عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

فى مداخلة تليفونية مع إذاعة أجنبية.. وقبل أن نغلق الخط, قال لى المذيع, آخر سؤال من فضلك؟.. بادرت بالرد: اتفضل بكل سرور.. فسألنى: هل تعتقدين بأن الشخصية العربية «سعيدة»؟.. ممممم.. وأجبته.. ثم أغلقنا الخط!.. مر اليوم.. وفى المساء جلست على أريكتى كعادتى فى آخر اليوم, وحولى عدد من الجرائد, وبعض الكتب.. وإذا بعينى تقع على صفحة فى كتاب لـ «جمال الدين الأفغانى» وقد كتب (الشرقى متواضع, قنوع, جزوع, كثير الذكاء, سريع التقلب, قليل الصبر)!، وتذكرت سؤال المذيع الأخير فى الصباح, ثم بدأت تتبادر إلى ذهنى عدة أسئلة.. لعل بعضكم قرائى الكرام فكر أو يفكر بها أيضاً.. هل مازالت تنطبق تلك الصفات التى ذكرها «الأفغانى» على الشخصية العربية (والتى تندرج تحت الشخصية الشرقية)؟.. وهل نحن العرب سعداء بالفعل أم أننا أكثر ميلا للأحزان؟.. هل نستمع لموسيقى الحياة ونستمتع بها؟.. هل العاطفة عندنا أقوى أم العقل؟.. كيف نحب وكيف نكره ؟.. كيف نثور وكيف نهدأ؟.. هل للعربى حياة خاصة به يخفيها وحياة أخرى يتظاهر بها أمام الناس؟.. وعن طبيعة العلاقة المعقدة بين المحكومين وحكامهم؟.. والسمات المشتركة للشخصية العربية والعوامل التى تتحكم فى المزاج العربى؟

أعلم أننا كعرب مختلفون, فلكل شعب من شعوب الأمة العربية خصائصه وصفاته, كما أن لكل شعب أيضاً ظروفه التاريخية والمادية والمعنوية الخاصة به، التى أثرت فى تكوينه وتطوره، إلا أنه ومع كل ذلك توجد عدة عوامل مشتركة أضفت على الشخصية العربية بصورة عامة بعض الملامح والصفات التى اشتركنا فيها جميعاً, سواء فى النواحى العاطفية والحسية، أو الخاصة بالعقل وأساليب التفكير. 

ولأننا بصدد عنوان كبير، فسنومىء لبعض النقاط أكثر مما نعبر كى نستوعب فى إيجاز, دون أن نسهب فى تخصص.

ولنبدأ بـ «اللغة» لغتنا العربية كعامل مشترك, نعلم أن اللغة هى الوجدان الفكرى للأمة، فهى أداة الإنتاج الذهنى والتغيرات الاجتماعية، والكلمات أفكار, تنقل المعانى والتفاعل الاجتماعى, وتلك الكلمات تستعملنا كما نستعملها، ويحضرنى هنا قول المفكر والأديب «سلامة موسى» حيث يقول: (نحن مقيدون فى تفكيرنا ومُجهون به بما تحمله الكلمات من معانى)، ومعنى ذلك أن هناك علاقة كبيرة ما بين اللغة والشخصية، يؤثر كل منهما فى اﻵخر ويتأثر به, ولكل لغة خصوصيات تعكس شخصية المتحدثين بها, ولعلنا نرى أن «العربى يعيش لغته» بمعنى أنه حين يتكلم يصبح هو ولغته كياناً واحداً, وبذلك فنحن نمتلك قدرة مجردة تستوعب الروحانيات وتنسلخ عن المادة, ولذا نسمى الشىء غالباً تسمية تدل على إحساسنا به وليس على حقيقته، مما يؤثر تأثيراً كبيراً على طريقة تعاطينا مع الواقع من حولنا.

وهنا أتسأل هل أصبحنا بحاجة إلى كلمات جديدة، تحمل شحنات إيجابية عن النهضة والحضارة والفكر تجعلنا نكتسب وجهة نظر جديدة ننظر من خلالها للإنسان والمجتمع والكون!

وعلى الجانب الأخلاقى والثقافى, فأعتقد أن مجتمعاتنا بحاجة إلى إعادة النظر فى دراسة وتحليل نسق القيم السائد, والصراع ما بين الإيجابى والسلبى منها. ويمكن معالجة هذا الأمر من خلال استخدام مفهوم أو نظرية «الأنومى» Anomi لعالم الاجتماع الفرنسى «دوركايم» والخاصة بـ «وصول المجتمع إلى حالة من الافتقار للقيم الأخلاقية، للحكم على السلوك, نظراً للاضطراب القيمى» فتطبيق هذا قد يساعدنا أن نضع أيدينا على المبررات التى يسوقها متبعو السلوك المنحرف للدفاع عن تصرفاتهم, وسواء أكان هذا الانحراف فى مستوياته البسيطة أو وصل إلى فساد كبير, فلابد للأمر من معالجة، للعودة إلى النسق السليم الذى تستقيم معه الحياة.

لو أخدنا قيمة «الشرف» هنا كمثال لوجدنا أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمفهوم الحسى أو الجنسى فى مجتمعنا العربى, فقد اعتدنا أن تستخدم كلمة «عرض» للتعبير عن الشرف, بل واختزلناها فى الغالب فى «المرأة»!، فـ «العرض» بالنسبة للرجل العربى هو حسن سمعة نسائه, ولذا نجد أن أقصى إهانة للعربى، هو إهانة عرضه أى توجيه التهم إلى نسائه!

كذلك نجد أن الشخصية العربية تعطى اهتماماً كبيراً لـ «كلام الناس», ونستطيع القول إن «كلام الناس» فى مجتمعاتنا من أقوى العوامل فى توجيه سلوك الفرد، والتأثير فى تفكيره، مما يبرز أن ظاهر الأمور هو الأهم من جوهرها!

أيضاً يحمل العربى نفساً غامضة, فيها شيئاً من الحزن, وأرجح أن هذا الحزن قد يرجع إلى كبت المشاعر, فالرجل لا يجب أن يبكى, كما أنه من الوقار ألا يعبر عما يفرحه ويظهر المرح والضحك والاستمتاع بالحياة, وأى إظهار علنى للحب غير مستحب.. فالعرب أكثر تقبلاً لفكرة التعبير عن الحزن وإظهاره عن إظهار الفرح والتعبير عنه.

كما ألاحظ أيضاً أننا نميل للحكم على الآخرين بأحكام سريعة، وقد تكون نهائية من مجرد موقف أو خبر سمعناه وقد يكون هذا الخبر شائعة لا أكثر!

وأود أن أختم مقالى هذا بأن معرفة الجانب المعنوى عن أنفسنا وشخصياتنا لا تقل أهمية عن معرفة الجانب المادى، فيجب أن نتعرف على جوانب شخصياتنا, وطبيعة مزاجنا ونكون واسعى الصدر للنقد الذاتى، إذا أردنا مستقبلاً مختلفاً نعيش فيه حياة حضارية

ومازال لحديثنا بقية.