عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

كنا قد تحدثنا فى مقالنا السابق, وألقينا نظرة سريعة جدا ومقتضبة على تاريخ وطبيعة العلاقات (الإسرائيلية – الإفريقية) تلك العلاقات المليئة بالتفاصيل الكثيرة جدا أيضا, كمقدمة رأينا أنها من الضرورة والأهمية قبل التعرض لموضوعنا الرئيسى لليوم بخصوص التوغل الإسرائيلى فى إفريقيا والآثار المترتبة على ذلك فيما يتعلق بمسألة الأمن القومى العربى. 

والمتتبع للأمر يجد أن العلاقات ما بين إسرائيل والقارة السمراء كانت قد أخذت فى النمو والتطور خاصة منذ أواخر السبعينات وتحديدا بعد وفاة الزعيم جمال عبدالناصر, وذلك على عدة مستويات سواء: السياسية والدبلوماسية، أو الاقتصادية والتجارية، أو العسكرية والأمنية، أو الثقافية والاجتماعية, مما أفرز العديد من الآثار السلبية والخطيرة على أمننا القومى العربى.

وفى المقدمة كان قد تأثر ومازال (الأمن القومى السودانى) حيث عانى السودان من التدخلات الإسرائيلية مثلا فى جنوبه لفصل «دارفور», وفى شرقه وذلك بحجة توجيه ضربات للعناصر التى تساعد فى تهريب الأسلحة إلى «قطاع غزة», ونود هنا أيضا أن نتذكر ما جاء فى زيارة رئيس دولة جنوب السودان «سلفاكير» عقب الإعلان الرسمى عنها كدولة مستقلة بذاتها عن السودان والاعتراف بها دوليا، تلك الزيارة لإسرائيل والتى كشفت عن مدى الود والتعاون الخفى ما بين الدولة التى كانت لاتزال وليدة آنذاك وبين الكيان الصهيونى، وقد عبر عن ذلك «سلفاكير» فى كلمة له، وجهها فى تل أبيب لقادة إسرائيل جاء فيها: (كنتم تقاتلون عنا, ولولا إسرائيل ما قامت دولة الجنوب)! فهكذا تخترق إسرائيل القارة الإفريقية! وكنتيجة طبيعية لتأثر الأمن القومى السودانى, يتأثر الأمن القومى المصرى لا محالة, فالسودان هى العمق الاستراتيجى لمصر, وليس لمصر فقط بل للأمة العربية بأثرها, وهى أيضا حلقة الوصل ما بين العروبة والإسلام من جانب والجنوب الإفريقى من الجانب الآخر.

ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن إسرائيل قد اتبعت ما يمكن أن نسميه «سياسة سد أو ملء الفراغ» فى إفريقيا لتحقيق استراتيجياتها فى التمدد هناك. ولا تلام إسرائيل فى ذلك بالطبع - وكما أكرر ذلك دائما – بل يجب أن نلوم أنفسنا نحن العرب! حيث إننا من أفسح الطريق وسمح للعدو الصهيونى بالتخطيط والتوغل لاختراق القارة الإفريقية وتحقيق أهدافه فيها تلك الأهداف المتضاربة تماما مع مصالحنا وأمننا القومى, فالعلة فينا، فى انحناء ظهرنا, وكما يقول «مارتن لوثر كينج» (لن يستطيع أحد أن يعتلى ظهرك، إلا إذا انحنيت). وما أبدعنا نحن العرب أيضا فى اختلاق الحجج والأعذار والذهاب بالعقول والقلوب بعيدا عن أصل المشكلة، لإعفاء أنفسنا من تحمل مسئولية ما نصل إليه دائما, ناسين أو متناسين لجوهر عقيدتنا ودستورنا الحقيقى, والذى من ضمن مواده تلك المعنى الهام، والذى تعبر عنه الآية الكريمة فى قول المولى عز وجل (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم. وهذا فقط غيض من فيض جليل، ما إن عدنا إليه وتمسكنا به، لعادت إلينا حضارتنا وعزتنا ومجدنا كسابق العهد.  

وحيث إننا لسنا بصدد مناقشة هذه النقطة الآن, والتى يفرد لها مقالات ومقالات, وحتى لا نتشعب بعيدا عن موضوعنا الرئيسى بخصوص مخاطر التوغل الإسرائيلى فى قارة إفريقيا على أمننا القومى العربى بصفة عامة والأمن القومى المصرى بصفة خاصة, والأمن المائى بصفة أكثر خصوصية، فسنعود مجددا لما بدأناه, ونود أن نشير هنا أيضا إلى أن تنامى العلاقات (الإسرائيلية – الإفريقية) كان قد أخذ فى التطور بشكل لافت للنظر ولاسيما بعد توقيع إسرائيل لاتفاقية التعاون فى مجال الأمن الغذائى، وإدارة المياه فى إفريقيا مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «اليونيدو». أيضا نجد الدعم والمساعدة المقدمة من جانب إسرائيل لإثيوبيا عقب توجهها نحو بناء سد النهضة, وهنا وجب أن نذكر أنفسنا بالشعار الذى رفعته الدولة الصهيونية وذلك حتى من قبل تأسيسها فى عام 1948م ألا وهو (من نهر النيل إلى نهر الفرات أرضك يا إسرائيل)! وفى هذا السياق أيضا دعونا نتذكر سويا جانبا من المفاوضات التى بدأت عام 1903م ما بين مؤسس الحركة الصهيونية وحكيمها «تيودور هرتزل» من جانب وبين الحكومة البريطانية والمندوب السامى فى مصر اللورد «كرومر» ووزير الخارجية البريطانى اللورد «آرثر بلفور» صاحب «وعد بلفور» ذلك الوعد المشئوم, الذى أعطى من لا يملك لمن لا يستحق, على حساب تشريد أبناء الشعب الفلسطينى فى شتى بقاع الأرض, حيث تم الاتفاق فى سرية تامة على أن يتم توطين يهود العالم بشبه جزيرة سيناء تمهيدا للاستيلاء على فلسطين وتوطينهم بها، واستغلال المياه الجوفية فى سيناء ومن بعدها مياه نهر النيل, وقد قامت الدولة العبرية فيما بعد بسرقة مياه الدول العربية «فلسطين طبعا, الاردن, سوريا, لبنان, ومصر». وهكذا نجد أن زعماء الحركة الصهيونية كانوا قد وضعوا قضية المياه «النفط الأبيض» فى المقام الأول ضمن مخططاتهم للمنطقة.

وللحديث بقية.