا التراجع إلى الخلف نحو الاقتصاد الوطنى، بل ينادى بدلاً منه بإنشاء مفهوم جديد للحرية الاقتصادية والسوق الحر من خلال التعاون الجيوسياسى المرتكز على التحالف المؤسسى للمجال الإنجليزى، وقد وضع مؤيدوه كتيبًا لشرحه، عنوانه: «بريطانيا تكسر قيودها».

وهذه الفكرة لها جذور عميقة فى تقاليد الكومنولث التى ظهرت إلى الوجود بعد الحرب العالمية الثانية، وقد أذيع أيامها أن ونستون تشرشل صرخ فى وجه ديجول قبل نزول الحلفاء على شواطئ نورماندى قائلًا: «إذا كان لبريطانيا الخيار بين أوروبا أو البحر المفتوح فستختار البحر المفتوح».

وقد كرر هذه العبارة سنة 1962 هيوجتسكيل زعيم حزب العمال البريطانى خلال مؤتمر الحزب وقتها، مضيفاً أن بريطانيا ستكون مجرد إقليم فى أى أوروبا موحدة، فتنهى بذلك ألف سنة من التاريخ.

وإلى هنا ينتهى هذا التحليل المتميز، ونلفت نظر القارئ الى أن تاريخه هو 10 فبراير سنة 2015، أى قبل أكثر من عام على تصويت الأغلبية فى بريطانيا فى يونيه الماضى، بالانسحاب من الاتحاد الأوروبى فى الاستفتاء الذى ظنت كل التكهنات خطأ أن النتيجة ستكون فى صالح البقاء داخل الوحدة الأوروبية.

الرئيس الشرفى لحزب الوفد