عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ونستكمل مجددا حديثنا عن الموسوعى الراحل «خليل كلفت» للمرة الثالثة على التوالى, ويؤسفنى جدا وأتعجب, ولعلك تشاركنى الإحساس قارئي العزيز حين تعلم أن مثقفا حقيقيا ومترجما مبدعا بحجم «كلفت» طوال رحلة حياته العملية, التى امتدت إلى ما يقرب من النصف قرن, كان قد عكف فى معظمها على دراسة وترجمة روائع فكرية وأدبية لم يسبق ترجمتها للغة العربية من قبل, إلا أنه لم يحصل طوال هذا العمر الممزوج بالإنتاج الثرى الغزير والمتنوع  سوى على جائزتين فقط!! الأولى هى الجائزة (الأورومتوسطية) فى الترجمة, التى ساعدت قيمتها المادية فى تغطية نفقات علاجه لإجراء عملية زراعة الكبد فى إيطاليا عام 2007م, والثانية كان قد حصل عليها مؤخرا وهى جائزة (رفاعة الطهطاوى) عن ترجمته لكتاب (النظام القديم والثورة الفرنسية) لمؤلفه «أليكسى دو توكفيل».

وكما فعلنا آنفا, سنترك ما تخصص من مساحة لسرد أفكار «كلفت» وتحليلاته السياسية وما وصل اليه من آراء, ولتكن هذه المرة حول «ثورة 25 يناير» فكثيرا ما نفكر, نبحث, نسمع, نحلل... ونتساءل: هل كانت 25 يناير ثورة ؟ أم مؤامرة؟ أم أنها لا هذا ولا ذاك وإنما هى هبة شعبية (بفتح الهاء والباء)؟ ولماذا تجلى الشعب المصرى فى أبهى صوره وقدم نموذجا كان أقرب إلى المثالية, ضرب به المثل فى إعلاء قيم الخير والحق والجمال فى أول 18 يوما للثورة! ثم سرعان ما تبدل به الحال فيما بعد وتصرف بتناقض شديد أحيانا؟ وأسئلة آخرى عديدة الى أن نصل إلى السؤال الفذ الذى يسأله الإعلامى أو الصحفى غالبا ليختتم به برنامجه أو حواره... متسائلا: هل حققت الثورة أهدافها؟ وقد أدهشتنا ومازالت تدهشنا الإجابات!!!

ف«كلفت» يرى أن «ثورة يناير» هى ثورة سياسية شعبية لم تهدأ ولن تهدأ بسهولة, فالثورات التى تحدث فى العالم الثالث مختلفة بطبيعة الحال, حيث إنها تأتى فى سياق التبعية الاقتصادية للدول المتقدمة, وبالتالى فالماضى المباشر لثورات تلك الدول لا يمكن أن يمثل مستقبل طبقة رأسمالية صاعدة (كما هو الحال فى الثورة الفرنسية مثلا, التى جاءت فى سياق التحول للرأسمالية) ولكنه يمثل حالة مستمرة من التبعية الاقتصادية لدول عظمى, تسعى تلك الدول بكل السبل للسيطرة على الدول التابعة لها , وبالتالى فهى تعمل على منع أى تقدم فى تلك الدول. 

فالمشكلة أننا لدينا نظام رأسمالى على سبيل المجاز فقط, حيث إن معظم إنتاجنا (إن جاز القول بأننا ننتج) عبارة عن صناعات استهلاكية فى مجملها, فنحن لا ننتج معدات الإنتاج والصناعات «الكبرى,المتوسطة أو الصغيرة حتى» وهو ما يعرف بصناعة الصناعة, بل نعتمد على استيرادها من الخارج، إضافة إلى أننا نستورد أحيانا مكونات المنتجات ونقوم بتجميعها, أو نستسهل الأمر أكثر ونستورد المنتج الاستهلاكى فى صورته النهائية, وهكذا, وبالتالى فالثورة عندنا لا تمهد لتسلم طبقة رأسمالية للسلطة كما الأمر فى الحالة الفرنسية, ولا هى ثورة اشتراكية أيضا, ولكنها تعبير عن الغضب الشعبى العارم على طبقة حاكمة كان أساس حكمها و تعاملاتها هو الفساد, و ليس الاستغلال الاقتصادى الطبيعى, بل الأكثر أن تلك الطبقة الحاكمة رغبت فى تكريس هذا الوضع من خلال التوريث. لذا فمكاسب ثورتنا تكمن فى فرض الحرية والتعددية على النظام السياسى, ومن ثم سيمهد الطريق لـ(الديمقراطية من أسفل)  الديمقراطية الاجتماعية التى تتم من خلال نضال اجتماعى مستمر متمثل فى إنشاء النقابات, وحق التظاهر, وتفعيل دور المجتمع المدنى بصورة حقيقة وغيرها من الآليات. وأعتقد هنا أن «كلفت» كان يقصد «الديمقراطية التشاركية»- والتى سيكون لنا عنها حديث مفصل فيما بعد – بما يؤدى الى تقليل ممارسات الفساد وتحسين حياة المواطن.

كما أن هناك تناقضا كبيرا وهوة واسعة دائما بين الحلم الذى تلهث الشعوب وراءه فى بداية انطلاق الثورة, وبين ما يتحقق بالفعل على أرض الواقع, فالإمبريالية الأمريكية أدخلت الشعوب العربية بلا استثناء فى القفص الحديدى للثورة السكانية بدون ثورة صناعية (وباعتقادى هنا أيضا أنه كان يقصد أن ثورة 25 يناير لم تكن نتيجة لتطور مجتمعى حقيقى, يسمح لميلاد طبقة جديدة تسعى جاهدة للخروج الى النور, ويصبح لها مكان جديد فى مجتمع تكون هى أحد أهم ركائزه)  ومن ثم تتحول البلاد إلى الرأسمالية , بل صارت مجرد حظائر خلفية للرأسمالية العالمية, فثورة يناير جاءت فى سياق من التبعية الاستعمارية (فمصر بعيدة  عن الاستقلال الحقيقى رغم الاستقلال الشكلى الذى يقره القانون الدولى)، ويدور الصراع فيها بين الثورة الشعبية السياسية التى قام بها الشعب المصرى من ناحية  وبين الاسلام السياسى و الرأسمالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية من الناحية الأخرى.

ومن الممكن بالطبع أن نطمح أن نتحول الى نظام رأسمالى أكثر استقلالية وتقدما,مثلما حدث فى تجارب النمور الآسيوية, إلا أنه يجب أن نضع فى الاعتبار أننا أمام تحديات هائلة لتحقيق ذلك, لذا لابد من أخذ خطوات فى منتهى الجدية تبدأ بالتخطيط.

وأخيرا فيمكن أن نجمل رأى «كلفت» فى أن مفتاح نجاح الثورة المصرية يتمثل في: العمل الجاد علي تحقيق الديمقراطية الشعبية من أسفل،  ومحاولة تحقيق الاستقلال الوطني عن الإمبريالية الأمريكية.