رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

يعتبر الدكتور بول كريج روبرتس الذى كان نائب وزير الخزانة خلال رئاسة الرئيس الأمريكى ريجان أحد أعرق الساسة الأمريكيين وأكثرهم فضحاً لما تقوم به عصابة الحكم اليمينية فى أمريكا من جرائم، وقد ألقى محاضرتين يومى 25 و26 فبراير سنة 2015 فى موسكو أمام أكاديمية العلوم الروسية بمناسبة العيد السبعينى لمؤتمر يالتا نشرهما موقع إنفرميش كليرنج هاوس, عرض فيهما الخطر الداهم على سلام العالم الذى قد يقود لدماره بسبب الجرائم العدوانية التى تقوم بها العصابة اليمينية الحاكمة فى أمريكا نعرضهما فى هذا المقال والمقال التالى قبل التعليق عليهما.

يقول روبرتس فى المقال الأول إن الأكاديميين فى روسيا ومختلف أنحاء العالم يتساءلون لماذا دمرت واشنطن العام الماضى العلاقات الودية بين أمريكا وروسيا التى نجح الرئيسان ريجان الأمريكى وجورباشيف الروسى فى بنائها وأنهيا بذلك خطر حرب فناء نووية، يندهش الروس لهذا الكم الهائل من الأكاذيب التى يرددها الإعلام الأمريكى والغربى ضد الرئيس الروسى بوتين والتى كانت سبباً فى التفاف الشعب الروسى حوله على نحو غير مسبوق، وقد أدت الحملة المسعورة التى تقودها واشنطن إلى خطر بعث احتمال حرب نووية وعودة الحرب الباردة، فلماذا أيقظت واشنطن احتمال حرب فيها فناء العالم؟ ولماذا يؤيد معظم أعضاء الكونجرس وكل الإعلام الأمريكى ومراكز البحث هذه الحملة؟

وكان عليّ إجابة هذا السؤال أمام مؤتمركم، ويمكنكم قراءة خطابى أمامكم يومى 25 و26 فبراير فيما يلى، ولكن عليكم أولاً إدراك ما تعنيه الحرب النووية وأن تفجير قنبلة نووية زنة 800 كيلو طن فوق منهاتن قد تعنى فناء نيويورك كلها.

والآن أوضح لكم أيديولوجية المحافظين الجدد فى السيطرة الأمريكية على العالم كله، أوضح لكم أيها الزملاء أن المصاعب الحالية فى النظام الدولى ليست بسبب مؤتمر يالتا ونتائجه، ولكن جذورها موجودة فى صعود أيديولوجية المحافظين الجدد فى الفترة التى أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتى وأثر ذلك على السياسة الخارجية الأمريكية، فتفكك الاتحاد السوفيتى أزال العائق الوحيد أمام قوة أمريكا فى التصرف المنفرد فى العالم، ففى ذلك الوقت كان التقدير هو أن صعود الصين سيستغرق نصف قرن، وفجأة وجدت أمريكا نفسها القوة العظمى الوحيدة فى العالم،فأعلن المحافظون الجدد أن ذلك يمثل نهاية التاريخ، ويعنون بذلك أن المنافسة بين الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى العالم قد انتهت، وأن التاريخ قد اختار النموذج الأمريكى للديمقراطية الرأسمالية ليسود العالم كله، وأن واجب أمريكا هو ممارسة فرض هذا النموذج على كل العالم، والتاريخ قد اختار أمريكا لهذه المهمة وعلى أمريكا أن تلزم العالم كله بقبول ديمقراطية أمريكا الرأسمالية.

وبعبارة أخرى فإن كارل ماركس قد ثبت أنه كان مخطئاً تماماً، فالمستقبل ليس ملكاً للطبقة العاملة بل ملك لأمريكا.

وبذلك يرفع المحافظون الجدد بأيديولوجيتهم هذه مركز أمريكا إلى مركز الدولة الاستثنائية، ويرفعون مركز الشعب الأمريكى إلى مركز «الشعب الاستثنائى» الذى لا يمكن الاستغناء عنه، وإذا كانت أمريكا دولة استثنائية فكل ما عداها من الدول تعتبر دولاً غير استثنائية، وإذا كان الشعب الأمريكى شعباً لا يمكن الاستغناء عنه فباقى شعوب العالم يمكن الاستغناء عنها، وقد رأينا هذا المفهوم يطبق لمدة 14 سنة من الحرب الأمريكية العدوانية فى الشرق الأوسط، فقد أدت هذه الحروب إلى تدمير دول وقتل وإصابة الملايين وتهجيرهم من ديارهم، ومع ذلك تستمر أمريكا فى الحديث عن حماية الشعوب الصغيرة من العدوان، فهى لا تعتبر العدوان الأمريكى عدواناً ولكنه هدف التاريخ، وقد رأينا ذلك أيضاً فى استخفاف أمريكا بمصالح روسيا، فأيديولوجية المحافظين الجدد تتطلب احتفاظ أمريكا بمركز القطب الأوحد لأنه ضرورى لقيام أمريكا بدورها التاريخى.

وهذا الفكر يمثله بوضوح كامل بول وولفوفتز الذى كان نائب وزير الدفاع ثم مدير التخطيط السياسى ثم نائب وزير الخارجية ثم رئيس البنك الدولى خلال رئاسة جورج بوش وقد صرح سنة 1992 بالآتى عن سيادة أمريكا للعالم:

هدفنا الأول هو منع ظهور منافس آخر لأمريكا سواء فى أرض الاتحاد السوفيتى السابق أو أى مكان آخر، فذلك يمثل تهديداً لنا، وهذه الأولوية لنا هى لب استراتيجيتنا الدفاعية وعلينا منع أى قوة معادية من السيطرة على منطقة بها موارد تمكنها من قيام دولة عظمى، وواضح أن معنى القوة المعادية لدى وولفوفيتز هو قوة لديها سياسة خارجية مستقلة مثل روسيا والصين وإيران، ومثل ما كان القذافى وصدام حسين سابقاً، وهذا التصريح الجرىء كان بمثابة إعلان جديد لسياسة أمريكا الخارجية بأنها إعلان لإمبريالية أمريكية وقد تم تسجيل هذا الإعلان بعد تخفيف لغته الظاهرية دون تحقيق محتواه، وكان هذا الإعلان هو سند كلينتون فى الهجوم على يوغوسلافيا والصرب، وفى غزو جورج بوش للعراق، وفى الإطاحة بنظام القذافى وقتله، وفى مهاجمة سوريا والحملة الدعائية ضد إيران، وفى مهاجمة باكستان واليمن بالطائرات دون طيار، وفى الثورات الملونة بدول الاتحاد السوفيتى السابق، ومحاولة الثورة الخضراء فى إيران، وانقلاب أوكرانيا وتشويه صورة بوتين، ويشك عدد من مفكرى أمريكا بأن المحافظين الجدد وراء أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 لتكون مبرراً للهجوم على أفغانستان وما تلاه من عدوان، وكانت المحافظة الجديدة فكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية هى التى دبرت انقلاب أوكرانيا واختارت حكومتها الجديدة.

إن المحافظين الجدد منظمون جيداً ولديهم موارد ضخمة ويساندهم الإعلام والعسكريون وأجهزة الأمن واللوبى الصهيونى، وليس هناك من يقف فى وجه سيطرتهم على سياسة أمريكا الخارجية، وتتعدى فلسفتهم حدود ما رسمه برزينسكى من سياسة لاحتواء روسيا ولم يكن هدفه السيطرة على العالم وقتها.

وبينما كان المحافظون الجدد غارقين فى حروبهم فى الشرق الأوسط وخلق قيادة عسكرية لأفريقيا وتنظيم الثورات الملونة ومحاصرة روسيا والصين بالقواعد العسكرية كان بوتين يقود روسيا للعودة إلى قوتها الاقتصادية والعسكرية ونجح تماماً فى ذلك، وعندما نجحت روسيا فى إيقاف مشروع أمريكا فى غزو سوريا وقصف إيران أدرك المحافظون الجدد أنهم فشلوا فى هدفهم الأول ولم يستطيعوا صنع ظهور منافس جديد، فبدأ الهجوم على روسيا وأنفقت أمريكا خمسة مليارات دولار على مدى عقد لتمويل جمعيات أهلية فى أوكرانيا واستقطاب ساسة أوكرانيين وحركوا المظاهرات من النازيين لجأت للعنف، وأسقطوا حكومتها المنتخبة ديمقراطياً، وهناك رسالة مسجلة بالقيام فكتوريا نولاند مع سفير أمريكا فى كييف لتعيين حكومة الانقلاب، وقد وصلتنى معلومات من أرمينيا وقرغيزيا بأن أمريكا تجند ساسة فى هذه الدول لتحريك ثورات ملونة بها وربما تقوم بشىء مماثل ضد الصين فى مقاطعة إيغورستان الصينية، ومن الخطأ الشائع تسمية ما يحدث بأوكرانيا بأنه حرب أهلية، فالجمهوريتان فى شرق أوكرانيا اللتان خرجتا على حكومة كييف تطالبان بالاستقلال لاختلافهما العرقى عن شعب غرب أوكرانيا.

وكانت أمريكا ستسعد لو نجح انقلاب كييف فى إخلاء القاعدة البحرية الروسية فى البحر الأسود، ولم ينجح مسعاها فى ذلك، وتقوم حالياً بتشويه صورة بوتين إعلامياً وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بتعاون من دول الناتو، ولا تريد أمريكا حل المشكلة الأوكرانية دبلوماسياً، فلن يتم ذلك إلا إذا استقلت السياسة الخارجية لدول أوروبا عن النفوذ الأمريكى.

إن أيديولوجية السيطرة الأمريكية خطير على كل الدول لإخضاعها لسيطرة أمريكا، وأى حكومة تحاول اتباع سياسة خارجية مستقلة تتعرض لزعزعة استقرارها، وقد أسقطت إدارة أوباما حكومة هندوراس وتحاول حالياً إسقاط حكومات فنزويلا وبوليفيا وإكوادور والأرجنتين.

إن نتائج مؤتمر يالتا كانت تنافساً بين القوى الكبرى، ولكن سياسة المحافظين الجدد تعنى وجود قوة عظمى وحيدة لا تسمح بقيام منافس، ولذلك فما لم تقم فى أمريكا سياسة خارجية جديدة تقصى المحافظين الجدد فإن المستقبل ملىء بالصدام سيكون من الخطأ اعتبار سياسة المحافظين الجدد غير واقعية، فهى فعلاً سياسة غير واقعية ولكنها قد تقود العالم لحرب عالمية.

وفى مواجهتهما الهيمنة الأمريكية فإن روسيا والصين فى مركز حرج، فنجاح الدعاية الأمريكية خلال سنوات الحرب الباردة وفرق مستوى المعيشة بين دول الشرق ودول الغرب، والسياسة القمعية السابقة فى الدول الشيوعية، وسقوط الاتحاد السوفيتى، كل ذلك خلق فى أذهان الكثيرين أن هناك فضائل لا وجود لها فى الواقع فى النظام الأمريكى، حيث إن الإنجليزية هى اللغة الدولية والإعلام الغربى يتبع أمريكا فإنها تستطيع السيطرة على الحقيقة وتفسيرها كما تريد، وقدرة أمريكا على العدوان مع اتهام الغير بأنهم الطرف المعتدى تشجع أمريكا على مزيد من العدوان، وغداً أشرح لكم ما إذا كانت هناك قيود اقتصادية على فلسفة اليمين الجديد.

وإلى هنا تنتهى المحاضرة الأولى للدكتور روبرتس، ونعرض المحاضرة الثانية وتعليقنا على المحاضرتين فى المقال التالى.

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد