عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

 

ويتجدد بنا اللقاء قارئى الكريم هذا الأسبوع، فى رحلة بحثنا داخل أعماق الشخصية العربية، لنستكمل سويا ما بدأناه، وكنت قد تناولت فى مقالى السابق فكرة أن «الفرد» فى المجتمعات العربية ليس وحدة قياس مستقلة فى حد ذاته, فمازال الحكم عليه من خلال انتماءاته وبخاصة (العائلية أو الطائفية) منها مستمر. وتحدثت كذلك عن «تطور العلاقة ما بين المحكومين والحكام»، وتتبعت فى عجالة: كيف وصلت تلك العلاقة إلى ما وصلت إليه الآن. أيضاً مررت على الحب فى حياة العربى، والعلاقة ما بين الحب والاقتصاد. 

واليوم قد نتساءل: هل الشخصية العربية شخصية مستقلة الفكر والرأى؟

يخبرنا التاريخ بأن «إخناتون» الفرعون المصرى كان أول شخصية فى التاريخ! ونتساءل لماذا؟ وتأتينا إجابة المتخصصين: لأنه كان «شخصية مستقلة» حيث رفض الانسياق وراء التقاليد والإيمان المطلق بما يؤمن به المجتمع المصرى القديم آنذاك, وآثر استقلاله الفكرى, حيث آمن بإله واحد. أيضاً أكد لنا «سارتر» الفيلسوف الفرنسى أن أول وأهم شرط لاستقلال الشخصية هو: أن يؤمن الفرد بما يعتقد, وليس بما يعتقده الآخرون من التقاليد الاجتماعية أو العقائد الغيبية. وأعتقد أنه يمكننا أن نخرج من ذلك السرد بشىء مهم وهو أن «استقلال الشخصية» سواء أكان مادياً أم معنوياً، والجرأة على التصريح بالرأى الخاص حتى ولو كان هذا الرأى مخالفاً لرأى العامة أو الخاصة، علامة هامة وسمة أساسية من سمات «الشخصية المستقلة, فـ(الشخصية) فى أبسط تعاريفها عبارة عن: مجموعة من الميزات والصفات والعادات التى يتفرد بها الفرد وتميزه عن غيره من الناس, وتتكون دعائم تلك الشخصية من العقل والإرادة والعاطفة. وهنا يجب أن نشير إلى أن الاستقلال فى الرأى لا يعنى أبداً عناد الجاهل أو تعنت الأبلة. فالشخصية تحتاج باستمرار إلى المعارف المختلفة، والانفتاح على المعرفة يحتاج إلى نوع من المرونة، تلك المرونة هى التى تدل على العقل واليقظة، وتهيئ الإنسان لمواجهة المواقف الجديدة، والتى بدورها تساعده على التطور. 

ولعلنا نعلم أن حوالى 70% من «الشخصية» تشكلها البيئة والمجتمع, والباقى يرجع لعوامل الوراثة والجينات كما يخبرنا المتخصصون فى علم الاجتماع والنفس. فشخصيتنا نكتسبها من الوسط الاجتماعى الذى نعيش فيه, ومن التجارب التى نستخلص منها عبرة الأخلاق وحكمة السلوك. والمجتمعات الحرة نجدها تتيح للفرد عوامل استقلال الفكر والرأى دون أن يخشى موتاً أو عقاباً, وتلك المجتمعات هى التى تبنى شخصية أفرادها, أما فى المجتمعات التقليدية فالأمر يختلف، حيث تنكر تلك المجتمعات حرية الفكر, وتقدس بعض آراء السلف من البشر, وتجعل من العادات فى الملبس والسلوك وأنماط العيش قواعد لا يجوز تخطيها، وهى بذلك تعطل نمو «الشخصية», بل وتهدم استقلالها. وكم من أحداث اعتقالات وحبس بأحكام قضائية حفلت وتحفل بها مجتمعاتنا العربية لأشخاص ممن يعبرون عن آرائهم أو معتقداتهم، وسواء اتفقنا أم اختلفنا مع هذه الرؤى والاتجاهات الفكرية لهؤلاء الأشخاص، فإننا فى النهاية أمام أفكار وجب أن نتعامل معها داخل إطارها الفكرى - ولن أتوقف هنا كثيراً فهذه النقطة تحديداً ليست مجالنا الآن وتحتاج لمساحات أوسع.

وتعالوا بنا ننتقى من التاريخ بطريقة عشوائية بعضاً من الأسماء لأشخاص غيروا فى العالم، وأعجبنا بهم، أثروا فى حياتنا ومنا من اتخذ بعضهم مثلاً أعلى يحتذى به وقدوة يسير على دربها أمثال: عمر بن الخطاب، غاندى, لنكولن, مارتن لوثر كنج، ثورو.. وغيرهم كثير فى شتى مجالات الحياة, ولو تأملانهم لوجدنا أن كلاً منهم كان قوى الشخصية، مستقلاً فى رأيه ولا يبالى ولا يخشى ما يقوله الآخرون.

وغاية القول إنه فى المجتمعات التى بها حضارة أو نهضة حقيقية, تكثر بها الشخصيات المستقلة، حيث إن النهضة تدعو إلى الانطلاق من القيود والاستشعار بالحرية, ويعمل ذلك بدوره على التفكير المستقل، الذى بدوره أيضاً يعمل على بناء الشخصية. وحيث إننا كعرب نعيش الآن فترة من أسوأ فترات تاريخنا فى إطار مفهوم النهضة, فبالتالى مجتمعاتنا نادراً ما تفرز شخصيات مستقلة قادرة على إحداث تغيرات وتطورات للنهوض بمجتمعاتها (الأمر كالدائرة), فالوسط الاجتماعى هو ما يتيح للفرد الاستقلال بالرأى من عدمه.

فالعالم يتغير بالشخصيات المستقلة التى تأبى الخضوع أو الاستسلام لعادات وتقاليد القرون وأعراف الأسلاف دون إعمال العقل بها. ولكى نغير من واقع عالمنا العربى والذى أصبح متردياً فى اتجاهات شتى ونصنع تقدماً، فلابد من أن تربى أجيالنا القادمة على اكتساب استقلال الرأى الناضج مع التأكيد على تنمية القدرة على التغيير والتطور بحسب مقتضيات الواقع.

ولنرفع شعار التنوير على نحو ما قاله «كانط» (وكن جريئاً فى إعمال عقلك)، ولنربط العقل بالمعرفة وليس بالحقيقة, فالدوجمائية لن تزيدنا إلا انقساماً. ولنضيف المعرفة لعوامل الإنتاج (الأرض والمال والعمل)، وهذا ليس باختراع ولا ابتكار جديد, إنه الأمر الذى اتبعته المجتمعات المتقدمة مما أفرز شخصيات مستقلة خدمت بلادها والعالم من حولها.