رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

وقفنا في المقال السابق عند قيام الإخوان في يناير سنة 2015 بإنشاء مكتب اداري للمصريين في الخارج من ثلاثة أعضاء من تركيا، واثنان من قطر وواحد من ماليزيا وواحد من السودان، وأعلنوا أن رئيس المكتب هو أحمد عبدالرحمن رئيس حزب والحرية العدالة بالفيوم وأن المتحدث الرسمي الوحيد باسم الجماعة هو محمد منتصر.

وبقي الكثير من الاسئلة دون إجابة، فما هو دور أعضاء مكتب الارشاد السابق في الجماعة؟ هل بقى محمود حسين سكرتيراً عاماً؟ وماذا كان دور المكتب الجديد تحديداً؟ واجه الاخوان مشاكل مماثلة خلال الأزمات التاريخية السابقة، كانوا يعتبرون الأعضاء المقيمين بالخارج تنظيماً دولياً للاخوان ويديره حالياً سكرتيره العام ابراهيم منير من لندن فما هو دوره الآن بعد انشاء المكتب الجديد؟ كانت هذه بذور الخلاف داخل الجماعة.

وبقدر أهمية ترتيب البيت من الداخل للجماعة لم تستطع إغفال التطورات داخل مصر والضغط المتصاعد من شبابها لوضع استراتيجية واضحة لهزيمة نظام الحكم في مصر، وجد أعضاء الجماعة أن قياداتهم قد ساقتهم في نفق مظلم، وزاد قمع السلطات لهم لتوجههم نحو العنف ولكن المشكلة كانت أعمق، فالصداقات التي كونها شبابهم مع الجماعات الاسلامية الاخرى بدأت تعطي ثمارها، وحاولوا تصوير الأمر كصراع بين الاسلام ونظام الحكم، فتحالفوا مع السلفيين وأنصتوا لبعض قادتهم مثل محمد عبد المقصود الذي كانت بعض قنوات الاخوان تذيع احاديثه، وكان الاضطراب الثوري الذي شهدته مصر في السنوات الأخيرة سببا في رفع الحواجز بين الجماعات المتطرفة التي كانت تمارس كلها العنف، وأصبحت مهاجمة أقسام الشرطة واستعمال قنابل المولوتوف روتينا يوميا لمظاهرات الاحتجاج، وبينما كان الاخوان في الماضي يرفضون العنف ضد الشرطة أصبح العنف ضد السلطات أسلوبا كما حدث في اشتباكات الاتحادية خلال حكم مرسي، ثم جاء سقوط مرسي وإخلاء رابعة بالقوة فكان الجواب للاخوان، وكما أعلن أحدهم: «اننا لا نحتاج لقانون بل لمحاكم ثورية ولا نحتاج لدبلوماسية بل نحتاج للوضوح».

ولم تقتصر هذه الروح علي شباب الاخوان، بل رددها كبار السن مثل عمرو دراج الذي كانت الصحافة الغربية تعتبره اخوانيا معتدلاً، فقد صرح علنا بأنه لم يعد يؤمن بالتغيير علي مراحل وأن خطأ مرسي كان أنه لم يكن ثورياً بما فيه الكفاية فلم يقم بسحق مؤسسات الدولة التي أسقطته، واعتذر دراج للمصريين عن أن الاخوان اختاروا منهجا إصلاحيا ثبت عجزه.

وبمرور الوقت تصاعد الضغط وبدأت وحدات حماية المتظاهرين التي كونتها الجماعة تلجأ للهجوم، ولم يقتصر الأمر على مقاومة الشرطة الذين يتصدرون لمظاهراتهم بل امتد الى مهاجمة أقسام الشرطة، ومادامت الشرطة قد أصبحت هدفا فبالضرورة يمتد الهجوم الى البنية التحتية للدولة، وزادت الهجمات على الشرطة والبنية التحتية مثل أبراج الكهرباء.

وليس واضحاً إن كانت الهجمات الأولى عفوية أو مدبرة، ولكن لا شك أن مستوي الهجمات تصاعد وأصبح أكثر ضراوة وحرفية، وأطلقت قيادة الجماعة الجديدة العنان للارهابيين.

وفي تحليله للاستراتيجية الجديدة أعلن عبد الرحمن عياش أن قيادة الجماعة كانت تخشى فقدان السيطرة على شبابها اذا أدانت العنف في مواجهة قمع السلطات، وفي الانتخابات الداخلية التي اجرتها الجماعة تم تصعيد كثير من الشباب للمواقع القيادية لتخفيف الضغط على القيادة، فالشباب كانوا العمود الفقري لما يقع من أعمال إرهابية، وقد أدى قمع السلطات إلي تقسيم الارهاب الى قيادات لامركزية لاتحكم قيادة الجماعة ادارتها، ورأت القيادة أنها بذلك تكسب بالادعاء أنها تنبذ العنف الذي مارسه شبابها بينما تأمل أن تقوم الوحدات الارهابية باستنزاف النظام، ولكن استشراء العنف منذ مزاعم قيادة الجماعة بادعاء السلمية.

في هذه اللحظة الفارقة ظهر على المسرح المصري شهير بولش كأمريكي اعتنق الاسلام وراح ينشر ايديولوجيته كان سجينا في الامارات لقتله مواطناً ألمانياً، وخرج من السجن في أكتوبر سنة 2013 فاتجه الى تركيا، ومن خلال صداقته لرئيس حزب الامة الاماراتي محمود فتحي تعرف على بعض الاسلاميين المصريين، ومن خلال الاعلام بدأ نشر افكاره التي لقيت آذانا صاغية، فقد نصح مستمعيه بمهاجمة الشركات العابرة للحدود بدل مهاجمة رجال الشرطة، فمهاجمة الشركات الكبري والبنوك وشركات الاتصالات تؤدي في رأيه الى خسارة النظام للارباح والاستثمارات وتدفع الشركات إلى إيقاف تأييدها للسيسي، وإذا كان بولش مجنونا فإن جماعة الاخوان في هذه الظروف تماثله جنوناً.

في 19 مايو سنة 2015 نشر عبد الرحمن البر مقالين بعد أشهر من الصمت المقال الأول أن مرسي هو الرئيس الشرعي ولابد من عودته لمنصبه، وأن قائد الانقلاب سيحاكم ويجب سحب الجيش من السياسة وإصلاح جهاز الشرطة، وأن نظام الحكم هو الذي يريد العنف وأنه مدبر الحوادث الارهابية ليلقي اللوم على الثوار، والمقال الثاني أن نظام الحكم يحاول دفع الثوار للعنف لإقناع مؤيديه في الخارج أنه يحارب الارهاب، وذلك لتبرير ما يرتكب من قمع والاحتفاظ بولاء الجيش، وأن الاخوان قد حذروا من أن بعض من يتعرضون لظلم الحكام لا يفهمون ضرورة عدم العنف، فالنظام يدفعهم لفخ العنف وإن كان هناك من يشك في احتواء المقالين على رسالة فقد وضحت الرسالة بعد ثلاثة أيام عندما نشر محمود غزلان نائب المرشد رسالة بعد أشهر من الصمت، كتب يقول إن الاخوان حريصون على السلمية ونبذ العنف والفردية، ولن يتخلوا عن ذلك، فالقتل محرم تماما، كانت الرسالة واضحة ولكن التعليقات عليها كانت مليئة بالغضب من أعضاء الجماعة وبعد يومين نشرت مقالتان للرد على غزلان، تقولان إنه لا يمكن مواجهة العنف بالسلمية فذلك سيكون استسلاما وتخليا عن الجهاد لا يقبله أي دين فهذه السلبية ستجعل الاخوان مثل حزب النور الذي ساند الانقلاب الذي أظهر أن التغيير السلمي الديمقراطي خدعة، وأن التغيير لايتم بالمظاهرات، فالحقوق لا تمنح ولكن تؤخذ بالقوة والجهاد الذي يرهب أعداء الله، ولتسأل الاسلاميين في الجزائر يا مرسي وفي اليمن وحماس إن كانت الديمقراطية قد نجحت معهم، فالاخوان عندما بايعوا الجماعة كان شعارهم «الجهاد سبيلنا» وتم الانقلاب داخل الجماعة بعد أربعة أيام بأنباء عن أن سبعة من مكتب الارشاد ضمنهم نائباً المرشد محمود عزت ومحمود غزلان ومفتي الجماعة عبدالرحمن البر اختفوا تماما، وكانت صدمة للجماعة معرفة أن محمود عزت كان داخل مصر فقد كان الظن أنه في غزة، وتوالت القرارات، فمحمود حسين الذي كان يقول إنه سكرتير عام الجماعة صدمه أن المكتب الخارجي جعل المنصب تحت قيادة التنظيم الدولي للاخوان، وكان واضحاً من ذلك أن مغتصبي السلطة داخل الجماعة لم تكن لديهم شرعية، وإذا كان القادة القدماء يتوقعون أن القيادة الجديدة ستلتزم بالشرعية فقد صدموا بمفاجأة كبرى، فقد أعلن محمد منتصر أن الجماعة ستلجأ للثورية كخيار استراتيجي، وبذلك كان واضحاً أن الجماعة على وشك التفكك.

فما الذي دفع عزت ورفاقه الى ما أقدموا عليه وهم يعلمون أن اجتماعهم كان مخاطرة أمنية؟ وفعلا تم القبض على غزلان والبر خلال ايام، ونسب البعض هذا الخلاف إلى زيارة سرية لايران قام بها محمود حسين وابراهيم منير، وقد نفى حسين هذا الزعم بشدة، والواقع أن العاصفة داخل الجماعة كانت تتجمع دون حاجة لزيارة ايران، فقد كان لب الصراع داخل الجماعة هو التنظيم والاستراتيجية، فالحرس القديم أصر على أنه لم تحدث انتخابات لمكتب إرشاد جديد، وكل ما حدث في رأيهم انه تم اضافة ستة أعضاء جدد لتعويض قمع السلطات الشديد للجماعة ليكونوا مجرد لجنة ازمة وليسوا أعضاء بمكتب الارشاد، ولكن الستة الجدد تجاوزوا حدودهم.

ولكن اذا كان هذا هو حقيقة ما حدث فلماذا كان الصمت عليه منذ فبراير سنة 2014 عندما تمت الانتخابات؟ الواقع أن مشكلة الحرس القديم لم تكن الانتخابات في مصر، ولكن ما تم في الخارج من انشاء المكتب الاداري للمصريين في الخارج، فقد وضح الخلاف بين ابراهيم منير والمكتب الجديد وتم تهميش محمود حسين بمعرفة المكتب الجديد الذي حاول في ابريل انتزاع الاشراف على مالية الجماعة منه، ولكن لم يكن الصراع التنظيمي هو ما دفع الحرس القديم لإخراج الخلاف الى العلنية، ولكن كان السبب الحقيقي هو التطورات داخل مصر والخلاف على استراتيجية مواجهة نظام الحكم هو الذي دفع الحرس القديم لإخراج الصراع داخل الجماعة الى العلن.

ونقف عند هذه الفقرة لنستأنف في المقال التالي تطور الصراع داخل الجماعة.

 

الرئيس الشرفي لحزب الوفد