يستطرد التقرير المسموم قائلاً:
واجه الملك سعود ابن عبدالعزيز ووريثه نوعا آخر من رد الفعل (أقل دموية ولكنه أكثر فعالية). تم عزل سعود عن العرش بضغط الموسسة الدينية لحساب شقيقه فيصل بسبب أسلوب حياة البذخ الذى اتبعه سعود. فقد أثارت تصرفاته المؤسسة الدينية التى كانت تتوقع من «إمام المسلمين» أن تكون حياته مثالاً يحتذى به.
أما الملك فيصل شقيق الملك سعود فقد تم اغتياله سنة 1975 على يد ابن أخيه الذى حضر قاعة العرش بحجة تجديد ولائه لعمه الملك. وبدلا من ذلك أخرج مسدسه وقتل الملك برصاصة فى الرأس. كان ابن الأخ هذا منزعجا من تغلغل العقائد والممارسات الغربية إلى داخل المجتمع الوهابى مما سبب فى اعتقاده زعزعة الأفكار الأساسية لمبادئ المذهب الوهابى ومشروعه.
الاستيلاء على الحرم المكى 1979:
كان الأمر الأكثر خطورة هو الصحوة الإخوانية بزعامة جهيمان العتيبى، والتى انتهت إلى احتلال الحرم المكى بمعرفة حوالى أربعمائة أو خمسمائة من أتباعه المسلمين سنة 1979. وكان الأتباع رجالا ونساء مسلحين، وكان جهيمان نفسه من قبيلة العتيبى القوية فى نجد وهى القبيلة التى قادت جماعة «الإخوان» وكانت ركنا أساسياً فيهم خلال عشرينات القرن العشرين.
وكان الكثير من اتباع جهيمان قد جاءوا من مدارس المدينة الدينية. وكانوا يتمتعون بتأييد خفى من رجال الدين من أتباع الشيخ عبدالعزيز بن باز مفتى السعودية السابق، وصرح جهيمان من خلال التحقيقات بأن الشيخ عبدالعزيز بن باز لم يعترض أبدا على دروس جهيمان الدينية فى الحلقات الإخوانية الدينية التى كان ينظمها رغم أنها كانت تنتقد كثيراً «تساهل» رجال الدين حيال الأفكار «الإلحادية». وأضاف أن بن باز قد لاق بشدة على تصريحاته بأن الأسرة المالكة السعودية قد فقدت شرعيتها لأن الفساد استشرى فيها. وأنها دمرت التقاليد السعودية نتيجة سياستها العدوانية بنشر التغريب فى المجتمع السعودى.
ومن الأشياء ذات المعنى أن اتباع جهيمان كانوا يرددون مبادئهم الإخوانية فى عدد من المساجد دون أن يعترضهم أحد أو يقبض على أى منهم، ولكن عندما تم أخيراً القبض على جهيمان وبعض أعوانه سنة 1978 قام عبدالعزيز بن باز وعدد من رجال الدين التابعين له باستجوابهم ثم أمروا بالإفراج عنهم حيث وجدوا من وجهة نظرهم أن أفكار جهيمان وأتباعه ليست سوى أفكار تقليدية لا تمثل أى خطر على النظام العام مثل أفكار جده السالفة.
وحتى بعد أن تمت السيطرة على الحرم المكى وهزيمة المتمردين من اتباع جهيمان وفض اعتصامهم كان العلماء من أتباع بن باز حريصين على عدم إدائه ما حدث بقسوة أو وصفه بالخروج عن الدين. فعندما طلبت الحكومة من بن باز إصدار فتوى تبيح استخدام القوة فى فض اعتصام المتمردين فى الحرم المكى واعتبارهم خارجين عن الإسلام رفض بن باز وأعوانه اعتبار المتمردين كفارا رغم تعديهم على حرمة الحرم المكى.. ووصفتهم بأنهم «الجماعة المسلحة» فقط.
لم تكن المجموعة التى قادها جهيمان تفتقد مصادر النفوذ والثروة. بل كانت محاطة بتعاطف واسع النطاق. كان جد جهيمان أحد قادة الإخوان الأوائل. وبعد ثورته على عبدالعزيز بن سعود وقمعها انضم الكثير من أعوانه إلى الحرس الوطنى. والواقع ان جهيمان نفسه قد خدم فى الحرس الوطنى. وبذلك استطاع الحصول على الأسلحة والتدريب العسكرى من المتعاطفين معه من رجال الحرس الوطنى. كما حصل على الكميات الكافية من السلاح والمواد والأغذية التى تم تخزينها سرا فى الحرم المكى قبل إعلان التمرد. كما استطاع جهيمان الحصول على مبالغ كبيرة من العديد من الأغنياء المتعاطفين معه لتمويل مشروعه لاحتلال الحرم المكى.
داعش فى مواجهة السعوديين المستغربين:
إن الدافع فى عرض هذا التاريخ هو إبراز مدى قلق القيادة السعودية نتيجة قيام داعش فى العراق وسوريا. فالحركات الإخوانية السابقة تم قمعها. وتم ذلك كله داخل حدود المملكة.
أما داعش فهى الإخوان الجدد الرافضون للحكم السعودى ولكن من خارج حدود المملكة. والسائرون على خطى جهيمان فى رفض حكم الأسرة المالكة السعودية. وهذا هو الخلاف العميق الذى نراه اليوم فى السعودية بين تيار أنصار التحديث الذين كان فى مقدمتهم الملك الراحل عبدالله وبين تيار جهيمان الذى يمثله بن لادن ومؤيدو داعش داخل السعودية والمؤسسة الدينية السعودية. ويمتد هذا الخلاف إلى داخل الأسرة المالكة نفسها. ونقف عند هذه الفقرة حتى الحلقة التالية.
الرئيس الشرفى لحزب الوفد