رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

البنتاجون كما هو معروف هو مبني وزارة الدفاع الأمريكية الذي يرأسه حالياً أحد أشد صقور اليمين الأمريكي تطرفا وعدوانية وهو وزير الدفاع الحالي آشتون كارتر الذي حل محل سلفه هاجل العام الماضي عندما تآمرت المجموعة اليمينية المتطرفة المسيطرة علي سياسة أمريكا علي هاجل ودفعت أوباما لعزله لأنه لم يكن في نظرها عدوانيا بما فيه الكفاية فعملت علي استبداله بكارتر الصقر العدواني.

وقد نشر موقع بلومبرج في 11 فبراير مقالا للكاتب جوش روجين يفضح فيه ما يجري داخل إدارة أوباما من صراع علي السياسة بين إداراتها.

يقول روجين أنه في الأسبوع السابق خلال اجتماع جبهة ريجان للدفاع القومي حذر كبار مسئولي البنتاجون من المعركة الكبري المنتظرة مع روسيا والصين. ولكن تعامل أمريكا مع كلتا الدولتين يوضح أن أقساما أخري في إدارة أوباما ينظرون لعلاقة أمريكا بالدولتين بطريقة مختلفة تماما. فقبل حديث وزير الدفاع كارتر أعلاه أمام مكتبة ريجان بكاليفورنيا أرسل موظفوه رسالة بأن كارتر سيصرح بتصريحات مهمة جدا عن روسيا والصين بعد رحلته الأخيرة لآسيا.

فقال كارتر: «إننا لا نسعي لحرب باردة وطبعا لا نسعي لحرب ساخنة مع روسيا. ولا نريد جعلها عدوا لنا. ولكن تأكدوا تماما أن أمريكا ستدافع عن مصالحها وحلفائها وعن النظام الدولي ومبادئه التي توفر لنا مستقبلا إيجابياً». وانتقد كارتر روسيا لاحتلالها أرضا أوكرانية وجورجية ولما سماه تدخلها العسكري الهدام في سوريا. وقال إن البنتاجون يقوم بأعمال بعضها علني والآخر سري لدفع العدوان الروسي والصيني إلي الوراء. وقد أيد كل من الجمهوريين والديمقراطيين كلام كارتر ووصفوه بأنه تحليل واعٍ للمنافسة المتصاعدة بين أمريكا وكل من روسيا والصين. ولاحظوا أن كارتر يتحدث بأسلوب عنيف عن هاتين الدولتين لا يستعمله باقي كبار رجال الإدارة الأمريكية وخصوصا رجال البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية. وقد صرح إريك إلدمان نائب وزير الدفاع الأسبق في إدارة بوش بأن حديث كارتر كان متزنا وقويا في عرض تحديات الأمن القومي الأمريكي يبدو أنها مخالفة لنظرة الإدارة الأمريكية لروسيا وسوريا وأوكرانيا وحتي الصين.

وخلال مناقشة كارتر أمام مجلس الشيوخ لتعيينه وزيرا للدفاع أعلن كارتر تأييده لإرسال أسلحة فتاكة لأوكرانيا. وهو ما يعارضه الرئيس أوباما. وقال خبير الشئون الروسي الأول بين مساعدي كارتر وهو أفكين فاركلي الذي استقال مؤخرا إن البنتاجون مازال يدفع نحو تسليح أوكرانيا. ولكن البيت الأبيض عارضه مرارا.

وخلال حديث له يوم السبت الماضي أعلن كارتر تشككه في أن يؤدي تقارب وزير الخارجية كيري مع روسيا بشأن سوريا إلي نتائج إيجابية. وأضاف أنه يمكن ربما لروسيا أن تلعب دورا إيجابيا. وهذه النبرة مختلفة تماما عما يردده كبار مسئولي وزارة الخارجية الأمريكية. فوكيل الخارجية أنتوني بلنكن أبدي ثقته في أن روسيا ستدفع قريبا نحو حل سياسي في سوريا.

كما كان البنتاجون يدفع ضد مقاومة البيت الأبيض ووزارة الخارجية حتي يسمح له بسياسة أكثر عدوانية نحو الصين لبنائها جزرا صناعية ومطارات في بحر الصين الجنوبي. وقد حذر كارتر شخصيا الصين في يونية الماضي بأن أمريكا لن تحترم طلب الصين من سفير أمريكا بالابتعاد عن المناطق المتنازع عليها بمسافة 12 ميلا علي الأقل. وانتظر البنتاجون شهورا ليقوم البيت الأبيض بالموافقة علي تدريبات حرية الملاحة التي يمارسها في بحر الصين الجنوبي. وعندما سمح للبنتاجون بممارسة التدريبات وضع البيت الأبيض عدة قيود علي التدريبات حتي يقلل فرص المواجهة مع الصين. فمثلا حظر علي السفن الأمريكية استخدام قرون الاستشعار أو استخدام الطائرات العمودية التي كانت في نظر الخبراء العسكريين وسيلة لإثبات أن أمريكا تمارس فعلا حرية الملاحة.

وبعد انتهاء التدريبات سارع قادة البنتاجون لتأكيد أن أمريكا جادة في مواجهتها الصين، لمزاعم الصين بأن الجزر الصناعية أراض صينية لها حدود وحصانة.. وقال بعض التقارير إن المناورات الأمريكية لم تكن من أجل حرية الملاحة بتاتا ولكنها مقدمة كما لو كانت مرورا برئيا ليس بقصد المواجهة مع الصين. وقال لي بعض مسئولي البنتاجون بريئا خلال اجتماع جبهة ريجان أعلاه إن البيت الأبيض قد منع مسئولي البنتاجون من أي حديث علني عن العملية. ولكن كارتر أكدها عندما ضغط عليه أعضاء مجلس الشيوخ خلال اجتماع الأسبوع الماضي. وقد الخبراء الذين أخطرهم البنتاجون بالتدريبات إن العملية كانت فعلا من أجل إثبات حرية الملاحة ولكن الرسالة لم تكن واضحة.

وقال بوني جليزر وبيترداتون خبيرا الشئون الصينية إن علي البنتاجون شرح الأساس القانوني لهذه التدريبات بوضوح حتي تفهم الصين و يفهم الآخرون بوضوح ما حدث وأنه رسالة من أجل المصالح القومية الأمريكية. وقد قال لي ستيفن هادلي الذي كان مستشار الأمن القومي في رئاسة جورج بوش الابن ان البنتاجون لاقي بعض النجاح في تطبيق الرد علي عدوانية روسيا والصين مثل زيادة التواجد العسكري الأمريكي في شرق أوروبا. ولكن أضاف أن البيت الأبيض حريص علي التباطؤ في استخدام الأدوات العسكرية ونشرها ببطء شديد حتي يخفف من أثرها علي روسيا والصين.

وتقول إدارة أوباما مرارا إنه لا يوجد حل عسكري. وهذا صحيح. ولكن إذا كان الإنسان يواجه شخصا مثل بوتين أو رئيس الصين فإنه لا يوجد فعلا حل سياسي لا يتضمن عنصرا عسكريا. وفي نهاية اجتماع منظمة ريجان وضع بوب وورك نائب كارتر تصوره للتحدي في المدي الطويل الذي تواجهه أمريكا من صعود الصين ومن روسيا عدوانية. وشرحه بأسلوب أكثر وضوحا من رئيسه كارتر. فقال بالحرف الواحد:

«لدينا قوتان عظميان. وهذا مختلف تماما فهو أمر لم تواجهه خلال ربع قرن. والشيء الأول الذي فعلناه خلال الاثني عشر شهرا الأخيرة هو إعداد أنفسنا للحرب والتفكير الجدي في هذه المشكلة».

وقد قدم وورك ما يسميه «الاستراتيجية الثالثة» لتجنب المواجهة مع روسيا والصين. مركزا علي تطوير أسلوب عمل جديد للحرب يمكّن أمريكا من ردع روسيا والصين عن القيام بعمل عسكري ضد أمريكا. وهذه الاستراتيجية الثالثة التي تتضمن مبادئ مثل: «تعاون الآلة الإنسانية» المفروض أن يعمل بها ثلاثين عاما. وبالنسبة للبنتاجون فهو مشروع يستطيعون تنفيذه دون تدخل البيت الأبيض. ولكن صراع البنتاجون مع البيت الأبيض ليس مقصورا علي روسيا والصين. فقد قال كارتر أيضا إنه يعتقد أن أمريكا تحتاج لعمل ما هو أكثر مما تفعل حاليا ضد داعش. ويطلق فريق كارتر في البنتاجون جرس الإنذار بالنسبة لمواجهة تحديات الأمن القومي الآن. ولكن لا يملك السلطة لفعل ما يعتقده ضروريا.

والنتيجة هي مواجهة مرتبكة لمنافسي أمريكا من القوي العظمي. وليس هناك أمل كبير في حل هذه المشكلة حتي تأتي إدارة جديدة بعد أوباما.

وإلي هنا ينتهي هذا العرض الاستثنائي لما يدور من صراعات داخل الإدارة الأمريكية علي السياسات الواجب اتباعها حيال ما تراه من تحدٍ روسي صيني لسيطرة أمريكا علي العالم. فأوباما ومعاونوه في البيت الأبيض وتساندهم في ذلك وزارة الخارجية الأمريكية يرون الحرص الشديد علي عدم استفزاز العملاقين المنافسين. ويعلمون جيدا أن روسيا بالذات هي الدولة الوحيدة في العالم حاليا التي تستطيع محو أمريكا من الوجود بترسانتها النووية لو دخلت الدولتان في عملية انتحار متبادل. وهو ما يستحيل علي عاقل مهما كان شريرا قبوله. أما صقر الصقور كارتر وزير الدفاع وحوله عصابة اليمين المتطرف التي أوصلته لمنصبه فلا يبدو أنهم يقدرون تماما معني دفع العالم إلي حافة الهاوية في وقت قد يتسبب فيه حادث فجائي باشتعال العالم. وستظهر الأيام القادمة أياً من جانبي الصراع سينتصر داخل أمريكا: العقل الشرير المتعقل أم العقل المتهور؟

 

الرئيس الشرفي لحزب الوفد