عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الثقافة هى الثروة والقوة الحقيقية, فقد كان أعداؤنا يدركون أن قوة أمتنا تكمن فى علمها وثقافتها وفنونها ومواهب أبنائها الأصيلة, وكان العالم كله يحترم ثقافتنا العربية, تلك الثقافة التى جمعت أصولا متعددة, اشتركت مجتمعة فى عشقها للأوطان, عاشت على أرض واحدة, تحت راية دين واحد, ولغة واحدة, وفى هذا السياق أود أن أتقدم بوافر الشكر والامتنان لسيادة الدكتور محيى الدين سليم «أستاد القانون المدنى», لإهدائه إياى وثيقة تاريخية تعود إلى 1028م/419 ه, وهى خطاب خطه «جورج الثانى» ملك انجلترا والغال والسويد والنرويج بغية إرساله إلى خليفة المسلمين فى الأندلس آنذاك «هشام الثالث» يقول له فيه ما نصه (فقد سمعنا عن الرقى العظيم الذى تتمتع بفيضه الصافى معاهد العلم والصناعات فى بلادكم العامرة, فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج هذه الفضائل, لتكون بداية حسنة فى اقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم فى بلادنا التى يسودها الجهل من أربعة أركان, ولقد وضعنا ابنة شقيقنا الأميرة «دوبانت» على رأس بعثة من بنات أشراف الإنجليز, تتشرف بلثم أهداب العرش والتماس العطف, لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحماية الحاشية الكريمة, وحدب من لدن اللواتى سيتوفرن على تعليمهن, ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل, أرجو التكرم بقبولها, مع التعظيم والحب الخالص). من خادمكم المطيع جورج الثانى ملك انجلترا.

توقفت كثيرا أمام هده الوثيقة, وقد ملأنى مزيج من مشاعر الفخر والعظمة والعزة والامتنان لأصولى وجذورى العربية والإسلامية العريقة, ولكن وبكل آسف سرعان ما تبخرت وتبدلت هذه الحالة الحماسية وذلك الاحساس الرائع , لأشعر بعدها وكأننى أتنفس دخانا أسود يغلق رئتى من شدته وكثرته, عندما تبادرت الى ذهنى أول صورة مقارنة لواقعنا وما نعاصره ونعايشه الآن, وبين ما كنا عليه خلال عصرنا الذهبى مند أكثر من 1000 عام تقريبا!

فحقا أننا نعيش الآن حالة من الفراغ والانكسار والانحسار الثقافى. فكيف لا يحتفى بمثل هذه الوثائق فى عالمنا! ولا نجد لمثلها (وهى بعض من كل أصبح شبه منسي) أى صدى فى إعلامنا, مدارسنا, جامعاتنا, بيوتنا!!

وتذكرت وأردت أن أذكركم معى بالراحل عنا منذ أيام, المثقف الموسوعى «خليل كلفت» أحد أكبر وأبرز مثقفى اليسار المصرى, والذى نفذت كتاباته إلى العقول والقلوب, واستطاع فتح آفاق جديدة فى عالمى الأدب والسياسة تحديدا, تخطى حدود الثقافة, كانت له رؤية فى الحياة لها نكهتها المستنيرة. ولا أتعجب كيف أن رحيله لم يحدث دويا فى الأوساط الثقافة! خاصة أننا شعوب لا تعظم وتكرم ألا من توارت أجسادهم تحت الثرى , وحتى فى حياته فلم يحتف به كما كان يستحق على الإطلاق, لم تسلط عليه الأضواء كما تسلط اليوم على مدعى الثقافة والفنون وأصحاب أقلام الرصاص, ممن احترفوا فنون الإساءة والتشويه وإفساد الذوق العام, وما عدت أستغرب الأمر كثيرا فتلك التداعيات الثقافية والسلوكية والقيمية أصبحت واقعا نعيشه ويتطور منذ تطبيق عملية الانفتاح الاقتصادى بشكل عشوائى, فغلبت العشوائية على أساليب ممارستنا للحياة كلها. ولذلك لا أدرى إن كان كثير منا يعرف عن «خليل كلفت» أم أننا مجرد قلة, لذا قررت أن أخصص ما تبقى من مقالى هذا لإلقاء القليل من الضوء على بعض من حياته وإنتاجه الثقافى الغزير, كإهداء لروحه التى ستظل باقية بكل ما خلدته لنا من إبداع, وكنوع من الوفاء لهذا الصرح الثقافى الضخم, الذى ندر وجود أمثاله فى زماننا هذا. إنه «خليل كلفت» ففى الأدب هو : الكاتب والمؤلف, كاتب القصة القصيرة, والناقد الأدبى , مترجم عتيد للغتين (الإنجليزية والفرنسية) ترجم لنا إبداعات «يود قيس», وهو أيضا مكتشف الكاتب البرازيلى «ماشادو ده أسيس» والذى يعد الأب الروحى وعميد الأدب البرازيلى, وقد ترجم له الرائعتين (السرايا الخضراء ودون كازمورو), ومن أهم ترجماته أيضا: تغريب العالم, تجارة عادلة للجميع, مدرسة فرانكفورت. وكذلك هو المؤلف المعجمى البارز, فقد أنشأ العديد من المعاجم اللغوية والقواميس ومنها (معجم إلياس, تصريف الأفعال, هاراب التجارى), وهو اللغوى القدير وله العديد من الاسهامات فى عدد من قضايا اللغة المهمة كالازدواج اللغوى ما بين الفصحى والعامية, وتجديد النحو وتطويره, كما له إسهام جليل فى جمع كل معوقات نمو وتطور اللغة وأسباب تأخرها عن اللغات الحية الأخرى, ولا يفوتنا أن نذكر أنه بدأ حياته كناقد أدبى فى جريدة المساء, كتب عن شعراء كبار أمثال العراقى عبد الوهاب البياتى, والفلسطينى توفيق زيادة, وفى مجال الشعر والقصة القصيرة له العديد من الإبداعات. وأما فى السياسة: فله العديد من المؤلفات السياسية مثل (الإقطاع والرأسمالية الزراعية فى مصر – من عصر محمد على الى عهد عبدالناصر) وقد تمت ترجمت هذا الكتاب الى اللغة اليابانية, أيضا له عدة دراسات عن أسلوب الإنتاج الآسيوى, والبرجوازية البيروقراطية, والقومية العربية, ومن درر إنتاجه كتاب مهم بعنوان «الكارثة الفلسطينية» عام 1982م انتقد فيه بعض السياسات التى رآها ستقضى على ما تبقى من المقاومة. فإبداعاته السياسية لا تقل أبدا عن إبداعاته الأدبية, حيث إنها شاركت فى تشكيل وصياغة بعض اتجاهات الفكر السياسى العالمى. فـ«خليل كلفت» رواية إبداع عبقرية لا تنتهى. وللحديث بقية..

[email protected]