رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أنوار الحقيقة

نصت المادة «118» من الدستور علي أن «يضع مجلس النواب لائحته الداخلية لتنظيم العمل وكيفية ممارسته اختصاصاته والمحافظة على النظام في داخله وتصدر بقانون».

وبمطالعة الدساتير المصرية السابقة سوف نجد الدستور سنة 1882 ينص في مادته «47» على أنه «على مجلس النواب أن يحرر لائحة اجراءاته الداخلية وتكون هذه اللائحة نافذة الحكم بمقتضى امر يصدر من الحضرة الخديوية» بينما نصت المادة 108 من مشروع دستور سنة 1954 على أن «القواعد الخاصة بالنظام الداخلي للمجلسين وبطريقة السير في تأدية اعمالها تبين بقانون ولكل من المجلسين أن يضع لائحته التنفيذية» بينما نصت المادة «88» من هذا الدستور على أنه «يضع كل مجلس بأغلبية أعضائه لائحته الداخلية مبينا فيها طريقة السير في تأدية أعماله!» ونصت المادة «23» من دستور سنة 1958 على «أن يضع مجلس الامة لائحته الداخلية لتنظيم كيفية أدائه لاعماله» بينما نصت المادة «104» من دستور سنة 1971 على «أن يضع مجلس الشعب لائحة لتنظيم اسلوب العمل فيه وكيفية ممارسته لوظائفه»!

ويتضح من مقارنة النصوص السابقة أنه بينما اشترط دستور سنة 1882 اقرار الخديو رئيس الدولة بأمر منه اللائحة الداخلية للبرلمان بينما الدساتير الأخري الصادرة تالية له قد اكتفت بالنص على أن يضع المجلس النيابي لائحته الداخلية دون اشتراط أن تكون هذه اللائحة بقانون! وقد عاد دستور سنة 1971 الى النص على أن لائحة مجلس النواب لا تصدر الا بقانون ويترتب على هذين المنهجين في تحديد السلطة المختصة باصدار اللائحة الداخلية للبرلمان في أن الدساتير التي لم تشترط ان تصدر هذه اللائحة بقانون قد التزمت بالمبادئ الدستورية العامة التي تحتم استقلال السلطة التشريعية ومن ثم تقوم وحدها باصدار لائحتها الداخلية بينما الدساتير التي اشترطت ان تصدر هذه اللائحة بقانون مثل الدستور الحالي الصادر سنة 2014 يشترط ذلك!

والمهم أن هذا الشرط يعني أن اللائحة لا تنفذ بعد وضع مجلس النواب لمشروعها باقرار ما انتهت اليه لجنة «27» المختصة بوضعها وفق قرار مجلس النواب لها لاستيفاء، الاجراءات اللازمة باعتبارها كما الدستور أن تكون بقانون وتؤدي هذه النتيجة بداهة أن تكون قانونا مكملاً للدستور وتنص عليه المادة «121» منه والتي نصت في فقرتها الثالثة علي أنه كما تصدر القوانين المكملة للدستور بموافقة ثلثي عدد اعضاء المجلس وتعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، والاحزاب السياسية والسلطة القضائية والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية والمنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور مكملة له، ومن الضروري القول إن قانون اللائحة الداخلية لمجلس النواب هو قانون مكمل للدستور رغم عدم ذكر ذلك صراحة في الفقرة الثالثة من المادة «121» آنفة الذكر، ويقتضي هذه الطبيعة الخاصة باللائحة التي كان يجب أن تعوض الاختصاصات التي يختص بها مجلس النواب وحده احتراماً لاستقلال البرلمان عن السلطة التنفيذية، الالتزام بأن يعد مجلس النواب مشروع اللائحة ثم يحيلها الى مجلس الوزراء الذي بعد أن يوافق عليها يحيلها بدوره الى رئيس الجمهورية بعد أن يوافق عليها أو مرفقة بمذكرة بتعديلات وملاحظات يراها المجلس المذكور ويتولى رئيس الجمهورية اقرارها واصدارها وتشمل هذه الاجراءات أن من حق الرئيس ان يعترض على مشروع قانون اللائحة وأن يعيدها الى مجلس النواب للنظر في تعديل ما اعترض عليه فيها من احكام، وذلك تطبيقاً للمادة «123» من الدستور التي نصت على أن لرئيس الجمهورية حق اصدار القوانين او الاعتراض عليها، وإذا اعترض رئيس الجمهورية على مشروع قانون اقره مجلس النواب رده اليه خلال ثلاثين يوماً من ابلاغ المجلس إياه فإذا لم يرد مشروع القانون في هذا الميعاد اعتبر قانوناً واصدر وإذا رد في الميعاد المتقدم الى المجلس واقر ثانية بأغلبية ثلثي أعضائه اعتبر قانونيا.

إذن لا تعد اللائحة الداخلية لمجلس النواب اختصاصاً مقصوراً على مجلس النواب وهذا امر غريب ليس له مثيل في دساتير الدول الديمقراطية الحديثة، الا أن له سابقة في الدستور المصري الصادر سنة 1882 والذي يتفق مع كون النظام السياسي المصري في ذلك التاريخ لم يكن نظاماً ديمقراطياً وانما كان نظاماً خديويا وشوريا مقيداً بارادة الخديو رئيس الدولة وقد عاد الأمر في ظل الدستور الحالي الى هذا الوضع وهذه من الملاحظات الدستورية المهمة بالنسبة لطبيعة هذا الدستور الصادر سنة 1974 ومدى توافق احكامه مع المبادئ الدستورية العامة التي تحترم استقلال السلطة التشريعية أو البرلمان تنظيم اعماله الداخلية عن السلطة التنفيذية، ولست أعرف ما هى المبررات في تقييد اختصاصات مجلس النواب في اعداد اللائحة الداخلية للمجلس وإقحام رئيس الدولة في الاعتراض عليها على النحو السلف بيانه سوى أن لجنة الخمسين التي وضعت مشروع الدستور ليس لديها المعرفة والرغبة في التمييز بين اختصاص مجلس النواب وحده باصدار لائحته بعد اعدادها واقرارها وبين اعتبارها قانوناً يخضع لمراجعة الحكومة ورئيس الجمهورية الذي يختص باصدارها ويبدو من عدم ذكر قانون لائحة المجلس الداخلية بين القوانين المكملة للدستور نوعا من السهو قد يكون سببه عدم الدقة في مراجعة مشروع مواد الدستور، ولست أظن أن تقييد سلطة مجلس النواب في إعداد واقرار واصدار اللائحة الداخلية لهذا المجلس يحقق اية مصلحة عامة للحياة الديمقراطية للدولة المصرية الحديثة.

رئيس مجلس الدولة الأسبق