رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ذكريات قلم معاصر

مر عيد ميلاد أستاذنا الكبير كامل الشناوي دون أن يأخذ حقه من الإعلام الذي قضى فيه «كامل بك» عمره كله.. فهل كان يتنبأ بذلك حينما ألف قصيدة عيد ميلاده «لماذا عدت أيها الشقي»!! غناها عبدالحليم حافظ ونجاة!!

كامل الشناوي الذي بدأ عمله «مصححا» نعم مصححا في بدروم جريدة «كوكب الشرق» لصاحبها حافظ بك معوض.. ثم قفز ليكون رئيساً لتحرير أكبر الصحف اليومية صباحية ومسائية.. يقولون عادة إن فلاناً بدأ من الصفر.. وأقول إن كامل الشناوى بدأ من تحت الصفر.

<>

كانت الحارة التي ولد بها مليئة بمناقشات حادة غير جادة علي الإطلاق!! مناقشات حول سؤال عجيب وغريب.. هو:

- أيهما أكثر ضخامة وسمنة.. أهو ابن الشاعر الهراوي أم ابن الشيخ الشناوي؟!

كان الطفلان لم يكملا الرابعة من عمرهما!! حسم هذه المناقشات البيزنطية!! الشاعر الكبير حافظ إبراهيم وكان سكنه قريباً من الحارة حينما قال يوما لزميله الشعر الهراوي في إحدى الجلسات المسائية في الهواء الطلق:

- يا هراوي إنت شفت النهاردة الصبح دار الكتب واقفة جنب الواد ابنك!!

انتشرت النكتة وضحك كل من في الحارة وما حولها.

<>

ليست السمنة المفرطة هي العقدة الوحيدة في حياة الطفل كامل الشناوي الطالب في الأزهر منذ نعومة أظافره يلبس الجبة والقفطان والعمة فوق رأسه وجيرانه في الحارة وغير الحارة يلبسون البنطلون والقميص!! لذا كان حريصاً على تحويش الملاليم ليشتري بنطلونا بأي شكل!! ليخلع ملابس الأزهر بمجرد عودته الى المنزل.. وبدأ انقطاعه عن الدراسة لكثرة سهره وهو يقرأ أشعار حافظ ابراهيم ثم باقي الشعراء الكبار.. وبلغ قمة احتقانه من كل ما هو حوله، مع ما يقرأه من سخرية صامتة في وجوه أهل الحارة.. كل ذلك فجر هواية الشعر الهجائي ثم الشعر العاطفي في عقله وقلمه وقلبه!!

أخذ يكتب هذا الشعر في كراسات قديمة قرأها بعض أصدقائه وكان قد وصل الى الخامسة عشرة من عمره فلم يصدقوا انه هو الشاعر المؤلف!! احتكموا الى شاعر شعبي محبوب من الجميع اسمه محمد الأسمر، فكان قراره أن هذا الشعر لا يصدر الا من فتى طموح متصف به عدة أزمات نفسية متناقضة.. إذن هي من تأليف هذا الفتى.

الشعر لا يباع ولا يشترى.. فمن أين يعول نفسه.. خاصة أن الازهر قرر فصله.. وهناك كلمة أو قل قفشة أو تشنيعة أطلقها عبد الرحيم الشناوي ابن شقيقه الذي اصبح فيما بعد حارساً لمرمى الترسانة.. قال عبد الرحيم إن الأزهر فصل عم كامل لأنه تم ضبطه وهو يأكل حاجة غريبة اسمها بسطرمة!!

المهم.. الشاعر محمد الأسمر أخذ الشاب الصغير الى جريدة «كوكب الشرق» لصاحبها حافظ بك عوض ليعمل مصححا في البدروم بقروش ضئيلة.. وبدأ الحظ يبتسم له.. حينما تم تعيين طه حسين مديراً لتحرير المجلة.

بالصدفة كان هناك سكرتير تحرير تم تعيينه بالواسطة!!! ليس عنده فكرة عن النحو والتشكيل فكان دائم الشكوى من هذا المصحح الدائم تصحيح كل كلامه. وكاد يتم فصل المصحح لولا أن طه حسين كان يحب كلام المصحح خفيف الظل للغاية فأصر على بقاء المصحح بل قرر أن يعمل معه في التحرير.. وتستمر لعبة الحظ، ويتعرف على عباس العقاد الذي يتردد كثيراً على طه حسين.. وكانت خفة دمه وكثرة تهكماته وسخريته من كل شىء بطريقة ضاحكة حتى قيل إنه لا غنى عنه في سهرات كل ليلة.. وتتطور الأمور ويعمل كاتباً لأول مرة في مجلة «روز اليوسف» التي تولى مهمة رئاسة تحريرها العقاد وبدأ يظهر اسم الشناوي في الصحف لأول مرة عام 1934.

وكانت كتاباته خفيفة الظل سبباً في الانتقال الى الأهرام.. قيل إن انطوان الجميل انتزعه انتزاعا من «روز اليوسف».. ثم أصبح رئيساً لتحرير جريدة «المسائية».. حتى نجح أيضاً في الانتخابات وأصبح نائبا للحي الذي نشأ فيه ولذلك قصة.

في أواخر عام 1944 تولى الحكم الدكتور أحمد ماهر وكانت أول مرة يتولى فيها رئاسة الوزارة لذا أقام ماهر باشا حفلة ساهرة في منزله أحيتها أم كلثوم حضرها الملك فاروق الذي كان قد سمع عن خفة دم الصحفي الشناوي فطلب منه أن يقول له آخر نكتة سياسية!!

وضحك الملك بصوت عال.. ونجح الشناوي في الانتخابات طبعاً.. بعد أن انتشر خبر جلوسه بجوار الملك.. ثم في بداية 1951 تم الإنعام على عشرين صحفياً برتبة البكوية كان على رأسهم الصحفي خفيف الظل.. وبعد عام  وبضعة شهور قامت الثورة وألغيت الألقاب.

<>

وبعد

هذا هو كامل الشناوي الذي لم يتم الاحتفال بمولده الاحتفال اللائق بتاريخه.

هذا هو كامل الشناوي كان طيفاً ضخم الحجم.. لكن هذه الضخامة لم تمنع من أن يمر بالدنيا بكل الدنيا بكل ما فيها مرا سريعاً كالنسمة.. فلا تستطيع أن تحدد مكانه في التاريخ الفكري المعاصر.. هل كان صحفياً.. هل كان شاعراً.. هل كان أديباً.. هل كان فناناً..؟ الأرجح هو كل ذلك رحمه الله رحمة واسعة!!

عبد الرحمن فهمي