رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

عرضنا فى الحلقة السابقة الجزء الأول من البحث المطول لكريس مارتنسون الذى نشره على موقع انفرميشن كليرنج هاوس فى 6 ديسمبر سنة 2015 الذى يشرح فيه بإسهاب الدور الذى قامت به أمريكا فى تدمير ليبيا وتحويلها لدولة فاشلة ويحذر فيه باقى دول المنطقة من نفس المصير والذى انتهى بنشر وصية معمر القذافى تفصيلاً وتبريره لكل ما فعله لشعبه فى ليبيا من خدمات اقتصادية وتعليمية وصحية فى هجمة غربية استعمارية شرسة تتستر وراء ما تسميه حماية حقوق الإنسان، ويستطرد مارتنسون قائلاً يبدو أن جريمة القذافى الكبرى هى إعطاء شعبة أكثر مما يجب من ثروته البترولية، هل كان رجلاً قوياً؟ نعم وكان ذلك هو الصفة الأهم لمن يحكم فى هذه المنطقة حالياً فهل كان أسوأ حاكم قوى؟ لا لا بأى حال! فرغم كل سوءاته فهو على الأقل لم يقتل مليون عراقى تحت زعم أن لديهم أسلحة دمار شامل لا وجود لها فى الواقع، ولم يكن يقتل خمسين شخصاً أسبوعياً أو يرجم النساء بتهمة الزنا كما يحدث فى السعودية حالياً، ولكن مرة أخرى سواء قتل المحتجين أو لم يفعل أو ارتكب جرائم حرب من عدمه فليس مهما بالنسبة لصرح القوة، فالمهم أنه سد طريق المصالح الغربية واستخدم ثروة بلده النفطية لتقديم رعاية صحية شبه مجانية لشعبه وتقديم تعليم وإسكان رخيص جداً له، ولذلك دعونا نتحدث عن القتل المتعمد، فالذى حدث هو الآتى:

حوالى الساعة الثامنة والنصف صباح 20 أكتوبر كان القذافى وقائد جيشه أبوبكر يونس وقائد مخابراته منصور داو ومجموعة من الموالين له يحاولون الهرب من ليبيا فى قافلة من 75 سيارة، ورصدتهم طائرة حربية بريطانية وهو يسير بسرعة بعد أن التقطت قوات حلف الناتو بالقمر الصناعى مكالمة للقذافى، فقامت طائرات الناتو بقصف 11 سيارة بالقافلة ودمرت إحداها، وقامت طائرة دون طيار تابعة لقاعدة قرب لاس فيجاس بإطلاق أول صاروخ نحو القافلة وأصابت الهدف الذى كان على بعد حوالى ميلين غرب مدينة سرت، وخلال دقائق استأنفت الطائرات الحربية الفرنسية رافال قصف القافلة، وأعجز هذا القصف معظم سيارات القافلة وقتلت العديد من مرافقى القذافى، وبعد الغارة الأولى انشقت حوالى 20 سيارة عن القافلة واستأنفت السير نحو الجنوب وقامت غارة أخرى لحلف الناتو بتدمير عشر من هذه السيارات، وطبقاً لما نشرته الفينانشال تايمز قامت وحدات أرضية من المعارضين للقذافى بمهاجمة القافلة وحسب ما نشره حلف الناتو زعم أنه حينما هاجم القافلة، أول الأمر لم يكن يعلم أن القذافى كان فيها، وأضاف بيان الناتو أنه طبقاً لقرار مجلس الأمن سنة 1973 لم يكن مسموحاً بمهاجمة الأفراد بل القوات العسكرية التى تشكل خطراً على الناتو، وأنه علم فيما بعد من مصادر علنية ومخابرات الناتو أن القذافى كان ضمن القافلة وأن مهاجمتها ربما ساهمت فى القبض على القذافى.

ومطلوب منا أن نصدق أن الناتو لم يكن يعلم أن القذافى كان ضمن القافلة وأنه تصادف وجود طائرة دون طيار بالقرب من المكان وعدد كبير من الطائرات الحربية المسلحة لمهاجمة أهداف أرضية، وأن الناتو ظل يقصف هذه القافلة مراراً على أساس أنها أهداف عسكرية تشكل خطراً على قوات الناتو!!

حيث أنك تعيش فى عالم حقيقى فأنت تعلم أن الناتو كان يعرف بدقة أين كان القذافى طول الوقت، وأنه كان فى هذه القافلة محاولاً الهرب من غارة الناتو، ولن يدهشك أن تعلم أن الكثير من سيارات القافلة كانت لوريات لا تمثل خطراً عسكرياً على الناتو، كان الهدف هو قتل القذافى، كان قتله اغتيالاً لرئيس دولة أجنبية عن طريق مصالح غربية، فى هذه الحالة كان القذافى مجرد هدف فى سلسلة طويلة من القادة الذين حاولوا الوقوف فى وجه هذه المصالح: وبعد أن انتهى الناتو من تدمير ليبيا عن طريق قتل القذافى وترك فوضى من فراغ السلطة غادر ليبيا ببساطة تاركاً البلد يتولى أمر نفسه، وطبعاً انزلقت ليبيا لحرب أهلية وبقيت حتى الآن مرتعاً لعنف طائفى ومزيد من حضور داعش وسيطرته.

إذا كان الناتو يريد الالتزام بالقاعدة الأولى وهى أنت كسرتها فعليك شراءها لكان مازال فى ليبيا يقدم المال والمساعدة فى استقرار البلد وإعادة بنائه لكن لا فرض لذلك فهم لا يعملون بهذا الأسلوب إنها الرأسمالية المدمرة حين يعمل ففكرتها أن تكسر الشىء تكسب من بيع أنقاضه، فليس الهدف مساعدة أهله وإلا فكيف يمكن تفسير ما حدث؟

رغم أن كل هذه البلاد التى تم تدميرها لم تكن نموذجية بأى مقياس فقد كانت دولاً مستقرة وتزداد ازدهاراً قبل أن تدخلها المصالح الأجنبية وتحولها إلى كابوس حى، هذا هو المضمون الذى يشرح لنا كيف قامت المجموعات المختلفة والعنيفة مثل داعش وخرج إلى السطح، فهى رد فعل طبيعى لانتهاك حرم دول تحاول السيطرة على بعض أركان حياتها حتى لا تفقد الأمل فى الحياة.

إننى لا أبرر ما تفعله داعش ولكنى أحاول فقط شرح المحتوى الذى قامت فى ظله، وعندما أذكر ذلك دعونا نعود إلى ليبيا، فداعش يزيد من إحكام قبضتها على ليبيا، وقد أذاعت وكالة «رويترز» من جنيف أن داعش يدعم سيطرته على وسط ليبيا وينفذ إعدامات سريعة وقطع رؤوس وأطراف، كما أكدت الأمم المتحدة يوم الاثنين الماضى فى تأكيد إضافى لحالة الفوضى التى ينزلق إليها شمال أفريقيا، فكل الأطراف فى صراعات ليبيا المسلحة ترتكب انتهاكات للقانون الدولى تصل لمرتبة جرائم حرب، ومن بينها عمليات خطف وتعذيب وقتل مدنيين حسب تقرير الأمم المتحدة فقد نجح تنظيم داعش فى السيطرة على مساحات من الأراضى ارتكب فيها انتهاكات ضخمة ضمن إعدامات سريعة لأفراد بسبب دياناتهم واتجاهاتهم السياسية، حسب ما جاء فى تقرير المندوب السامى للأمم المتحدة فى لجنة حقوق الإنسان وممثلة فى ليبيا، فقد سجلت الأمم المتحدة عمليات الإعدام التى قامت بها داعش فى مركزها بمدينة سرت وسط ليبيا على ساحل البحر المتوسط وفى مدينة درنه شرقها والتى طردتها منها فيما بعد ميليشيات محلية، وكان ضمن الضحايا أقباط مصريون ومواطنون إثيوبيون وإريتريون وسودانيون جنوبيون كما ورد بالتقرير، اتهم بعض الضحايا بأنهم خونة والبعض الآخر بالشذوذ الجنسى، ولم يقدم أى من الضحايا لمحكمة ويخضع لإجراءات محاكمة كما ورد بالتقرير الذى غطى الأحداث حتى شهر أكتوبر. بعد أربع سنوات من إسقاط القذافى مازالت ليبيا محصورة بين حكومتين متنافستين، حكومة رسمية فى الشرق وحكومة أعلنت استقلالها فى الغرب تسيطر على العاصمة طرابلس، والعديد من المجموعات المسلحة التى تؤيد كلاً منهما.

بعد هذا الملخص المرعب لما حدث، كيف نشعر الآن بما كان عليه الحال خلال حكم القذافى؟ قتلته المصالح الغربية وكانت الفوضى التى أعقبت قتله شيئاً لا يدهش حتى الشخص متوسط الفضول بالنسبة لما تؤدى إليه عمليات الإسقاط العنيف فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ولكن أين يدين مجلس الأمن جرائم الحرب؟ وأين توجه محكمة جرائم الحرب الدولية اتهاماتها؟ لا يوجد مكان لذلك، فلم يعد الغرب يكترث بليبيا بعد أن دمرها، كما يقول المثل لدى العسكريين «مرة واحدة سوء حظ، ومرتان مصادفة، أما المرة الثالثة فمن عمل العدو قطعاً»، فهذه الصيغة المتعلقة بإسقاط حاكم سيئ جداً وترك بلده فى فوضى شاملة حدثت ثلاث مرات مؤخراً، والآن فإن سوريا مرشحة لأن تكون الرابعة فالمسألة من عمل العدو قطعاً.

ونقف عند هذه الفقرة من التقرير المحزن المؤلم لنعرض فى الحلقة الثالثة والأخيرة أبعاد الجريمة الغربية فى أفريقيا الشمالية والشرق الأوسط وكيف ستؤثر حتماً على حياة المواطن فى الغرب.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد