عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

كنا قد تناولنا فى مقالنا السابق بعض ملامح نفسية ومزاج «الشخصية العربية», وكيفية تأثير اللغة العربية كعامل مشترك على تفكير وسلوك الإنسان العربى, ومررنا سريعا على نظرية «الأنومى» لعالم الاجتماع الفرنسى «دوركايم» وأهميتها فى دراسة وتحليل ما وصلت إليه مجتمعاتنا من انحراف قيمى, وناقشنا كذلك بعض المفردات والقيم المنتشرة, وكيفية تعاطينا وتعاملنا معها, وانتهائنا إلى فكرة أهمية دراسة الجانب المعنوى فى شخصياتنا وضرورة تقبل النقد الذاتى، وهو مجال هام متشعب، يستحق منا المزيد من الاهتمام والبحث والدراسة، إذا أرادنا أن نحيا حياة أكثر راحة، سعادة، وتحضراً.

واستكمالا لما بدأناه... فقد لفت نظرى أن الفرد فى مجتمعاتنا العربية ليس (وحدة قياس مستقلة بذاتها) فى الغالب, فقد يكون الشخص جيداً أو سيئاً بغض النظر عن أهله وناسه, إلا أننا مازلنا وخاصة فى المجتمعات التقليدية نستخدم الأسرة أو العائلة كمقياس للحكم على الفرد, وذلك لاعتقادنا بأن الصلة العائلية قوية التأثير جدا, فمثلا نستخدم مصطلحات للمدح أو الذم مثل : فلان ابن فلان, دور عل الأصل،... وغيرها كثير. وهذا الأمر له تأثيراته السلبية على النواحى الاجتماعية (كالزواج، العمل و......) وأيضا فى النواحى السياسية, حيث إنه ساهم فى إفشال تطبيق النظم الديمقراطية فى عالمنا العربى, فولاء الفرد غالبا ما يتجه الى أفراد أسرته أو قبيلته أو طائفته,..... فاختيار من يمثلنا فى النظام النيابى أو البرلمانى يتأثر بالأوضاع العائلية الموروثة أو الطائفية، ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للأحزاب السياسية ومناصب الحكم والإدارة, وقد دعمت الدول الأجنبية والاستعمارية ذلك, لتبقى على روح التفرقة والتجزئة, وتظل هى فى المركز الأقوى، لذا فتطبيق النظم الديمقراطية لم يأت بالجديد, وفشل فى أداء ما كان مطلوباً منه, فالنواب من المفترض أن يمثلوا كافة طوائف وطبقات الشعب, إلا أن التجربة العربية اختلفت عن مثيلتها فى الغرب, وبمرور الوقت كفر المواطن العربى بجدوى تلك البرلمانات التى لا تعمل لصالحه بل لصالح فئة معينة، فأبقت على الاستغلال القديم.

وأما بخصوص علاقة المحكومين بالحكام, فنجد أن معظم حكام الإمبراطورية الإسلامية استغلوا الدين استغلالا سيئا, حيث استخدموه كوسيلة للوصول للحكم و إحكام السيطرة على البلاد والعباد, مما أصاب المحكومين (الرعية) بخيبة أمل شديدة بمقدار ما كان لديهم من آمال عظيمة (فيما يطلق عليه الحكم الدينى أو الشرعى)، وسرعان ما تحولت ممارسة (الخلافة) إلى الوراثة, فبدأ الانفصال ما بين السلطة والمعنى الحقيقى للدين, وبمرور الوقت ومع مجىء ما سمى بـ(الخلافة العثمانية) تحولت فكرة الدولة إلى استغلال للناس, وأصبح العربى يرى أن الحاكم، الحكومة، نظام الحكم، إلخ ما هى إلا مرادفات للفساد، المحسوبية، الضرائب، الرشوة, إلخ أيضا، وارتبط منطق الحكم فى ذهنه بالتعالى والعنف. 

فقد اختفت فكرة (المسئولية) من الوظيفة العامة لتحل محلها فكرة (السلطة), مما جعل الشخصية العربية تكثر الشك، والكتمان والخوف, وأتقنت فنون التملق والنفاق، فالحاكم فى نظرة مغتصب والغنى حرامى،.... ووصل العربى إلى أن الحدث السعيد لا يقع فى دنياه، وإذا وقع فهو مخالف للقاعدة, لذا فهو غالبا ما يكتم فرحه، وما رزق به خشية الحسد, وإذا ادخر دفن ما ادخره، إلخ.

وبعد كل ما سلف, ووسط هذا الضجيج المحيط بنا من جميع الأركان, قد نتساءل سويا... وماذا عن الحب فى حياة العربى؟ الحب ك«قيمة» تحرك الحياة! وتعالوا بنا نفكر فى الموضوع... فالحب ينبت كالزهرة فى تربة من الشعور بالأمان والاطمئنان, والزهرة لو زرعناها فى تربة فقيرة وأغلقنا عليها هواء فاسداً, فإنها سرعان ما تذبل وتجف وتموت. وكذلك الحب بكل صوره وأشكاله, فالحب يتأثر بدرجة كبيرة بنظام المجتمع, وبدرجة نموه الاجتماعى والاقتصادى. ولا يخفى علينا جميعا ما تعانيه مجتمعاتنا فى هذا الشأن!!! الأمر الذى يفسد علينا تذوق العواطف والاستمتاع بجمال الطبيعة والبشر والفنون. فهناك الملايين ممن تنهكهم الحاجة ...الحاجة إلى الغذاء والكساء والصحة والراحة، تلك الحاجة تحرمهم من ممارسة ألوان الحب المختلفة.

وأعود لقول جميل لـ«كريستوفر كودويل» (إن المجتمع عبارة عن إنتاج اقتصادى ممزوج بالحب, وكما أن الحب هو الذى يجعل الحياة تمضى, فإن الطريقة التى تمضى بها الحياة تؤثر فى صورة الحب). فالعلاقة ما بين التخلف الاقتصادى والحب علاقة عكسية, فمع التفاوتات الطبقية الكبيرة، وعدم قدرة المجتمع على تلبية مطالب الناس, وانتشار البطالة, وضيق الأرزاق الذى يولد ضيق الصدور, نجد أن غالبية العرب يعيشون ممزقين بين حلم الحياة وواقع أليم, فالابن يشعر بالسخط تجاه والده, والأب يشعر بالسخط تجاه أسرته من كاهل المتطلبات، والمدرس يملؤه السخط من مجتمع لا يقدره،..... ونجد أننا طوال الوقت نريد أن نتخلص من ذاتنا القديمة, إلا إننا غير واثقين من ذاتنا الجديدة! 

ولحديثنا بقية.....