رحل المبدع بالجسد ليبقي مشروعة الادبي والروائي الفريد علامة بارزة في تاريخ الادب والرواية المصرية والعربية والعالمية حيث استطاع الكاتب الكبير جمال الغيطاني الذي رحل عنا منذ أيام قليلة ان يكون كاتب وصحفي من طراز خاص استلهم فيه التراث المصري ليخلق عالما روائيا خاصا به تأثر فيه بالأديب العالمي نجيب محفوظ الذي تتلمذ علي يديه وصارت بينهم صداقة عميقة أثرت تأثير كبير في مشروع الغيطاني الادبي وقد أنتج الروائي الراحل طوال رحلته اكثر من خمسين عمل هي حصيلة إنتاجه الادبي وقد ترجمت أعماله إلى الفرنسية والألمانية .
ولد الكاتب الكبير جمال الغيطاني جهين احد مراكز محافظة سوهاج عام 1945م لتنتقل العائلة بعد ذلك الي منطقة الجمالية بجوار الحسين وقد اثرت البيئة المحيطة به في تكوين الحالة الإبداعية لدي الكاتب الكبير حيث تلقى الغيطاني تعليمه الابتدائي في مدرسة الجمالية والإعدادي في مدرسة محمد علي ثم التحق بمدرسة العباسية الثانوية الفنية التي درس بها ثلاث سنوات فن تصميم السجاد الشرقي وصباغة الألوان وتخرج منها عام 1962م وعمل في المؤسسة العامة للتعاون الإنتاجي رساما للسجاد الشرقي ومفتشا على مصانع السجاد الصغيرة في قرى مصر وهو ما سمح له بزيارة جميع محافظات مصر،وكانت لهذه التجربة المتميزة تأثير في حياته الأدبية .
وقد بدأت رحلة الغيطاني مع الادب مبكرا اذ كتب اول قصة له عام 1959م بعنون نهاية السكير قبل ان يلتحق بالعمل الصحفي الذي ابدع فية أيضا حيث عمل مراسل عسكري خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر المجيدة علي الجبهة المصرية كما عمل مراسل علي الجبهة خلال الحرب بين العراق وايران ثم شغل منصب رئيس القسم الادبي بجريدة اخبار اليوم ليؤسس واحدة من اهم الإصدارات الثقافية وهي اخبار الادب ويرأس تحريرها وقد تاثر الكاتب الراحل الكبير جمال الغيطاني بصديقة وأستاذة الكاتب والاديب الكبير نجيب محفوظ وقد ظهر هذا التأثير من خلال تفاصيل الحارة المصرية في مشروع جمال الغطاني الادبي .
قدم الغيطاني سبع أعمال للسينما والدراما المصرية حيث قدم اول عمل فنى سينمائي له عام 1988م وهو فيلم أيام الرعب بطوله الفنان الكبير محمود ياسين وأخرج سعيد مرزوق وقد قدم خلال الفيلم قصة تنبع من البيئة التي أحاطت به خلال نشأته في الصعيد المصري ثم قدم ثاني أعماله للسينما وهو فيلم حكايات الغريب الذي تدور أحداثه خلال فترة حرب الاستنزاف بين عام 1967م وحرب أكتوبر المجيدة عام 1973م من خلال التركيز على مشاعر اليأس خلال هذه الفترة وكيف تبدل الحال بعد قيام حرب أكتوبر وارتفعت الروح المعنوية للشعب وأصبح أكثر تفاؤلا وأملا بالمستقبل والفيلم شارك فيه بطولته عدد من الفنانين منهم الفنان محمود الجندي والفنانة الكبيرة الراحلة هدى سلطان ونجم الغناء محمد منير .
ثم قدم في عام 1995م اول أعماله الدرامية للتلفزيون المصري وهو مسلسل الزيني بركات الذي يكشف ان الكاتب الكبير مملوكي الهواء رغم انه عاش اكثر من ثلاثين عام في القاهرة الفاطمية والزيني بركات يعتبر من اكثر الاعمال التاريخية والابداعية شديدة التميز التي تؤرخ لتلك الحقبة الزمنية الهامة من التاريخ المصري من خلال تسليط الضوء على سقوط دولة المماليك وقيام الدولة العثمانية وقد قام ببطولة المسلسل الفنان الكبير احمد بدير في دور الزيني بركات مع الفنانين نبيل الحلفاوي وسوسن بدر وعبد الرحمن أبو زهرة ومن إخراج يحيى العلمي .
وقد قدم الكاتب الكبير للدراما التلفزيونية بعد ذلك مسلسل سنوات الغضب عام 1996م بطوله النجم الكبير صلاح السعدني والفنان القدير عزت العلايلي وفي نفس العام قدم للتلفزيون مسلسل حارة الزعفراني الذي يتناول قصة الشيخ عطية وهو رجل مبروك يقطن فى حارة الزعفراني بالغورية وقد نزح إليها منذ أكثر من عشرون عاماً وهو من بطولة الفنان الكبير صلاح السعداني ويعود الغيطاني مجددا الي السينما بفيلم كلام الليل عام 1998م بطولة الفنانين يسرا وجالا فهمي واشرف عبد الباقي واحمد عز وإخراج ايناس الدغيدي وقد تطرق الكاتب الكبير الي ما يدور بدقة داخل الشقق المشبوهة وفساد رجال السياسة والمال وفي عام 2007م قدم الكاتب الكبير اخر أعماله للسينما وهو فيلم خمس نجوم بطولة الفنانين دوللي شاهين وسامي العدل واحمد برادة واحمد هارون وإخراج حاتم موسي وتدور أحداث الفيلم حول المشاكل التي تواجه الشباب في هذه الأيام ويرصدها من خلال ثلاثة أشخاص يعملون في فندق من فنادق الخمس نجوم الذي يديره مستر أكرم (سامي العدل) حيث أدهم (أحمد برادة) الذي يعمل في صالة القمار بينما يحلم أن يكون مغنيا وحمدي (أحمد هارون) خريج العلوم السياسية الذي يعمل بوظائف مختلفة في الفندق وسالي (دوللي شاهين) التي تعمل في الجيم ويعجب حمدي بسالي ويرغب في الارتباط بها وتتوالى الأحداث في إطار تشويقي .
وقد قدم الكاتب الكبر خلال مسيرته الأدبية العديد من الاعمال القصصية والأدبية المتميزة ومنها أوراق شاب عاش منذ ألف عام - الزويل - حراس البوابة الشرقية - متون الأهرام - شطح المدينة - منتهى الطلب إلى تراث العرب - سفر البنيان - حكايات المؤسسة - التجليات (ثلاثة أسفار) - دنا فتدلى - نثار المحو - خلسات الكرى - الزيني بركات - رشحات الحمراء - نوافذ النوافذ - مطربة الغروب - وقائع حارة الزعفراني - الرفاعي - رسالة في الصبابة والوجد - رسالة البصائر والمصائر - الخطوط الفاصلة (يوميات القلب المفتوح) - أسفار المشتاق - سفر الأسفار - نجيب محفوظ يتذكر - مصطفى أمين يتذكر - المجالس المحفوظية - مقاربة الأبد - خطط الغيطاني - وقائع حارة الطبلاوي - هاتف المغيب -توفيق الحكيم يتذكر - المحصول .
أخيرا ... يرحل الكاتب الكبير جمال الغيطاني ويبقي مشروعة الثقافي التراثي نهر خالد يرتوي منة الأجيال القادمة في مصر والوطن العربي حيث شكل مشروع الغيطاني التراثي مشروع فكرى متميز أستلهم فيه مواقف حقيقية من التراث المصرى والعربى ليخلق عالمًا روائيا ثريا يعد من أبرز التجارب الروائية المصرية والعربية والعالمية وأكثرها نضجا علي مدي التاريخ .