عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

إن ما يشهده العالم اليوم من حالة استقطابات حادة فى اختبارات القوة وحدود النفوذ بين اللاعبين الدوليين الكبار, كان قد اختفى من العالم منذ بداية تسعينيات القرن الماضى, بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها, بتفكك الاتحاد السوفيتى, وانهيار المعسكر الاشتراكى أمام المعسكر الرأسمالى, وفرض جبروت وهيمنة السياسة الأمريكية على العالم تحت شعار (من ليس معنا فهو ضدنا).

والآن وبعد أن تغيرت مفاهيم القوة, مع بزوغ الدب الروسى فوق مشهد الأحداث, بفرض روسيا مؤخراً لرؤيتها على الولايات المتحدة وأوروبا فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية, وتدخلها العسكرى فى سوريا, ما يطرح معطيات جديدة, تزيد من حالة الارتباك التى خلقتها حالة البلبلة جراء التدخلات الخارجية وبالأخص الامريكية فى الداخل السورى, وبهذا التدخل الروسى الآن, فإن لسان حالنا يتساءل: هل هكذا انتقل القرار النهائى للمستقبل السورى إلى موسكو؟!.. خاصة بعد الإخفاق الإيرانى وتراجع قوات الجيش السورى!.. أم أن الأيام ستكشف لنا عن سيناريو آخر قد تتقاسم فيه قوى دولية وإقليمية متعددة  الكعكة السورية؟!

إن الأهداف الروسية فى سوريا أهداف استراتيجية, يمكن للخليج ومصر التفاوض حولها مع روسيا, فليس من بينها مذهبيات دينية أو طائفيات عرقية تنمى الشعور بالكراهية, مما يستدعى التخوف منها على أمن دول المنطقة, فما دامت المصالح الدولية «بتعريفها الحديث من جانب المحافظين» هى نطاق المعاملة, فيمكن أن يقبل التفاوض والقسمة فى المصلحة.

إن التدخل الروسى فى سوريا هو الفرصة الأخيرة بعد أن ضيع العرب من الوقت والفرص, مع سهولة الأحاديث التى تتساقط على ألسنتهم عن الإخوة ووحدة المصير, و.. كلمات تدحضها لعبة المنطق على أرض الواقع, بينما بينهم من يشعل الحروب الأهلية خلف الستار, لا لشىء إلا لأغراض شخصية أو خلافات سياسية بين الأنظمة.. ويأتى ترجيح لغة المال فى الأزمة السورية أيضاً ليعرى هذه الأنظمة, اللهم إلا من ورقة التوت التى تغطيهم, فتمويل المعارضة وتحويلها لمعارضة مسلحة لمواجهة نظام مستبد, أسقط عدالة القضية, بل تحولت المعارضة بفعل الارتباك إلى دواعش ونصرة وغيرهما كثير, ولتذهب الشعوب إلى الجحيم فى سبيل تحقيق مآربهم.

أن الرؤية الخليجية والأمريكية فى سوريا باستبعاد الأسد, هى حالة عدائية وليست سياسية فقط, وهو ما تراه مصر خطراً محدقاً بالأمن القومى العربى يجب تفهمه جيداً، وهنا يجب ألا نغفل زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى لموسكو, وتزامنها مع زيارة كل من العاهل الأردنى الملك عبدالله, والشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبوظبى, وما شابها من الغموض وندرة التصريحات, إلا أنه بات جلياً لنا أنها لم تخرج عن التشاور والتفاوض بخصوص الأزمة السورية, وخطر داعش, وبديل الأسد, و.. وتثبت لنا الآن أيضاً مجريات الأحداث بأنه قد تم توحيد الرؤي والاتفاق حول سبل معالجة الأزمة السورية, وما صاحبه بعدها من تدفقات للأسلحة الروسية إلى دمشق منذ سبتمبر الماضى, مما ينبئ بحدوث شىء لوقف التقدم الداعشى واكتسابه كل يوم موضع قدم على الأراضى السورية, مهدداً دول الجوار السورى والأمن القومى العربى ومن ثم دول الجوار الروسى, وهو ما لن تسمح به موسكو، خاصة أن التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن التنظيم يزخر بآلاف من المقاتلين الشيشان.

فبالنظر للرؤية الروسية للأزمة السورية نجدها تنطلق باستراتيجية مرسومة الخطوات: فأولاً اعتراف مصرى بأهمية التدخل الروسى مع تطمينات للخليج, وثانياً زيارة وزير الدفاع الإسرائيلى لموسكو وتضمينات للجانب الإسرائيلى بأن التدخل الروسى فى سوريا لن يكون موجهاً لأمن إسرائيل بل هو فى صالح أمنها للحيلولة من قيام دولة داعشية على حدوده, وثالثاً المقابلة التى طلبها الرئيس الروسى للاجتماع بالرئيس الأمريكى, وهو ما انتشت به الإدارة الأمريكية أمام وسائل الإعلام العالمية ولم تعره الخارجية الروسية اهتماماً, فلم يكن اللقاء إلا صفعة للأمريكيين عن نية روسيا بقصف تنظيم داعش وقواعده, وما سبقه من التنسيق والتطمينات الروسية لمصر ودول الخليج ودول الجوار السورى، بالإضافة إلى إسرائيل, الأمر الذى أدخل الإدارة الأمريكية فى حالة من الارتباك المضاعف, لم تستفيق منها إلا مع الضربات الروسية لداعش.

ثم تأتى الاختراقات الروسية للمجال الجوى التركى فى حالة تعمد مقصود, لإيصال رسالة إلى تركيا: بأن ترفع يدها عن الحضور السلبى فى المشهد السورى والكف عن مناهضة الدور الروسى فى سوريا.

ونأتى للحملة الدعائية الأمريكية عن إخفاق الضربات العسكرية الروسية, بينما تصدر موسكو بيانات دقيقة وموثقة تسجيلية عن الضربات العسكرية ضد العناصر الارهابية, هذا ويصرح وزير الخارجية الروسى بأن موسكو لديها المعلومات عن تنظيم داعش وقواعده ونقاط تجمعه, ما يسهم فى تدقيق قصفها لمواقعه, والمطالبة بالتنسيق مع قيادة الجيش السورى الحر الموالى للمعارضة السورية وهو ما نسف حقيقة وجود هذا الجيش على الأرض.

والآن وموسكو تخلق من الحقائق على الأرض بقوة السلاح, ما يمكنها من فرض شروطها على اللاعبين الآخرين «فبينما ارتبك الأمريكيون, واحتج الأوروبيون واضطرب الجانب التركى», نتمنى أن تكون الضربات العسكرية الروسية هى أول أهداف الاستراتيجية الجديدة ﻹيجاد حل للأزمة السورية, وما ستسفر عنه من فرض قوة الموقف الروسى على القوى الدولية والإقليمية الأخرى على مشهد الأحداث العالمية والسورية خاصة.