عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سيبادلونك بالقول لا عليك! فقط انظر إلى نصف الكوب الممتلئ, إنها نظرية لا تصلح أبداً لعلاج مأساة البكاء على اللبن المسكوب, فهى هروب من النظر للنصف الآخر الفارغ من الكوب.

وبين السياسة والاقتصاد تتشابك المصالح, فمن قبل نشأة النظريات السياسية والمصالح الاقتصادية هى التى تتحكم فى التوجهات السياسية للدول, وكما أن الحاجة أم الاختراع, كذلك النظريات السياسية أيضا اختراع الاقتصاد, وذلك لفرض سيطرته وتحقيق مكاسبه, ولعل ما تشهده مصر اليوم ما هو إلا تجسيد عملى للتزاوج بين الاقتصاد والسياسة, والمراد هنا ليس فقط للإشارة إلى دور المال السياسى فى العملية الانتخابية, ولكن أيضاً ما يمر به الاقتصاد المصرى مؤخراً, وخصوصاً فيما يتعلق بأزمة الدولار.

فكلاهما «السياسة والاقتصاد» يشكل الخريطة العامة للدولة, ولكن يأتى الاقتصاد ليشكل الجزء الأكبر والطاغى على واضعى الخريطة العامة, فالأزمة الاقتصادية التى تواجهها البلاد من نقص السيولة الدولارية ستؤثر بكل تأكيد فى ملامح البرلمان القادم, ولأن الدولار سلعة كأى سلعة يحكمها سوق العرض والطلب, فكلما زاد العرض منه قل الطلب عليه, والعكس صحيح, ولأن توفير احتياجات البلاد من الدولار من منافذه الشرعية يأتى عبر أربع طرق:

أولها: وهو التصدير الذى انخفض بمقدار 27%, فقلت واردات مصر من الدولار, وكان ذلك بسبب عجز المصانع عن توفير مستلزمات الإنتاج, والذى يعود فى جزء كبير منه لسياسة الحد الأقصى التى اتبعها البنك المركزى على الإيداع والسحب, وهو ما أدى أيضاً لعزوف الشركات الأجنبية على الاستثمار فى مصر, خشية من القيود المعمول بها فى تحويل أرباحها للخارج, وإن كانت مبررات البنك المركزى فى ذلك هى توحيد سعر الصرف والتأكيد على أنه لا يوجد سوى سوق واحد للدولار, خاصة أن مؤتمر شرم الشيخ كان قد لاحت بوادره على الانعقاد لجذب الاستثمارات الأجنبية لمصر. وثانياً: تأتى السياحة كمصدر لجنى الدولار, ولكن ما شهده السوق السياحى من تدنى مؤشراته عام 2014 والتى لم تتجاوز الـ 6 مليارات دولار مقارنة بعام 2010 والتى تخطت الـ12 مليار دولار, ويرجع السبب لهذه الفجوة الهائلة «برغم الاستتباب الأمنى» إلى فقد الحكومة لرؤية جديدة لجذب السوق السياحى مرة أخرى. ثالثاً: تحويلات المصريين فى الخارج وقد تأثرت بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية وأيضاً انخفاض أسعار البترول. ورابعاً: العائدات من الرسوم على السفن العابرة لقناة السويس, وتعتبر ثابتة, لكنها مرتبطة بحركة التجارة والأزمة الاقتصادية العالمية.

وإن كانت هذه هى أهم أسباب عدم زيادة الاحتياطى من الدولار, فإن أهم أسباب انخفاض الاحتياطى من الدولار لدى البنك المركزى يرجع إلى القيام بتوفير النقد الأجنبى لتلبية الاحتياجات الأساسية المستوردة, وهنا لابد من وقفة مهمة لأن من مؤشرات القوة الاقتصادية للدول هو رصيدها من العملة الصعب, وذلك لتوفير الاحتياجات الضرورية من السلع الأساسية, وأيضاً سداد الدولة لالتزاماتها الدولية.

وهنا يجب ألا نغفل تضارب الرؤى ما بين الحكومة متمثلة فى المجموعة الاقتصادية وما بين محافظ البنك المركزى الذى طالب الحكومة أكثر من مرة بوضع تشريعات تحد من نزيف الدولار لدى البنك المركزى, بترشيد الاستيراد للحفاظ على الاحتياطى لديه, خاصة أن الأرقام تشير إلى ارتفاع فاتورة الاستيراد للسلع غير الضرورية, ففى عام 2014 استوردت مصر بـ 3.2 مليار دولار سيارات, و 400 مليون دولار تفاح فى 9 أشهر, وبـ 725 مليون دولار ملابس جاهزة, وبـ 825 مليون دولار لؤلؤ وأحجار كريمة, وبـ 152 مليون دولار أطعمة للقطط والكلاب!!! ولكن يبدو أن حكومة المهندس إبراهيم محلب السابقة لم تر ذلك إلا فى قرار السيد منير فخرى عن التوقف عن استيراد «فانوس رمضان»!

ونأتى للأسوأ من ذلك متمثلا فى ارتفاع سعر الصرف للدولار بتخفيض قيمة الجنية أمام الدولار, وذلك لأكثر من مرة خلال فترة قصيرة جداً, وكان الغرض منه هو حث الناس على بيع وتحويل مدخراتهم من الدولار, وأيضاً تصريحات المسئولين «غير المسئولة» عن الشح من المعروض من الدولار واتجاه الحكومة إلى الاستدانة من البنك الدولى والبنك الأفريقى والعمل على بيع أراضى للمصريين بالخارج وغيرها لتوفير الالتزامات من الدولار, وكلها أدت من جعل الدولار (مخزن للقيمة) حيث قام المضاربون بدولرة الدولار, عن طريق تحويل مدخراتهم إلى الدولار للاستفادة بأكبر قدر منه, ليقينهم بأن زيادة سعره لن تتوقف نظراً للسياسات المضطربة تجاهه.

ومن الاقتصاد إلى تأثيره على السياسة, وهو ما ظهر جليا على العملية الانتخاببة بكل أسف من تدنى المشاركة فى اليوم الأول لحوالى 3% بحسب تصريحات اللجنة العليا للانتخابات, على الرغم من أنك ستصادم بمن يرجع هذا العزوف إلى العديد من الأسباب الأخرى, ولهم مطلق الحرية, ولكن ليس للقيادة السياسية هذه الحرية لبحث أسباب هذا العزوف, ومدى تأثير المنظومة الاقتصادية على العملية السياسية. وعن تأثير المال السياسى على العملية الانتخابية فسننتظر ما ستسفر عنه الانتخابات البرلمانية فى نهائيتها, مع أنه من الصورة الحالية للمشهد يتأكد لنا أن المال له كبير الأثر, فها هو أحدث الأحزاب يدخل مع أقدمها فى جولة الإعادة.