عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

يقولون إن (معرفة المشكلة هى نصف الحل)، ولعلنا ندرك أن الدور المصرى فى أفريقيا قد شهد فتوراً وتراجعاً كبيراً فى سياق تراجعه العام وتأثيره فى الدوائر «العربية والإقليمية والأفريقية» فى العقود الأخيرة. وتعتبر الدائرة الأفريقية أخطر الدوائر الحالية، لارتباطها بأمننا المائى، وقد تحدثنا سابقاً عن إهمال مصر لعلاقاتها الأفريقية عامة، ودول حوض النيل خاصة، وإثيوبيا خصوصاً بعد حادثة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس الأسبق «مبارك» عام 1995م، إلى أن تلاشى دورنا تدريجياً هناك، واقتصرت العلاقات المصرية - الأفريقية على حدود «التكلفة والعائد»، بعد أن كانت مصر فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر هى الداعمة لاقتصاديات دول القارة، والمساندة لقضايا التمييز العنصرى، وحركات الكفاح الوطنى التحررية، وأنشأت منظمة الوحدة الأفريقية و...... وقد أدى تراجع الدور المصرى إلى ابتعاد الدول الأفريقية وضعف تأثيرنا على حكوماتها، وبدا ذلك جلياً فى موقف دول حوض النيل غير المساند أو الداعم لنا فى أزمة «سد النهضة».

وما أصعب البناء بعد الهدم!!! فالتركة ثقيلة جداً، محملة بأعباء جسام، وتحتاج لمجهودات شديدة ووقت طويل لجنى الثمار، كما أننا لا نمتلك رفاهية الوقت. إلا أن مصر الآن بقيادتها الحالية تبذل كل الجهد للحفاظ على حصتها البالغة 55 مليار متر مكعب من مياه النيل، وحسناً تفعل القيادة، التى أولت اهتماماً كبيراً بالقارة، فقامت الخارجية المصرية بالعديد من التحركات لتدعيم المصالح الأفريقية: فقد استضافت مصر قمة التكتلات الأفريقية الثلاث، وأيضا شاركت فى قمة التعاون بين دول جنوب أفريقيا (للشراكة وإقامة المشروعات التنموية لصالح الدول الأفريقية بخبرات مصرية)، إضافة لترؤس الرئيس لجنة الرؤساء الأفارقة الخاصة بالمناخ فى قمة باريس (مما جسد الدور القيادى لمصر من جديد على الساحة الأفريقية، وطالب بتطوير مبادرة خاصة بالطاقة المتجددة فى أفريقيا)، كما تم تكثيف زياراته للسودان وإثيوبيا، وذهب للبرلمان الإثيوبى وخاطب النواب عن التعاون بين البلدين.... ونتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من العلاقات الثنائية، خاصة مع رغبة مصر فى الحصول على مقعد دائم فى مجلس الأمن ممثلة لأفريقيا، مما يتطلب تخطيطاً وتنسيقاً مع حكومات الدول. فالرئيس يتحرك وفقاً لاستراتيجية معدة، وفى إطار أن أفريقيا أمن قومى لمصر.

وقد طمأننا الرئيس بخصوص أزمة «سد النهضة» قائلاً (أعرف أنكم قلقون وأنا معكم فى هذا القلق ولكن أقول لكم الأمور تسير بشكل جيد ومطمئنة.... مضيفاً... صحيح أن المياه حياة أو موت... لكن... نحن نتفهم أنهم يريدون أن يعيشوا كما نريد نحن أن نعيش.... وأشار إلى أن المفاوضات تهدف إلى تحقيق المصلحة المشتركة).

وعموماً فمصر لديها طريقان فى التعامل مع الأزمة، إما التعاون أو العداء، والأخير سيكون بالخيار العسكرى، لكنه سيبقى خياراً من الخيارات، وليس حلاً مطروحاً أبداً على الساحة الآن، حتى لا نخسر التعاطف الدولى، وقد يفسر بأنه عدوان. وفى هذا السياق فقد اختارت مصر التعاون، فالقاهرة قادرة على إدارة الأمر سياسياً، وتحاول الآن باستخدام المفاوضات والدبلوماسية الناعمة والخشنة، أن تضع اتفاقيات تلزم جميع الأطراف، فـ«وثيقة إعلان مبادئ سد النهضة» التى وقعت عليها مصر مع السودان وإثيوبيا فى مارس الماضى، تضمنت حق المحافظة على حصة مصر كاملة من المياه، والعمل على عدم الإضرار بها مستقبلاً، وشرط موافقة القاهرة أولاً حالة الإقدام على عمل يخل بحصتها.... فالوثيقة تضمنت مبادئ عدم الإضرار والتعاون والاتفاق على قواعد الملء الأول للسد والتشغيل السنوى وآليه التنفيذ قبل الشروع فى الملء.

ونشير إلى أنه يجب أن تتوافر حسن النوايا عند باقى الأطراف، لضمان احترام بنود الاتفاقيات، وهو ما نراه غير موجود فى التاريخ القصير لأزمة السد، أو أن يصبح أحد الأطراف مجبراً أو له مصلحة ما من تطبيق تلك البنود، وهو أيضا غير متوفر، وما يبدو أن إثيوبيا تراوغ وتماطل، إلا أن الاتفاقية الأخيرة تبقى مكسباً دبلوماسياً يمكن أن نستخدمها للضغط فى حال نظر القضية فى محكمة دولية.

كما قد تقدمت مصر ببدائل تعديلات فنية لإدخالها على بناء السد لتقليل الآثار السلبية، كزيادة عدد الفتحات إلى 4 بدلاً من 2، وهو محل دراسة الآن. وفى حالة فشل المفاوضات فستتم محاصرة إثيوبيا سياسيا بتدويل القضية دوليا، ويؤكد د. أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى على ضرورة المساعى الدبلوماسية واللجوء للتحكيم الدولى بناء على اتفاقيات عام 1891، 1902، 1929، 1959، 1993.... وغيرها من البروتوكولات بين البلدين، ويضيف أن لدينا أدلة ومستندات لإثبات حقنا وموقفنا، بما يتفق مع الأعراف والقوانين الدولية. وفى هذا الصدد نرى نحن أن التحول السياسى بانتهائنا من تنفيذ خارطة الطريق سيقوى موقفنا، ويمكننا من عرض قضيتنا بشكل يفرض على الجميع احترام حقوق شعبنا فى المنظومة الأفريقية والدولية، وعلينا إعداد ملف قانونى هندسى فنى شديد القوية، وتقديمه للجنة تحكيم دولية، و لمجلس الأمن، محكمة العدل الدولية، أو المحكمة الجنائية الدولية ويجب الإشارة هنا إلى أن المحكمة الدولية لا تقبل الدعاوى إلا بموافقة الطرفين!. هناك أيضا حل باستخدام الترويج الإعلامى للموقف المصرى. أيضاً اللجوء لحلول دعم التعاون الاقتصادى بزيادة الاستثمارات الزراعية فى إثيوبيا والاستفادة من انخفاض سعر الأراضى وتوافر المياه والتى سوف تزيد بعد بناء السد. كما يمكن كذلك الاستعانة بالوسطاء من الدول العظمى الصديقة مثل روسيا، أو إثارة القضية مع الدول العربية والخليجية معولين على استثماراتها بأفريقيا، إضافة إلى إشكالية أنه فى حالة انهيار السد ستتسرب المياه خلال الشقوق المائية ﻷسفل الكعبة مما يهدد المقدسات الإسلامية.

وقد اقترح مثلا د. مصطفى الفقى تخصيص مصر لأحد الموانئ على البحر المتوسط لنقل بضائع إثيوبيا باتفاقيات واضحة، مقابل المحافظة على حصة مصر من المياه. كما اقترح اللواء سيف اليزل الاستفادة من المساقط المائية الطبيعية فى الكونغو بإنشاء توربينات لتوليد الكهرباء، لتنافس إثيوبيا فى بيع الكهرباء ومن ثم يفقد السد أهميته.

ومجمل القول إن مصر تدير الأزمة بالشكل الذى يحافظ على حقوقها التاريخية فى مياه النيل، وتدرك تماماً أن المياه مسألة حياة أو موت.