عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

«إنها محجوزة لأولئك الذين يقفون على الحياد فى أوقات الأزمات»، هكذا توعد «دانتى» المتخاذلين عن مساندة الحقوق فى ملحمته «الكوميديا الإلهية، والمقصود هو أشد الأماكن حرارة فى جهنم.

القضية الفلسطينية! وما أدرانا الآن بالقضية الفلسطيينة! أتساءل وأنا أتعجب، تملؤنى مشاعر ألم وحسرة مع قلة قليلة كانت بالأمس البعيد كثرة !؟ أين القدس الآن من وجداننا نحن العرب والمسلمين؟ أين هى من أحلامنا؟ أو حتى فى خطابات رؤسائنا وحكامنا؟ لقد انجرفت إلى قاع الأولويات، بعد أن كانت «القضية الفلسطينية» هى قضيتنا المركزية، والآن أصبح أقل ما توصف به بأنها باتت قضية ثانوية هامشية، خاصة بعد أن روضت ثورات الربيع العربى الحكام مؤخراً، على المضى بجوار الحائط، إما عملاً بمبدأ من تدخل فيما لا يعنيه سيلقى مالا يرضيه، أو بسبب أن الجميع  أصبح ملهياً حتى النخاع وغارقاً فى متابعة شئونه الداخلية بأزماتها الطاحنة، هذا كله من جانب، فضلاً عما نالته القضية الفلسطينية على أيدى العديد من الفلسطينيين، من تشويه متعمد شوه وجه الحقيقة وأضعف مكانة القضية على المستويين الداخلى والخارجى.

إنّ تصاعد وتيرة الأحداث الملتهبة على الأراضى الفلسطينية المحتلة فى الآونة الأخيرة، وهذا التعدى الإسرائيلى المتعمد على المقدسات الإسلامية فى القدس المحتلة، لا نجد له أى مردود فى العالم العربى والإسلامى، ولا تجد الانتفاضة الفلسطينية للدفاع عن الأقصى أى صدى لدى الحكومات العربية، بل على العكس أصبحت تقابل بالمزيد من اللامبالاة والفتور الشديد، وقد انخفضت للغاية درجة الاهتمام بها والحماس لها  لدى الشعوب العربية، ولعلّ شعوبنا لديها من الأسباب والأعذار الكثير والكثير، ففيها ما يكفيها ويفيض، ولعلّ حكامنا وحكوماتنا أيضا تناطح لبقاء دولها على خرائط العالم.

وفى ظل كل ذلك تعيش إسرائيل اليوم أسعد أيامها، فها هى تعيث فى فلسطين ومقدساتها فساداً، لا تجد من يشجب ويدين ويطالبها حتى يكبح جماحها تجاه شعب أعزل لم يجد غير أجساده للدفاع عن مقدسات أمة خذلته، ولم تعد إسرائيل فى حاجة لمعاونة الراعى الأمريكى فى مواجهة العرب ، فها هى ولأول مرة تجد نفسها بدون حاجة للمساعدة فى مواجهة العرب على المستوى السياسى، فهم لم ينالوا حتى شرف الاجتماع للتنديد بما يفعله أبناء صهيون.

وها هى دول الطوق العربى تناطح للبقاء، فسوريا تضربها الحرب الأهلية والدولة المركزية لا تسيطر إلا على أقل من الربع، ولبنان تسيطر عليه أجواء الخصومة السياسية ويعيش بدون رئيس،  والأردن لاحول ولا قوة له، وتربطه مع إسرائيل معاهدة سلام،  وأما مصر فتحارب الإرهاب، تعانى  أزمات اقتصادية،  وتكافح من أجل بناء مؤسستها.

ولكن السؤال الذى يطرح نفسه، هل يبرر كل ذلك كم الإهمال والتراجع المؤلم للقضية الفلسطينية فى الضمير العربى؟! وما هو مبرر الإعلام فى  إغفال إظهار الحقائق وتسليط الضوء عما يدور بفلسطين! أم أنه قد اختزل (بكسر الألف) أو اختزل (بضم الألف) دوره فى برامج الطبخ ومسابقات الغناء وتوك شو الردح و..... إلخ، وحتى أنّ الكثير من الأقلام والأفواه قامت بشيطنة «القضية الفلسطينية» ليس لشيء إلا لإثبات وجهة نظرهم الشخصية من القضية ومعاهدة السلام. فحقا إن ما تمر به القضية الفلسطينية فى هذه المرحلة الملتبسة من عمرها أفقدها الكثير من قوتها بكل أسف.  

ولكن قبل أن نلوم هؤلاء أو أولئك، يجب أن يلوم الفلسطينيون أنفسهم حيث إن القضية الفلسطينية قد تحولت على أيديهم إلى تجارة لأهوائهم ومعتقداتهم، فحماس وبفضل مساندتها للإخوان المسلمين وتدخلها فى إرادة الشعب المصرى، أفقدت القضية الفلسطينية إحدي أهم دعائم صمودها وهو التعاطف الشعبى فى مصر. ولا نستثنى السلطة الفلسطينية أيضا  مما آلت إليه القضية، وكأنهم ما كانوا ليناضلوا إلا لحرس الشرف والموسيقى العسكرية، ولكن ما قامت به السلطة مؤخرا ونيلها اعتراف الأمم المتحدة كدولة مراقب (رغم أنه قد تم لأسباب دولية أخرى لسنا بصدد مناقشتها الآن) إلا أنه قد بعث الحياة فى القضية الفلسطينية من جديد.

وبعيداً عما تمثله القضية الفلسطينية من منظورها الدينى ومكانتها فى قلوب الشعوب العربية مسلميها ومسيحييها، من حيث إنها أرض الرسالات السماوية اليهودية والمسيحية، ومهد الأنبياء، وقبلة المسلمين الأولى. فلها أيضا من منظور الأمن القومى المصرى أهمية  خاصة جدا عرفها الفراعنة قديما ونقشوها على جدران معابدهم، فدائما ما كان الفراعنة يخرجون إلى فلسطين لتأمين الدولة المصرية  قبل أن تطأ أقدام أعدائهم أراضيهم،  ومروراً بالدولة الأيوبية وحطين، وأيضا المملوكية وعين جالوت، حتى مع الحملة الفرنسية لم يأمنوا باحتلاهم مصر إلا بتأمين الشام، وانتهاء بالدولة المصرية الحديثة بقيادة محمد على. فهكذا تخبرنا الجغرافيا قبل التاريخ، أن فلسطين ليست ملكا للفلسطينيين وحدهم، بل هى أرض العرب جميعاً.  

والآن فإن العرب أمام مرحلة من أخطر المراحل، وليس أمامهم إلا ترتيب أولويتهم، والكف عن المنازعات الشخصية، والعمل على إنهاء إثارة التوترات الداخلية، وفتح صفحة جادة من الدبلوماسية السياسية لتحديد وتحجيم خلافاتهم مع جيرانهم الإقليميين (تركيا وإيران)، حتى يتثنى لهم مواجهة مهددات الأمن القومى العربى.

وما هو الوطن؟ هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض. ليس الوطن أرضاً. ولكنه الأرض والحق معاً، الحق معك، والأرض معهم. قالها لنا الشاعر الفلسطينى«محمود درويش».

وأخيراً فعندما نخطط لمستقبلنا يجب أن نرى الواقع بوضوح بكل ما يحمله من مرارات، ودعونا نحلم حتى يكون لواقعنا معنى وطعماً مختلفاً ففى حياتنا قضايا من فرط عدالتها وجب علينا مساندتها.