عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

واستكمالاً لما بدأناه فى مقالنا الأسبوع الماضى عن القضية الفلسطينية، فلم تكن مصادفة يقظة الدول العربية وظهور حركات التحرر، التى بدأت بثورة الشريف حسين عام 1915 على العثمانيين، وتزامن دلك مع ظهور فكرة الدولة الإسرائيلية، وقرار زرعها فى قلب الأمة العربية والإسلامية، فهناك صلة قوية بين بزوغ حركة القومية العربية والمخططات الاستعمارية لتقسيم المنطقة حتى يتسنى الهيمنة عليها، وكانت «سايكس بيكو» عام 1916 ترجمة لتلك المخططات، تلاها وعد «بلفور» 1917.

وقد بدأت «القضية الفلسطينية» كقضية قومية عربية، وذلك إلى عام 1967 حيث تم احتلال أجزاء من بعض الدول العربية، ولم تعد فلسطين قضية العرب الأولى كما كانت، حيث أصبح تحرير الأراضى العربية المحتلة له الأولوية على تحرير فلسطين، وزاد الأمر سوءاً بعد توقيع مصر لاتفاقية «كامب ديفيد» 1978، إذ تم تحييد الدور المصرى وأصبح وسيطاً ليس إلا، وذلك بعد أن كانت مصر تتصدر المشهد فى قيادة الأمة العربية، هذا على صعيد البعد القومى.

وأما على صعيد البعد الإسلامى للقضية، فقد كان المسلمون (ينظرون بقدسية للقدس)، تلك المدينة التى ترمز للقضية الفلسطينية، فهى مهبط الأنبياء وبها المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، فالقدس بمثابة الوقف الإسلامى وملك للمسلمين جميعاً، ولا يحق لأحد أن يتنازل عن شبر واحد منها للعدو الصهيونى، فلا يجوز التخلى عن ثوابت القضية مهما كانت معطيات الواقع سيئة، وقد كانت القمم العربية وخطابات الرؤساء والزعماء العرب تزخر دوماً بالحديث عن القضية الفلسطينية، وترفع الشعارات الكبرى عن تحرير فلسطين والخطر الصهيونى، إلا أن كل ذلك بدأ يتغير وينحصر تدريجياً، فبعد توقيع مصر لمعاهدة «كامب ديفيد»، وتزامن ذلك مع المد الإسلامى الأصولى، بظهور الثورة فى إيران وتنظيم القاعدة فى أفغانستان، راهن الفلسطينيون وقتها على الأمة الإسلامية بدلاً من المراهنة على القومية العربية التى خدلتهم، إلا أن خيبة الأمل كانت بانتظارهم، فقد استخدمت التيارات الإسلامية «المتأسلمون» القضية الفلسطينية وتاجروا بها لخدمة مشاريعهم وأجنداتهم، فخارجياً قاتل «المجاهدون» فى كل بقاع الأرض عدا فلسطين!.. وداخلياً اقتسمت حركة حماس (التى صنعتها إسرائيل لخدمة وجودها) جزءاً من الأرض وأقاموا عليها كياناً مستقلاً على حساب المشروع الوطنى الفلسطينى، وزادوا الطين بلة، فهؤلاء وإسرائيل يتلاقون فى نقطة وهى أن كلاهما «لا يريد قيام دولة فلسطينية».

ومع أنه لا يجوز أن يجتمع فصلا الربيع والخريف معاً، إلا أن ما سمى بالربيع العربى قابله خريف فلسطينى، فبحسب استطلاعات الرأى الفلسطينية أن حوالى 65% من الفلسطينيين رأوا أن تلك الثورات العربية أثرت بالسلب على الاهتمام بالقضية الفلسطينية، فالدول التى قامت بها تلك الهبات أصبحت «أنظمة وشعوباً» مشغولة بقضاياها الداخلية أكثر من اهتمامها بالقضية الفلسطينية، فمعظمها قد أصبح غير آمن أمنياً واقتصادياً.

وهنا وجب علينا أن نرفع القبعة نحن العرب للغرب وللكيان الصهيونى، فلقد أدى ظهور المجاهدين والتنظيمات الإسلامية لملء الفراغ الذى تركته القومية العربية بعد فشلها فى حل القضية الفلسطينية، وكذلك فشلها فى تحقيق أى شىء للعرب على جميع المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية، فهكذا مهدنا نحن الطريق لأعدائنا للتخطيط المحكم ضدنا وخديعتنا وخديعة شعوبنا، فقد كان فشل المشروع القومى سبب أساسى فى استبدال هذا المشروع، باتخاذ السعى فى تنفيذ بعض تعاليم الدين المغلوطة هدفاً تحت مسمى «الدولة الإسلامية» وانخدع البعض من شعوب هذه الأمة، فكان: اجتماع التخطيط، وامتلاك أدوات التنفيذ، وأيضاً غياب الرؤية وتغليب المصالح الشخصية على صالح الأمة كلها أسباب أدت إلى ظهور الكيانات الإسلامية فى صدارة المشهد فى الربيع العربى الذى كان من صنع الشعوب العربية المنكوبة.

وبعيداً عن استخدام العبارات والجمل الرنانة والمستهلكة، التى ملت من سماعها أذاننا، وحفظنها من كثرة ما رددتها الألسن، فإننا لن نوجه حديثنا فى تلك اللحظة إلى الأنظمة والقوى السياسية العربية، مطالبين إيها باستعادة الروح القومية المفقودة ودعم القضية الفلسطينية دعماً حقيقياً وما إلى ذلك، لكننا نتوجه بهذا النداء إلى «القوى السياسية الفلسطينية» الفلسطينيون أنفسهم، خاصة بعد اعتداءات القدس الأخيرة، والتصريحات الدنيئة والبذيئة لرئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو» كما وصفها «محمود عباس» التى ادعى فيها الأول أمام الكونجرس الصهيونى «أن مفتى القدس فى الأربعينيات الشيخ أمين الحسينى هو من أفتى للنازيين بارتكاب محرقة «الهولوكوست» ضد اليهود وأنهم لم يكونوا ينوون إبادة اليهود بل إبعادهم فقط»!.. فبات من الواجب الوطنى الآن أن تقوم القوى السياسية الفلسطينية أولاً: بتغيير أفكارها الاستراتيجية التى ستغير بالتالى من سياساتها.. ثانياً: تكف عن إلقاء المسئولية عما حدث ويحدث على العدو الصهيونى وتخاذل العرب والمسلمين وإلقاء كل طرف فلسطينى بالمسئولية على الطرف الآخر، وأيضاً المراهنة على أمريكا والغرب وجماعات الإسلام السياسى.. ثالثاً: أن تنطلق من منطلق الوطنية فالقومية أو الإسلامية لابد أن ترتكز على معنى الوطنية بالأساس (المصلحة الوطنية)، التى لها الأولوية على أى انتماءات أو اتجاهات أخرى.

أتوجه بحديثى للأهل فى فلسطين، وليس معنى ذلك أننى سأمل يوماً من مطالبة المجتمع العربى حكاماً وأنظمة وشعوباً بدعم «فلسطين» قضية العرب، ولكننى أقرأ الأحداث بواقعية شديدة بعيدة عن الشعارات والكلمات التى تراق، فالأمانة تحتم علي أن أفعل ذلك وأتوجه إلى أهلى من الفلسطينيين وأذكرهم بما خطه ابنهم ابن فلسطين الشاعر محمود درويش عندما تساءل: «ما هو الوطن؟.. ليس سؤالاً تجيب عليه وتمضي.. إنه حياتك وقضيتك معاً».