رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

يستطرد التقرير تحت عنوان فرعى هو «الذيل السعودى يتبع بريطانيا وأمريكا فى الشرق الأوسط»: من المفارقات أن مسئولا بريطانيا، هو الذى وضع جرثومة الدولة الجديدة فى الشرق الأوسط، فالمسئول البريطانى الذى التحق بخدمة عبدالعزيز بن سعود كان اسمه هارى سان جون فيلبى (وهو والد الجاسوس البريطانى الذى تجسس لحساب الاتحاد السوفيتى فيما بعد وهو كيم فيلبى)، أصبح سان جون فيلبى أقرب مستشارى عبدالعزيز بن سعود بعد استقالته من خدمة الحكومة البريطانية رسمياً، وظل حتى وفاته مسئولاً كبيراً بالبلاط السعودى.. وكان مثله فى ذلك لورانس العرب من المستعربين البريطانيين، وتحول فى عقيدته الدينية من المسيحية إلى الوهابية وغير اسمه إلى الشيخ عبدالله فيلبى.

كان سان جون فيلبى رجل عمل شديدا، قرر أن يجعل صديقه عبدالعزيز بن سعود حاكماً للجزيرة العربية، والواقع أنه من الواضح أنه فى سبيل تحقيق طموحاته لم يكن يعمل بتوجيه رسمى بريطانى، فمثلاً عندما شجع عبدالعزيز على توسيع ملكه شمالاً فى نجد صدر له الأمر البريطانى بالتوقف.

ولكن كما قال الكاتب الأمريكى ستيفن سيوارت كان عبدالعزيز يدرك أن بريطانيا تعهدت مراراً بأن هزيمة العثمانيين سيعقبها قيام دولة عربية، وكان هذا دون شك هو ما شجع عبدالعزيز وفيلبى على إقامة مملكة.

وليس من الواضح تماماً ما حدث بين فيلبى وعبدالعزيز «فالتفاصيل يبدو أنها أخفيت»، ولكن يبدو أن رؤية فيلبى لم تكن مقصورة على إنشاء مملكة بالطريق التقليدى، ولكن عن طريق تحويل الأمة الإسلامية الكبرى إلى المذهب الوهابى واتخاذها أداة لتوطيد السعوديين فى حكم الجزيرة العربية، ولإمكان حدوث هذا يتعين على عبدالعزيز الحصول على موافقة بريطانيا «وفيما بعد بسنين عديدة موافقة أمريكا» وكانت هذه هي السياسة التى جعلها عبدالعزيز هدفا له بمشورة من فيلبى بريطانيا الأب الروحى للسعودية.

يمكن اعتبار فيلبى الأب الروحى لهذا الاتفاق الهائل الذى بموجبه يستطيع السعوديون استخدام نفوذهم لإدارة الإسلام السنى نيابة عن الأهداف الغربية «احتواء الاشتراكية والبعثية والناصرية، والنفوذ السوفيتى وإيران.. إلخ» ومقابل ذلك يوافق الغرب على القوة الناعمة للإسلام الوهابى «الذى يدمر التقاليد الحرة للإسلام وتنوعاته المختلفة داخل العالم الإسلامى».

وبمفاهيم سياسية ومالية فإن الاستراتيجية السعودية مع فيلبى كانت ناجحة نجاحاً منقطع النظير، ولكنها كانت دائماً مبنية على قواعد فكرية بريطانية وأمريكية، وهى رفض رؤية الخطر الكامن فى المشروع الوهابى، وقدرته فى أى وقت على الانفجار إلى أصوله الدموية النقية، وقد حدث هذا فعلاً على يد داعش.

وكنتيجة لذلك منذ حدث هذا الانفجار حتى الآن، فإن السياسة البريطانية والأمريكية ظلت مرتبطة بالأهداف السعودية «بنفس قوة ارتباطها بأهدافها»، وظلت معتمدة بشدة على السعودية فى تحديد الاتجاه للسياسة التى تتبعها فى الشرق الأوسط.

وفى حدود الموافقة الغربية واستمرارها، فإن هذا الاستمرار كان يتطلب تغيير الأسلوب: كان ضرورياً أن يتغير المشروع من إسلام مسلح ذي حركة طليعية إلى شىء يشبه دولة طبيعية، ولم يكن هذا سهلاً إطلاقاً بسبب التناقضات المزروعة داخل الحركة «النقاء الخلقى مقابل السياسة العملية والمال»، وبمرور الوقت فإن مشاكل التوفيق بين الحداثة التى تتطلبها دولة حديثة وبين الواقع السائد تسببت فى نشاط  خلية جرثومة الفناء بدلاً عن انحسارها.

وحتى عبدالعزيز نفسه واجه رد فعل فى شكل تمرد طائفى من ميليشيته الوهابية نفسها المعروفة بالإخوان السعوديين، عندما تمدد نفوذ الإخوان فى السيطرة على مناطق ملاصقة تحت السيطرة البريطانية، حاول عبدالعزيز الحد من نفوذ ميليشيته، ولكن الإخوان الذين كانوا ينتقدون استخدامه للعلم الحديث مثل التليفون والتلغراف والمدافع الرشاشة، كانوا ثائرين لتخليه عن «الجهاد» من أجل السياسة العملية، فرفضوا إلقاء سلاحهم وثاروا ضد ملكهم، وبعد سلسلة من الصدامات الدموية سحقهم عبدالعزيز عام 1929، واندمج الإخوان الذين بقوا على ولائهم له إلى الحرس الوطنى فيما بعد.

ونقف عند هذه الفقرة حتى الحلقة التالية.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد