رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

منذ ظهر الذئب العجوز اليهودى الصهيونى حتى النخاع «هنرى كيسنجر» على مسرح السياسة الأمريكية كمستشار سياسى للرئيس الأسبق نيكسون ثم كوزير لخارجية أمريكا وعداؤه الصريح أو المستتر لكل ما هو عربى لا يستطيع إخفاءه، وتتسم كل تصريحاته وتحليلاته السياسية بعد أن ترك السلطة بهذا العداء للعرب ومحاولة دس السم فى العسل عندما يلبس مسوح الرهبان ويلعب دور المحلل السياسى المحايد.

وقد خرج «كيسنجر» على العالم مؤخراً بأحد تحليلاته المسمومة فى صوة مقال بجريدة «وول ستريت جورنال» فى 16 أكتوبر تحت عنوان «مخرج من الانهيار فى الشرق الأوسط»، وسننقل مقال كيسنجر بأمانة كاملة فى هذا المقال والذى يليه قبل أن نتعرض له بكشف جوانب العداء والتضليل والسم فى العسل فيه.

يقول «كيسنجر»: بدخول روسيا فى سوريا فإن صرحاً جيوسياسياً دام أربعة عقود قد تحطم، وتحتاج أمريكا لاستراتيجية وأولويات جديدة.

فالمناقشة فيما إذا كان المخطط الشامل للتعامل مع إيران بشأن برنامجها النووى قد ساهم فى استقرار الإطار الاستراتيجى للشرق الأوسط قد بدأ إذا بالإطار الجيوسياسى للشرق الأوسط ينهار، فالعمل العسكرى الروسى فى سوريا هو آخر مظاهر انهيار الدور الأمريكى فى استقرار المنطقة الذى ظهر بعد الحرب العربية الإسرائيلية فى سنة 1973، ففى أعقاب هذه الحرب تخلت مصر عن روابطها العسكرية بالاتحاد السوفيتى ودخلت فى مفاوضات تدعمها أمريكا نتج عنها عقد الصلح بين مصر وإسرائيل، وبين إسرائيل والأردن، وأشرفت الأمم المتحدة على فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل وظل الوضع كذلك لأربعة عقود، واحترمته حتى أطراف الحرب الأهلية فى سوريا، وساند العالم سيادة لبنان على أرضها وبعد ذلك جاءت حرب صدام حسين لضم الكويت للعراق التى هزم فيها من تحالف دولى تتزعمه أمريكا، وخاضت القوات الأمريكية الحرب ضد الإرهاب فى العراق، وأفغانستان، وكانت مصر والسعودية والأردن وإمارات الخليج حلفاء لنا فى كل هذه الجهود، واختفى الوجود العسكرى الروسى من المنطقة.

وهذه الصيغة الجيوسياسية قد انهارت الآن، فقد تحولت أربع دول بالمنطقة إلى دول فاشلة وهى ليبيا واليمن، وأصبحت سوريا والعراق هدفاً لجماعات إرهابية تحاول فرض حكمها عليهما، فقد قامت جماعات عقائدية إرهابية باحتلال أجزاء كبيرة من أرضهما أعلنت قيام دولة إسلامية عليهما باسم «داعش» معادية للنظام الدولى القائم، وتحاول تحويل الدول المستقلة إلى خلافة إسلامية تحكمها الشريعة.

وقد أحيا زعم داعش عن الخلافة الصراع الذى مضى عليه ألف عام بين السنة والشيعة وتشعر باقى الدول السنية بالتهديد من تطرف داعش وتطرف إيران الشيعية أقوى دولة فى المنطقة، وتزيد إيران تهديداتها بتقديم نفسها فى صورة مزدوجة، فهى من ناحية تقوم بدور الدولة القومية التى تمارس علاقات دبلوماسية عادية وتتمسك بضمانات النظام الدولى، وفى نفس الوقت تنظم وتقود جماعات تحاول بها فرض سيطرتها الإقليمية المبنية على مبادئ الجهاد مثل حزب الله فى لبنان وسوريا وحماس فى غزة والحوثيين فى اليمن.

وبذلك فإن الشرق الأوسط السنى يخشى حصار أربع جهات: إيران الشيعية وتاريخها الاستعمارى الفارسى، والحركات الدينية المتطرفة عقائدياً والحركات التى تحاول إسقاط النظم القائمة، والنزاعات داخل كل دولة بين المجموعات العرقية المختلفة التى تم تجميعها اعتسافاً بعد الحرب العالمية الأولى فى دول تتعرض الآن للسقوط، والضغط الداخلى فى كل دولة نتيجة السياسات القمعية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، ويعطينا مصير سوريا المثل الواضح لذلك، فما بدأ كثورة سنية ضد دكتاتورية علوية شيعية مزقت الدولة إلى وحداتها الدينية والعرقية مع ظهور ميليشيات تؤيد كل طرف، وقوى خارجية تحافظ على مصالحها الاستراتيجية، فإيران تؤيد حكم الأسد، كذراع للسيطرة التاريخية الإيرانية التى امتدت من طهران حتى البحر المتوسط، وتصر دول الخليج على إسقاط نظام الأسد لإجهاض مخططات إيران الشيعية التى يخشونها أكثر من خشيتهم من داعش فهم يريدون هزيمة داعش دون نصر لإيران، وقد عمقت الصفقة بين أمريكا وإيران هذه المخاوف، وتترجم الدول السنية هذه الصفقة على أنها موافقة أمريكية ضمنية على سيطرة إيران على المنطقة وهذه الاتجاهات المتعارضة التى يزيدها تعارضاً انسحاب أمريكا التدريجى من الشرق الأوسط مكنت روسيا من الدخول العميق عسكرياً فى المنطقة وهو دخول غير مسبوق لروسيا تاريخياً، فاهتمام روسيا الأساسى هو تجنب انهيار نظام الأسد بما يؤدى إلى فوضى مثل ليبيا تمكن داعش من الحكم فى دمشق وتحويل كل سوريا إلى جنة الإرهاب تمتد إلى المناطق المسلمة فى جنوب روسيا والقوقاز وغيرها.

على السطح يبدو التدخل الروسى مفيداً لإيران لتحتفظ بقواها الشيعية فى سوريا، ولكن عند التعمق فإن هدف روسيا ليس بقاء الأسد للأبد فى سوريا، فهى حالة كلاسيكية لصراع السلطة ووسيلة لتحويل الإرهاب السنى بعيداً عن جنوب روسيا فهى عملية جيوسياسية وليست عقائدية، ومهما كانت دوافع روسيا فإن وجود القوات الروسية فى المنطقة واشتراكها فى القتال يمثل تحدياً للنفوذ الأمريكى لم تواجهه أمريكا خلال أربعة عقود، حاولت أمريكا إرضاء كل الأطراف ولكنها بذلك تقف على عتبة العجز عن تشكيل الأحداث، فأمريكا الآن تعارض وتختلف مع كل القوى بالمنطقة، الخلاف مع مصر على حقوق الإنسان، ومع السعودية بسبب اليمن وتختلف مع طرفى النزاع فى سوريا، فهى تعلق الإصرار على إسقاط الأسد ومع ذلك فهى ترفض اقتراح وسيلة فعالة سياسية أو عسكرية لتحقيق هذا الهدف أو اقتراح نظام بديل للأسد لو سقط، وقد دخلت روسيا وإيران وداعش ومنظمات إرهابية أخرى لملء الفراغ، روسيا وإيران لحماية الأسد، وتريد إيران تنفيذ سياسات جهادية وإمبريالية، أما دول الخليج السنية والأردن ومصر فلعدم وجود بديل لديها فهى تفضل الأهداف الأمريكية ومع ذلك تخشى تحول سوريا إلى ليبيا أخرى.

لقد دخلت سياسة أمريكا نحو إيران قلب الشرق الأوسط السياسى، فقد أصرت حكومتنا على الوقوف فى وجه الجهاديين وأطماع إيران الإمبريالية وستواجه بقوة أى إخلال إيرانى بالاتفاق النووى، ومع ذلك تبدو أمريكا ملتزمة بإيقاف التمدد الإيرانى عن طريق المفاوضات فقط.

إن سياسة أمريكا الحالية تجاه إيران تقارن أحياناً بانفتاح نيكسون على الصين، التى ساهمت فى إسقاط الاتحاد السوفيتى، وإنهاء الحرب الباردة، ولكن هذه المقارنة غير دقيقة، فانفتاح أمريكا على الصين سنة 1971 كان مبنياً على إدراك الجانبين أن مواجهة سيطرة روسيا على أوراسيا أى أوروبا وآسيا كانت فى صالح كل من أمريكا والصين، وكان حشد 42 فرقة عسكرية روسية على حدود روسيا والصين مؤيد لهذه المخاوف، ولذا فلا وجه لمقارنة اتفاق أمريكا مع إيران مؤخراً باتفاقها مع الصين، وقد وصف مرشد إيران على خامنئى الاتفاق الأخير بأن أمريكا مازالت الشيطان الأكبر، وأضاف أن إسرائيل ستختفى كدولة خلال 25 سنة.

وفضلاً عن ذلك فقد كانت التوقعات منذ 45 سنة أن اتفاق أمريكا والصين كان بين دولتين متكافئتين، ولا يوجد هذا التكافؤ بين أمريكا وإيران، فإيران يعطيها الاتفاق أهم ما ترجو وأمريكا تكسب منه التزام إيران بعدم إنتاج سلاح نووى وتخاطر السياسة الأمريكية بإذكاء شكوك دول المنطقة السنية بدلاً من تهدئتها، فالتحدى هو أن هناك كتلتين متزمتتين سنية وشيعية تواجهان بعضهما، سنية تضم مصر والأردن والسعودية وإمارات الخليج وشيعية تضم إيران والقسم الشيعى من العراق وعاصمة بغداد وجنوب لبنان الشيعى تحت سيطرة حزب الله والجزء الحوثى من اليمن الذى يكمل تطويق الكتلة السنية، وفى هذه الحالة فإن الحكمة التقليدية أن عدو عدوى صديقى لا تنطبق، ففى هذه الحالة عدو عدوى مازال عدوى، فهذا هو الشرق الأوسط.

ونقف عند هذه الفقرة لنعرض باقى المقال وتعليقنا عليه فى المقال التالي

 

الرئيس الشرفى لحزب الوفد