عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

إذا أثبت أحدهم أننى مخطئ, واستطاع أن يرينى خطئى فى أى فكرة أو تصرف, فسوف أغير من نفسى بكل سرور, فأنا أبحث عن الحقيقة والحقيقة لن تضر بأى أحد قط, إنما الضرر الحقيقى ففى المعاناة والإصرار على الجهل وخداع الذات.

قصدت الاستهلال بتلك الكلمات للإمبراطور والفيلسوف الرومانى «ماركوس أوريليوس» للتأكيد مرة أخرى على ما ذكرته فى أول مقالتى لهذه السلسلة, وهو أننى كإنسانة عربية شرقية قبل أن أكون «كاتبة عربية» لست هنا لأمارس النقد كنوع من جلد الذات أو المازوخية! بل لعشقى وحرصى على مجتمعى الذى أنتمى إليه، فكما ذكرت أن معرفة الجانب المعنوى عن أنفسنا وشخصياتنا لا تقل أهمية أبداً عن معرفة الجانب المادى، لذا وجب أن نتعرف على جوانب شخصياتنا «الإيجابى منها لتنميته، والسلبى لمعالجته», وكذلك طبيعة مزاجنا, ونكون واسعى الصدر لتقبل النقد الذاتى، إذا أردنا مستقبلاً مختلفاً نعيش فيه حياة أكثر راحة، سعادة، وتحضر.

وبعد هذه الأسطر وتلك المقدمة التى رأيت أنه من الأهمية أن أبدأ بها مقالى هذا الأسبوع, فيسعدنى أن أجدد الترحيب بكم قرائى الكرام للمرة الرابعة على التوالى فى رحلة البحث بداخل أعماقنا, والتجول ما بين جنبات صفات ومزاج الشخصية العربية الشرقية التى ننتمى إليها جميعاً.. وكنا قد طرحنا فى المقال السابق تساؤلا بخصوص مدى استقلال الشخصية العربية فى الفكر والرأى, وناقشنا بعض العوامل المؤثرة فى ذلك فى مجتمعاتنا, واختتمنا أيضاً بمدى الارتباط ما بين صناعة التقدم والحضارة من ناحية ووجود شخصيات حرة مستقلة الرأى والفكر من الناحية الأخرى.

وكالعادة عندما أمسكت بالقلم لأكتب، فإذا بالعديد من الأفكار تطوف من حولى، والكثير من الأسئلة التى بدأت تحاصرنى, ولا أدرى بأيها أبدأ!

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً كان: لماذا معظم المشاكل السخيفة لا تحل فى المجتمعات الإنسانية العربية؟

وقد لفت نظرى ولعل بعضكم أيضاً أننا غالباً ما نستريح أكثر فى طريقة تفكيرنا أو حكمنا على الأشياء للشكل المطلق, بمعنى أن الأمور قد تبدو لنا إما أبيض أو أسود، خير أو شر، كذب أو صدق.. إما أن نقبل الموضوع كله أو نرفضه كله.. وهكذا, فى حين أن هذه النظرة عادة ما تبعدنا عن الحقيقة، وبالتالى لا تساعدنا فى الوصول إلى الحلول الواقعية العملية للأمور.

فإذا أردنا أن نكون أشخاصاً أكثر فاعلية ومؤثرين بطريقة إيجابية, إذن فلننظر للحياة من «منظور قوس قزح»!, فالحياة ليست لونين بل سبعة ألوان بدرجاتها المختلفة. 

ومن ضمن ما جال بخاطرى أيضاً، أننا أصبحنا نفتقد للقدوة والمثل الأعلى فى حياتنا خاصة فى الآونة الأخيرة بشكل كبير, وعندما يفقد الإنسان المثل الأعلى يفقد بالتالى جوهره الإنسانى الحقيقى «بمفهومه الواسع», الذى يحمل مقاييس ومبادئ قيم الخير والحق والجمال.. تلك المبادئ التى تنعكس فى كل المظاهر البشرية من السلوك والعمل والعمران والتعليم و........ إلخ, فالشخصية العربية عندما تستدعى وتحيى المثل الأعلى والقدوة الحسنة وتتوق إلي ذلك سواء من جوهر معتقداتها الدينية أو من تراثها التاريخى الحافل فى مجالات شتى بروائع لبشر وشخصيات عربية ممن أثروا وجداننا وفكرنا, فحتماً ستتحرر مما لحق بها من براثن ومظاهر التخلف والعشوائية التى باتت تحاصرنا فى كل واد.

فمن ليس لديه «مثل أعلى» كيف سيشعر بأنه ضل الطريق؟.. وإلام يرجع إن شعر بضلاله؟

وإذا كنا قد تحدثنا عن القدوة وأهميتها, فأرى أنه من الأهمية أيضاً مناقشة «الإتقان» فى حياة الشخصية العربية، كقيمة تحث عليها جميع الأديان, تلك القيمة التى تصنع السعادة والكرامة! وقد يسألنى البعض وما العلاقة ما بين الإتقان من ناحية والسعادة أو الكرامة من ناحية أخرى؟.. وأجيبكم: مؤكد أن هناك علاقة وعلاقة وثيقة, فلو تحدثنا عن السعادة أولاً, لوجدنا أن السعادة التى يخلقها العمل الناجح هى السعادة التى تدوم أكثر من غيرها, وقمة السعادة لن يبلغها الإنسان إلا بالإتقان, حتى ولو كان العمل بسيطاً فإن الإتقان يضفى عليه نوعاً من الهيبة والجلالة, فإتقان العمل هو نوع من الارتفاع به لدرجة العبادة، هذا بالنسبة للسعادة, أما بالنسبة للكرامة فسأحاول التوضيح بإيجاز حيث إن الإنسان الذى يتقن ما يقوم به من عمل يشعر بكرامة لا يمكن لأحد أن يخدشها أو يمسها بسوء, حيث يصبح من الصعب أن يوجه إليه الآخرون إهانة أو نقداً أو تأنيباً, وذلك حتى مهما كان العمل بسيطاً, والإتقان لا يمكن أن يكون بدون التركيز واحترام الوقت، فالمجتمعات المتقدمة والشخصيات الناجحة ينتمون لحزب الاتقان.

فالإتقان الذى كادت تختفى ملامحه من حولنا, ما إن تمسكنا به سيصبح طوق النجاة للعبور إلى بر الشعور بالسعادة واسترداد الإحساس بالكرامة المفقودة وعزة النفس.