رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

عرضنا فى المقال السابق المحاضرة الأولى التى ألقاها الدكتور بول كريج روبرتس نائب وزير الخزانة الأمريكى السابق فى إدارة الرئيس ريجان أمام أكاديمية العلوم الروسية بمناسبة العيد السبعين لمؤتمر ياليا وشرح فيها الخطر الداهم على سلام العالم نتيجة جرائم عصابة اليمن الجديد التى تسيطر على الحكم فى أمريكا، ونعرض فى هذا المقال المحاضرة الثانية التى ألقاها على نفس الأكاديمية فى اليوم التالى بتاريخ 26 فبراير سنة 2015 كما نشرها موقع أنفرميش كليرنج هاوس فى 3/7/2015. يقول روبرتس:

زملائى فى الجلسة الافتتاحية أمس عرضت عليكم التهديد الذى تمثله أيديولوجية اليمين الجديد للعلاقات الدولية، وفى هذه المحاضرة الختامية أشرح ما إذا كان هناك أى مقاومة داخلية لهذه الأيديولوجية من جانب الشعب الأمريكى، وما إذا كانت هناك قيود اقتصادية على هذه السياسة.

كما كانت أحداث 11 سبتمبر سنة 2011 المبرر الذى اتخذته واشنطن لشن حروبها من أجل السيطرة على العالم الشرق أوسطى، وكانت هذه الأحداث مبرراً لخلق دولة بوليسية داخل أمريكا، فالدستور والحريات المدنية التى يحميها سقطت سريعاً لسيطرة الإدارة الحكومية التى ركزت كل السلطات فى يدها كما تبررها حالة الحرب التى اندلعت.

صدرت قوانين جديدة كان بعضها سابق التجهيز مثل قانون الوطنية والمراسيم الرئاسية والتوجيهات الرئاسية، ومذكرات وزارة العدل. كل ذلك خلق سلطة تنفيذية لا تخضع لقيود الدستور الأمريكى أو للقوانين المحلية والدولية.

فجأة أصبح ممكناً اعتقال الأمريكيين دون مدة محددة ودون سبب يقدم للمحكمة، فحرق الحرية الشخصية التى يحميها الدستور الذى يحظر اعتقال الناس دون سبب تم تنحيتها جانباً وفجأة أصبح ممكناً تعذيب الأفراد للحصول على اعترافات بالمخالفة الصارخة للقانون الذى يحظر أن يطلب من الإنسان تقديم دليل إدانة نفسه وبالمخالفة الصارخة للقوانين المحلية والدولية التى تحظر التعذيب تماماً.

وفجأة أصبح ممكناً التجسس على الأمريكيين وعلى أقرب حلفاء وأصدقاء أمريكا دون تمييز ودون حاجة للحصول على إذن من السلطات القضائية فيه مبررات هذا التجسس.

وقد أضافت إدارة أوباما إلى إدارة جورج بوش الابن فى العدوان على القوانين حقها كحكومة فى اغتيال مواطنين أمريكيين دون حكم قضائى.

تم تنظيم الدولة البوليسية تحت إشراف وزارة جديدة اسمها وزارة الأمن الداخلى وعلى الفور تم تضييق حقوق حماية المواطن وحرية الصحافة وحرية الكلمة والحق فى الاحتجاج السلمى، وتمت محاصرة كل هذه الحقوق وتضييق نطاقها.

ولم يمض وقت طويل حتى أعلن وزير الأمن الداخلى أن تركيز وزارته قد تحول من مراقبة الإرهابيين المسلمين إلى مراقبة المتطرفين الأمريكيين، وهى عبارة مطاطة غير محددة النطاق يمكن إدخال أى مواطن فى نطاقها، وتمت مهاجمة منازل المحتجين على الحرب وتفتيشها وتكوين لجان من المحلفين لاستجوابهم، أما الأمريكيون من أصل عربى الذين كانوا يتبرعون للأعمال الخيرية وحتى المصرح بها على قوائم وزارة الخارجية والتى كانت تقدم مساعدات للأطفال الفلسطينيين فقد كانوا يعتقلون ويحكم عليهم بالسجن على أساس أنهم يقدمون مساعدات مادية للإرهاب.

كل هذا ومزيد يتضمن قمعاً من الشرطة كان له أثر رهيب على حركة الاحتجاج على الحروب وعلى التضييق على الحريات المدنية، فحركة الاحتجاج التى اندلعت فى الماضى من المواطنين الأمريكيين وحتى من الجنود والتى أجبرت الحكومة فى الماضى على إنهاء حرب فيتنام، تم قمعها تماماً فى القرن الحادى والعشرين عن طريق إلغاء الحقوق المدنية وتهديد المواطنين وفصلهم من وظائفهم وغير ذلك من أساليب لا تتفق مع حكومة تخضع للقانون ولرقابة المواطنين.

وبمعنى أدق فقد خرجت أمريكا من حربها على الإرهاب كديكتاتورية لا يحدها رأى عام ولا يكاد يحدها الكونجرس نفسه أو المحاكم، وخروج الحكومة الأمريكية على الشرعية امتد إلى الدول العميلة لأمريكا ولصندوق النقد الدولى وللبنك المركزى الأوروبى الذين يخرجون جميعاً على قوانين إنشائهم.

وقد دمرت الوظائف فى الدول الخارجية فرص النقابات الصناعية الأمريكية، وأصبحت مصالح المسيطرين على كلا الحزبين الجمهورى والديمقراطى لها الأولوية على مصالح العمالة الأمريكية، فمصلحة النخب المسيطرة هى الأساس، ولكن نقطة ضعفها هى الاقتصاد الأمريكى، وأكذوبة عودة الانتعاش للاقتصاد الأمريكى بعد كبوته الكبرى سنة 2008 بدأت تتكشف بعد أن ساهمت فى ارتفاع مفتعل لسعر الدولار، فلم ترتفع دخول الأسرة الأمريكية المتوسطة لسنين عديدة بل انخفضت عن دخل حقبة السبعينيات وتضاءل حجم الطبقة العاملة نتيجة الصناعات التى تنشئها النخبة المسيطرة فى الدول الأجنبية لانخفاض تكلفة العمالة الأجنبية عنها فى أمريكا، وارتفع حجم البطالة فى أمريكا إلى 11٫2٪ رسمياً ولكن حقيقة حجم البطالة هى 23٫2٪ من قوة العمل فى أمريكا.

فالصناعات التى تنشئها النخبة المسيطرة فى الدول الخارجية ذات العمالة الأرخص مثل السلع المصنعة والخدمات الهندسية وقطاع المعلومات قد خفضت كثيراً من حجم الطبقة المتوسطة فى أمريكا، ورفعت أرباح الشركات الأمريكية الدولية وزاد عدد أصحاب المليارات المسيطرين عليها، فى الوقت الذى زاد فيه عدد خريجى الجامعات الأمريكية الذين يقبلون أعمالاً يدوية كخدمة بالمطاعم لعدم توافر وظائف تناسب مؤهلاتهم، ونتيجة زيادة نسبة هؤلاء فى المجتمع تدهور قطاع البناء السكنى وصناعة الأثاث ومستلزمات المنازل، ويظل قطاع بيع السيارات رائجاً لأن المنتجين يمنحون المشترى قرضاً يساوى 100٪ من ثمن السيارة يقسط على ست سنوات، ويبيع المقرضون هذه القروض للمستثمرين مما كان السبب المباشر فى الأزمة الاقتصادية الطاحنة سنة 2007.

لم تفعل الحكومة الأمريكية شيئاً لمعالجة أسباب هذه الأزمة الطاحنة التى تفجرت بوضوح سنة 2008، وبدلاً من علاج الأسباب لجأت الحكومة لمنح المزيد من القروض بأكثر من الدخل القومى الأمريكى، مما يثير التساؤل عن حقيقة قيمة الدولار الأمريكى وحقيقة القوة الاقتصادية للحكومة الأمريكية وفى 8 يوليو سنة 2014 أعلنت مع زملائى الاقتصاديين أن حقيقة الدين القومى الأمريكى تصل إلى 185٪ من إجمالى الدخل القومى الأمريكى.

وهذا بدوره يثير التساؤل عن لماذا أعلن أن المصداقية الائتمانية لروسيا مثلاً ضعيفة فى حين أن الدين القومى الروسى أقل كثيراً من إجمالى الدخل القومى، ولماذا لم يعلن ذلك عن الاقتصاد الأمريكى؟ الرد ببساطة أن الإساءة لسمعة الاقتصاد الروسى قرار سياسى يناسب محاولة أمريكا السيطرة على العالم كله.

فإلى أى مدى سيظل ممكناً لأمريكا الاحتفاظ ببنائها الاقتصادى الهش وقدرتها على تزييف أرقام سوق الأوراق المالية بها، وتزييف سعر الفائدة وقيمة الدولار الحقيقية وخفض قيمة الذهب على غير الحقيقة؟ إن النظام المالى الغربى الحالى معتمد كلية على مساندة العالم للدولار الأمريكى، ولا شىء آخر.

والمشكلة مع اقتصاديات المحافظين الجدد التى امتدت إلى كل الدول بما فيها روسيا والصين أن هذه الاقتصاديات أداة للإمبريالية الأمريكية مثلها فى ذلك مثل ما يسمى بالعولمة، وستظل خطراً على كل الدول المستهدفة من الاستعمار الأمريكى طالما كانت مستسلمة له، ولكن إذا قامت روسيا والصين وبنك دول البركس بالتدخل لإنقاذ اقتصاد اليونان وإيطاليا وإسبانيا، فربما تنفصل هذه الدول الثلاث عن الاتحاد الأوروبى وعن حلف الناتو، ويبدأ عندئذ تساقط الإمبراطورية الأمريكية.

وإلى هنا ينتهى هذا العرض التفصيلى لحقيقة الأوضاع الاقتصادية المتردية للاقتصاد الأمريكى، عرضها على مدى هذين المقالين رجل أمريكى وصل إلى قمة السلطة فى بلده ولا يمكن اتهامه بأنه معاد لأمريكا، فما قدمه من حقائق يفضح بها عصابة الحكم المسيطرة على أمريكا هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ بلده وخلاص العالم من شرورها.

إننا نشعر بثقة كبيرة فى المستقبل، حيث يتراجع نفوذ العدوان الأمريكى ويتحول مركز الثقل العالمى ببطء من الغرب إلى الشرق نحو القوى الصاعدة الصين وروسيا والهند، ودول البركس وتشعر باطمئنان نحو المستقبل عندما نرى أن مصر كانت إحدى الدول المشتركة فى تأسيس بنك الشرق الجديد الذى يشرف على تمويل طريق الحرير الجديد الذى تبنيه الصين مع كل هذه الدول المشتركة فيه والذى يسير هو وبنكه الاستثمارى الجديد نحو الحلول النهائية محل مؤسسات الاستعمار الغربى التى تسيطر عليها أمريكا مثل البنك الدولى وصندوق النقد الدولى.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد