رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مررت فى حياتى بأمور كثيرة، جعلتنى أيقن تمامًا أن الحياة كفاح وعرق وجهد، وأن الله سبحانه وتعالى دائمًا يقف وراء كل مجتهد أمين فى عمله ومخلص فى إنتاجه.

منذ فترة بعيدة.. لما يزيد على ثلاثين عامًا، كنت فى حاجة إلى أحد العمال من أبناء الصعيد (فاعل) لوجود بعض الأعمال لدى تتطلب بعض الجهد. وسألت عن أماكن وجودهم، وعلمت أنهم موجودون بأحد المقاهى، فذهبت إلى هناك وتقابلت مع أحد الأشخاص، وعرضت عليه العمل، فحضر معى حاملًا جميع معداته التى يستعملها فى الهدم والحفر.

وبالفعل بدأ العمل وكنت أقف أمامه أتابع عمله، وتجاذبنا معًا أطراف الحديث، فإذا به يرد على باللغة الإنجليزية، وفوجئت بهذا الرد من مثل هذا العامل البسيط حافى القدمين رث الثياب، فبادرته بالسؤال من أين لك باللغة الإنجليزية، فأجابنى بأنه طالب بالسنة الثانية بكلية الآداب جامعة أسيوط، قسم إنجليزى، فسألته: وما الذى دعاك إذن لكى تأتى إلى القاهرة وتقوم بمثل هذا العمل الشاق، فقال منذ سنوات وأنا أحضر إلى هذا المكان لكى أكتسب رزقى أنا وأسرتى التى تركها لى والدى، وهى مكونة من أم وثلاثة أشقاء ليس لهم مورد رزق غير ما أستطيع جمعه من مال فى فترة الصيف، ثم أعود لبلدى أباشر دراستى فى كليه الآداب.

ثم دارت الأيام.. وبعد فترة من الزمن فوجئت بزيارة من هذا الشاب المكافح، يطلب منى المساعدة فى إيجاد عمل بعد أن أفهمنى أنه تخرج فى الجامعة وحصل على ليسانس الآداب قسم لغة إنجليزية، فبادرته.. أمثالك وزارة التعليم فى أشد الحاجة إليهم، فلماذا لا تلتحق بها مدرسًا للغة الإنجليزية، فرد علىّ بأن أجر المدرس لن يكفيه هو وأسرته حتى الطعام، وقال: إنه يبحث عن عمل آخر بعيدًا عن عمل الحكومة، وطلب منى أن أساعده لإيجاد عمل حر. وبالمصادفة كان لى أحد الأصدقاء يعمل فى تجارة مستلزمات أعمال النجارة، وعرضت عليه الأمر فوافق على أن يلحق معه بالعمل كمحصل للكمبيالات.

وبالفعل.. التحق الشاب المكافح بالعمل لدى صديقى، وبعد فترة من الزمن تقابلت مع صديقى، فسألته عن هذا الشاب قائلًا له: ما أخبار فلان.. فأجابنى بأنه ظل يعمل معه لمدة عامين أو ثلاثة وكان مجتهدًا للغاية، وبعد أن فهم سر المهنة ذهب إلى حال سبيله، وبدأ نشاطه فى هذا العمل بمفرده. ثم مرت الأيام والسنون، وإذا بشخص لا أعرفه من مظهره المهندم النظيف، يبادرنى بالقول: أنت لا تعرفنى، فقلت له أتذكر الشكل، ولكن لا أتذكر الاسم.. من أنت؟ فأجابنى بأنه العامل الذى استعنت به منذ ما يزيد على عشرين عامًا، وأنه أصبح الآن من كبار تجار الجملة للأعمال الخاصة بالنجارة، وأن الله قد فتح عليه، واشترى أرضًا لوالدته وأشقائه بالصعيد، وأنهم يقومون بزراعتها وهو يتولى عمله فى مصر.

هذه هى الحياة.. وهذا هو جزاء كل مكافح مجد أمين فى عمله مخلص له، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملًا... وتحيا مصر.