عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

كنا قد ختمنا مقالنا الأسبوع الماضى بتلك الكلمات: «خليل كلفت حكاية إبداع لا تنتهى».. واستكمالاً منا لما بدأناها, سنواصل الحديث فى مقالنا لهذا الأسبوع أيضاً عن هذا المثقف الموسوعى الراحل, الذى ترك لنا إرثاً ثقافياً يجب أن تُسلط عليه الأضواء, ويُحتفى به فى الأوساط الثقافية والسياسية, حتى يتسنى الاستفادة مما خلَّفه لنا من ترجمات وآراء فى السياسة, الأدب, وعلوم اللغة.

فـ «كلفت» رحلة بحث تنويرية بداية من معرفة الآخر وصولاً إلى معرفة الذات، فقد آمن إيماناً مطلقاً بحق المصريين فى الحق والخير والجمال, وعبر عن ذلك فى إنتاجه الثقافى المميز على مدى مراحل حياته, الأمر الذى عرَّضه أحياناً للصدام مع السلطة ودخول المعتقلات، فقد أخد كل عمل قام به على محمل الجدية, فأخرج لنا إبداعاً حقيقياً.

وأستأذنك قارئى العزيز أن تسمح لى بأن أترك الورقة والقلم, ومن قبلهما الفكر والرأى لكاتبنا «كلفت» كى يسطر لنا باقى محتوى هذا المقال, ونطلع على بعض من إبداعه، خاصة السياسى خلال رحلته الغنية بالجدية والجهد والوعى.

ففى عام 2010 أصدر ترجمته لكتاب «النظام القديم والثورة الفرنسية» لمؤلفه «أليكسى دو توكفيل», وأليكسى (1805-1859م) كان رئيس وزراء خارجية فرنسا وعمل سفيراً لها لدى أمريكا, ويعد من أبرز كبار مثقفى وساسة فرنسا, وعن هذا الكتاب يروى «كلفت» أنه فى البداية تحمس بشكل شخصى لقراءته وترجمته إلى العربية حتى يتسنى الاستفادة منه فى العالم العربى, وإيماناً منه فى البداية بأفكار «توكفيل», الذى قرأ له قبل ذلك عدة كتب كان من أهمها كتاب كبير، ضخم الحجم، عظيم المحتوى هو «عن الديمقراطية فى أمريكا», أيضاً كان ذلك محاولة من «كلفت» للاطلاع على الثورة الفرنسية وتطورها بشكل أكثر تفصيلاً، وفهمها فى سياقها التاريخى, إلا أنه اكتشف بعد قراءته واستيعابه للكتاب, أنه ليس مجرد تأريخ للثورة الفرنسية وحسب, بل إنه دراسة متعمقة, وبلورة واضحة لمفهوم الثورة, وكانت تلك مفاجأة سارة جدا بالنسبة لـ «كلفت»، حيث أشبعت فيه روح الشغف للنهل من مناهل المعارف والأفكار، تلك غير المتداولة على الساحة بالشكل الكافى، ما يؤهل لاستخدامها والقياس عليها أو تطبيقها على واقعنا المعاش، فقد استوعب كاتبنا فكرة «توكفيل» المجنحة عن الثورة كما يصفها, وأوضح ذلك فى مقدمته عن الكتاب, حيث شرح فكرة أن الثورة ساعدت على الانتقال بالمجتمع من الإقطاع إلى الرأسمالية, لكن النظام الاقتصادى قبل الثورة لم يكن إقطاعياً فى مجمله, ففى ظل النظام الملكى القديم نمت الرأسمالية وتطورت الصناعة والملكية الزراعية, ونشأت سوق رأسمالية, وبالتالى أصبحت الملكية المطلقة عبئاً يكبل الرأسمالية الوليدة, كذلك أمور كنفوذ الارستقراطية وإقطاع الكنيسة بات غير مقبول, ومن هنا برزت فكرته الأساسية أن الثورة «ثورتان» ثورة اجتماعية وثورة سياسية, وأن النظام القديم هو الثورة الحقيقية, ولو لم تحدث ثورة 1789م السياسية على النظام القديم فى فرنسا (النظام الإقطاعى بشقيه السياسى والاقتصادى) لكانت الثورة (النظام القديم الذى أخذ فى التطور) ستواصل رسالتها التاريخية حتى تصل إلى أهدافها فى النهاية!.. فالثورة الاجتماعية تمتد لسنوات طويلة فى صورة تحولات اجتماعية, أما الثورة السياسية فتأتى لتغيير النظام السياسى والإتيان بنمط جديد للحكم يفتح الباب لحلول طبقة جديدة انتصرت فى الثورة الاجتماعية لتحل محل الطبقة المنهزمة, مثل الصراع بين الطبقة الرأسمالية والطبقة الإقطاعية فى النموذج الفرنسي, حيث يصبح الماضى المباشر قبل الثورة السياسية هو المستقبل بعد تلك الثورة.

ويا لها من فكرة شديدة العمق, وغياب مثل هذه الفكرة «التوكفيلية» عن أذهان كتابنا ومحللينا السياسيين عندما يكتبون عن الثورات الراهنة، وأخص بالذكر ما يسمى «ثورات الربيع العربى», أمر فى منتهى الخطورة, حيث يؤثر على فهمهم لمثل هذه الثورات وتناول ومناقشة جميع قضاياها, هذا من جانب, ومن جانب آخر فإنما يبرز لنا هذا التحليل لـ «كلفت» مدى حجمه كمفكر ومثقف ومحلل سياسى, فهو ليس مجرد مترجم وكفى, حيث تشعر وأنت تقرأ لأي من ترجماته, أنك أمام كتاب أصلى وليس بشىء مترجم على الإطلاق, بداية من سلاسة اللغة والمفردات, مروراً بترابط الجمل فى السياق وقوة التعبير, ووصولاً إلى إصابة الأفكار بمنتهى الدقة والوضوح والحرفية التى ليس لها مثيل, مع الصياغة بأسلوب أدبى راق, فالمترجم المبدع تصبح ترجمته إبداعاً ممتعاً, بفضل ثقافته, فى حين تكون ترجمة المترجم العادى ضعيفة وغير دقيقة, وبكل أسف كثيراً ما تتساهل دور النشر فيما يتعلق بنوعية الترجمة, فقد صادفتنا العديد من الكتب الركيكة المترجمة, التى لا تخرج منها بشىء سوى الملل وإضاعة الوقت وبذل جهد مضاعف لمحاولة ربط الجمل لفهم الموضوع.

ودعونا نعود مجدداً لكتاب «توكفيل» المترجم، حيث وضح لنا أيضاً «كلفت» أنه وفى هذا النموذج تحديداً ظهر العديد من السلبيات بعد الثورة، فالثورة الفرنسية كانت قد مهدت الطريق الى اكتمال الرأسمالية الصناعية، وبالتالى ظهرت طبقة جديدة، هذه الطبقة ازداد نفوذها بعد الثورة، ومارست بعض الأساليب الديكتاتورية، كما اندفع بعض القادة الثوريين إلى الرغبة فى التغيير بأقصى سرعة، ما قاد أيضاً لممارسة أساليب الديكتاتورية، كما حدث فى عهد الإرهاب، إضافة لممارسات الثورة المضادة، لكن النضال بقى مستمراً، استكمال تحقيق الديمقراطية أو «الديمقراطية من أسفل».

وللحديث بقية.