عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

كنا قد استعرضنا فى المقالين السابقين خلفية إنهاء بريطانيا لعضويتها بالاتحاد الأوروبى، وتناولنا أيضاً بعض سيناريوهات المستقبل الاقتصادى بعد هذا الخروج الذى وصفه بعض المحللين بالكارثى!، واستكمالاً لـ «الطلاق المؤلم» كما وصفه بعض الساسة والمسئولين ممن شددوا كذلك على سرعة إنهاء إجراءاته، سنحاول مناقشة تداعيات ذلك على أوروبا الموحدة كمشروع سياسى متكامل واقتصادى.

وهناك العديد من الأسئلة الملحة ولعل أبرزها على ما يبدو لى هو: هل خروج بريطانيا من الاتحاد يعنى انفراط عقده وعودة القارة إلى عالم ما قبل الحرب العالمية الثانية؟

وقبل محاولة الإجابة تعالوا بنا نتذكر سريعاً تلك المشهد فى الـ 27 من نوفمبر عام 1967 عندما وقف الرئيس الفرنسى ديجول أمام نحو 1000 شخص من كبار رجال الدولة الفرنسية بقصر الإليزيه وقال: «إن بريطانيا تملك كراهية متجزرة للكيانات الأوروبية»، ومحذراً من أن فرضها كعضو بالسوق المشتركة سيؤدى لتحطيمه.

واتضح الآن أن الفكرة الأوروبية بأحلامها الفيدرالية والجيش الموحد قد فقدت الكثير من جاذبيتها، حيث لا يوجد رضاء عنها خارج المحور الألمانى - الفرنسى، كما بدا الاتحاد عبارة عن مشروع سياسى بالغ الهشاشة فى مواجهة الأزمات، فهناك مليون لاجئ كانوا قد كلفوا القارة انقساماً غير مسبوق، حدود مغلقة، تكتلات فى مواجهة أخرى، صعود غير مسبوق أيضاً لليمين المتطرف، وعجز عن تنسيق آلية مشتركة.

فقادة الاتحاد لم يستوعبوا مؤشر نتائج الانتخابات الرئاسية النمساوية لصالح «نوبرت» مرشح الحزب اليمينى المتطرف!، ومن المتوقع انتشار عدوى الانفصال، خاصة فى الدول المتضررة من الإملاءات الأوروبية بخصوص اللاجئين فى وسط وشرق أوروبا، وأيضاً دول الجنوب المتحفظة على سياسات التقشف، فقد رفض رئيس المجر «أوربان» خطة بروكسل بقبول حصص لتوزيع 160 ألف لاجئ وأقرت المحكمة الدستورية هناك عمل استفتاء فى مايو الماضى وكلها أيام وتلوى المجر هى الأخرى ذراع الاتحاد، ومرشح ظهور هذا النموذج بشدة أيضاً فى كل من النمسا والسويد والدانمارك.

ونعتقد أن الاتحاد سيكون مجبراً بداية من قمة بروكسل القادمة فى 28 و29 يونية على إعادة تعريف هويته، والتقليل بشكل صارم من كل خططه التوسعية تجاه اندماج سياسى كامل، والاكتفاء لوقت لا نعلم مقداره بما تم إنجازه، وإتاحة سلطة أكبر للبرلمانات الوطنية لاستيعاب المد القومى والحركات الانعزالية، مع تحمل مخاطرة التحول لمجرد سوق اقتصادى موحد بدون مشروع تكامل سياسى.

وإجمالاً نستطيع القول بأن يوم 24 يونية هو يوم تغير فيه وجه بريطانيا والاتحاد الأوروبى للأبد، فبريطانيا فقدت جزءاً من مكانتها العالمية وأدوات تأثيرها خارج حيزها الجغرافى، وربما تجد نفسها أمام تقزم جديد حال انفصال أسكتلندا وأيرلندا، أما الاتحاد فلن يعود يوماً كما عرفناه، فقد فَقَدَ قوة نووية صاحبة مقعد دائم فى مجلس الأمن، وتحول إلى قطب تحيط به قوتان نوويتان «بريطانيا العدو السابق وروسيا الخصم اللدود»، وفقد أيضاً امتداده الاستراتيجى عبر الأطلسى بفقدان الدور البريطانى للربط بين بروكسل وواشنطن.. فكلاهما خصم من مكانة الآخر عالمياً بشكل يصعب تدارك آثاره السلبية.