عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

 

عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. تلك المطالب التى ثار لتحقيقها الشعب فى 25 يناير 2011, والتى فجرتها الأوضاع المتردية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً, وإذا كانت الحرية مطلباً أساسياً سياسياً فلابد أن يتحقق بالتوازى مع المطالب الأخرى, إلا أننا سنتعرض فى هذه المساحة لمناقشة بعض من الجانبين الاقتصادى والاجتماعى والمتمثلين فى مطلبى «العيش والعدالة الاجتماعية». فقد قامت الثورة ضد الفساد والنهب المنظمين لموارد الدولة من قبل النظام السابق, الذى سمح لقلة بأن تتحكم فى الأمور السياسية والاقتصادية لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب المصلحة العامة لغالبية كاسحة تعيش فى مستويات معيشية متردية, وذلك فى ظل سياسات تدعو إلى الاستناد إلى آليات السوق الحر دون ضوابط أو رؤية من الدولة, وزاوج النظام كذلك المال بالسلطة.

وبعد الثورات تمر الدول بمراحل مختلفة, تختلف فيها نظرتها للأوضاع بناء على احتياجات شعوبها, فالاختيارات والاتجاهات تحددها المتطلبات, وفى الشأن الاقتصادى أول ما يتبادر إلى الدهن دائماً هو الاختيار الكلاسيكى ما بين النظام الرأسمالى والاشتراكى, ولكن الأمور ليست أبيض وأسود فقط, فهناك نماذج عدة من الرأسماليات والاشتراكيات المختلفة, تتخير منها الدول ما يناسبها, فالأمور على أرض الواقع تكون أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً مما هى عليه فى الأوراق.

وبانهيار الاتحاد السوفيتى 1990م, انهارت معه الأيديولوجية الاشتراكية الماركسية كنظام, ويعد انهيار «سور برلين» الذى كان يفصل ألمانيا الغربية الرأسمالية عن ألمانيا الشرقية الاشتراكية, بمثابة البداية الحقيقية لتبنى أيديولوجية النظام الرأسمالى عالمياً, وأعتبر وقتها المعسكر الغربى هذا السقوط انتصاراً للرأسمالية, وبدأت مرحلة متطورة للهيمنة الرأسمالية الغربية على العالم, تحت ستار العولمة.

وقد مرت الرأسمالية العالمية مند تطبيقها إبان الحرب العالمية الأولى 1918م, بمنحنيات صعود وهبوط, فبعد فترة الازدهار الاقتصادى, جاءت أزمة الثلاثينيات, التى لجأت فيها أمريكا مثلاً إلى (تطبيق بعض الآليات الاشتراكية للخروج من هذه الأزمة), هناك أيضاً أزمة «الركود التضخمى» فى منتصف السبعينيات, وأخيراً الأزمة الاقتصادية العالمية فى 2007م, وتلك الأزمة الأخيرة تحديداً قد فجرت عدة أسئلة, بخصوص مدى سلامة الأفكار النيوليبرالية, باعتبارها الوسيلة الأوحد لتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر فى العالم, كما روج لها معتنقوها أيضاً بعدم وجود بديل للنظام الرأسمالى الحر تماماً من تدخل الدولة, وعلى الرغم من وضوح البصمة الأمريكية وحجمها الكبير فى النظام الاقتصادى العالمى, فإن نجاحها نسبى فى فرض مرجعيتها الوحيدة, مما نعتقد أنه سيرغم الولايات المتحدة فى المستقبل على تغيير بعض القواعد والآليات.

فالصراع الحالى والحرب الاقتصادية الحالية, قد تؤدى فى النهاية إلى خرق للمواثيق الدولية, الذى بدوره هو الآخر قد يقود إلى حروب عسكرية مدمرة, فإذا أراد العالم تجنب الدمار الذى سيخيم , فلابد من تبنى نظام اقتصادى يقوم على التنافس والتعاون فى ذات الوقت, لتحقيق مصالح مشتركة ورخاء يسهل ويسمح بالتمتع بجنى ثمار الإنتاج والعمل.

وفى ظل ما يعانيه الوضع الاقتصادى العالمى الحالى جراء هيمنة الرأسمالية, وأيضا المتغيرات والأوضاع الاقتصادية الداخلية فى مصر وخاصة بعد ثورتين, نرى أنه سيكون من الصالح العام أن تبقى الدولة على اتباعها لسياسة وآليات السوق الحر, ولكن مع إعادة وضع وصياغة للتشريعات التى تنظم عملية الاستثمار «داخلياً وخارجياً» فمثلاً هناك التشريعات الخاصة بالقضاء على الفساد المقنن, والمحافظة على المنافسة وتحفيزها, وتجريم ومحاربة الاحتكار, وفرض سياسة ضريبية تصاعدية مع رفع الحد الأدنى للإعفاء الضريبى, ووضع المزيد من الضوابط على استيراد السلع غير الضرورية, و... إلخ كل ذلك بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية, وخاصة فيما يتعلق بتحقيق معدلات متزايدة للتنمية والنمو, ورفع مستوى معيشة الفرد وتحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية, حيث تقوم الدولة هنا بضبط جديد للأوضاع وذلك بأعمال المتابعة والرقابة والتوجيه فى ظل اتباعها لسياسة آليات السوق الحر. وبالتوازى يجب أن تقوم الدولة بدورها فى تنفيذ مشروعات البنية التحتية من شبكات طرق ومياه نظيفة وصرف صحى وكهرباء و... إلخ. وأما المحور الثالث وهو الأهم على الإطلاق والمتمثل فى قيام الدولة بدورها الرئيسى فى مجالى الصحة والتعليم, حيث إنهما الأساس الذى سيتم البناء عليه لتحقيق أى تنمية أو نمو مستقبلى, ويتبلور دور الدولة هنا فى أهمية وضعها لرؤية جديدة وفعالة لتحقيق أهداف التنمية والنمو المرجو.أيضاً تبنى الدولة لبرامج اجتماعية حازمة موجهة للفئات الأشد حاجة لمواجهة الفقر والبطالة, والتركيز على عمل برامج تدريب, وبرامج مكثفة للتنمية البشرية, التى تعتبر الحل السريع لبناء الإنسان، فهى تساعد على التفكير بشكل إيجابى وإبداعى, والتواصل مع الآخر بشكل أخلاقى, وكيفية التعامل مع فريق العمل وأهمية الوقت و... إلخ. ومهم هنا تشجيع الدولة للاقتصاد التعاونى «الاستهلاكى والخدمى والإسكانى». وسيخلق هذا كله مشاركة اجتماعية قد تكون احتياجاً فى البداية, ولكنها ستتحول وتتطور بمرور الوقت إلى نمط حياة على جميع الأصعدة.

ومجمل القول: إن كل ذلك لا يعنى أننا ندعو لاقتصاد موجه, ولكن أن نصبح فى دائرة اقتصاد يستند إلى آليات السوق الحر, ولكن مع دور أكبر للدولة فى تحقيق العدالة الاجتماعية سواء بتوزيع الدخل بشكل أكثر عدالة, وكذلك إعادة توزيع الدخل من خلال زيادة الإنفاق العام ومراعاة معايير الجودة فى الخدمات التى تقدم بالأخص للطبقات المعدمة والفقيرة فى المجتمع.