عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

يقول الله تعالى فى كتابه الجليل «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين» صدق الله العظيم. ومن تفسير الآية الكريمة نفهم أن الاختلاف ليس أمرا مقبولا فقط, بل وجب علينا أيضا حمايته والدفاع عنه, لانه مشيئة الله تعالى على الأرض, والتى لا تقبل التبديل, وقد كفل الاسلام للبشر عامة, وللمسلمين خاصة هذا الحق, فحق الاختلاف فى الرأى هو حق أصيل من حقوق الانسان فى المنظور الاسلامى, وهو قيمة عالية من القيم الانسانية, التي يجب إدراكها من جانب المجتمع والتعامل معها بوعى.

وإن اعتناق الانسان لفكر معين ليس بالأمر السهل ، فالاعتناق يعنى الإيمان ، والإيمان يسبقه وفاق للعقل والنفس معا, لمعطيات هذا الفكر، وهذا الوفاق هو نتاج رحلة بحث, يشعر بعدها الانسان بتجانس روح هذا الفكر مع طبيعته وميوله ، حيث يصير الفكر بعدها غذاء للروح أكثر منه غذاء للعقل, يوجب عليه إعمال البحث فيه, لهذا يكون رد الفعل المبدئى تجاه الاحداث نفسيا, ويقوم بعد ذلك العقل بتحليل الحدث تحليلا يتفق مع أهداف و روح هذا الفكر, حتى وإن تجنب بعض من الحقائق, أو قفز فوق بعض الاحداث, فهو يبدو لصاحبه منطقيا, ويكون دائما مستعدا للدفاع عن موقفه, بإيمان حقيقى، وهو ما يراه البعض أحيانا تعصبا, لأن صاحبه يتجاوز عن بعض الاحداث والحقائق, ولكنه فى الحقيقة هو حالة دفاع عن الفكر الذى آمن به, وأصبح جزءا من تكوينه النفسى والعقلى, وبشكل عام يمكننا القول بأن معظم البشر تتكون معتقداتهم بهده الطريقة, وهكذا أيضا يبنون أفكارهم, ويستثنى من ذلك بعض من الصفوة المثقفة، حيث العقل والعلم هما مرجعيتهم الوحيدة.

فالعقل ليس هو دائما الحاكم بأمره فى تكوين الرأى, وأن ما يحدث يمر عبر قنوات فى النفس تتفق مع طبيعة ونزعات الانسان, ويكون لها التأثير الكبير فى شكل وطريقة وصول الحدث إلى العقل, حيث يبدأ بعدها فى اجترار رصيد المعرفة, حسبما وصله عبر هذه القنوات, وليس عبر ما يراه ماثلا أمامه، وهذا ما يفسر لنا التباين والاختلاف الكبير فى الآراء تجاه الاحداث.

إن إلقاء التهم على صاحب الرأى المخالف, يخلق حاجزا نفسيا بينه وبين محاوله الخروج من قفص المذاهب والأيدلوجيات, أو قوالب الفكر الجامدة أو حتى فى محاولة مراجعه النفس أو..... فالتراجع والتنازل عن الرأى وبخاصة فى الثقافة الشرقية, يرتبط عند الكثيرين بمفهومى الكرامة وعزة النفس، كما أن السخرية والتفكه لتسخيف رأى مخالف, يبعد صاحبه عن المضمون, ولا يضيف جديدا بل يشيع جوا من الاستفزاز والتحدى, تقوم بسببه خلافات وصراعات لا طائل ورائها.

إن الوعى بطريقة تكوين الرأى, تجعل الانسان المستقبل للرأى الاّخر, مدركا للدوافع الحقيقية لمخالفيه, وهذا الادراك ينبئى به عن إلقاء التهم, و يساعده على سلامه التقدير للرأى الاّخر, و يثرى الحوار, وذلك لارتكازه على فهم عميق للرأى المخالف, وهذا من شأنه أيضا أن يصل بالأطراف المتحاورة إلى الأصوب, وهو ما ينشده الجميع.

وليس المقصود بالرأى أو الفكر المخالف ما يندرج تحت ما يسمى بالانحرافات الفكرية,و هى متعددة وأحدها على سبيل المثال: الغلو فى الدين, حيث إن خطورة الانحراف الفكرى هنا, تكمن عند وصول الانسان الى مرحلة, يميل فيها الى العنف, للوصول الى أهدافه, والذى يكون من مردوده استباحه الآخر, والتجرؤ على الفتوى بغير علم فيحلل ويحرم ويكفر. وكما تتجلى أيضا تلك السمات المنحرفة للفكر فى التقليد الاعمى  لشخص ما, حيث الوثوق بهدا الشخص, والتزام رأيه دون مناقشة أو دراسة, وقد يصل الأمر الى التعامل مع هدا الشخص على أنه رمز بل ويجب تقديسه. كما إن المنحرف فكريا غالبا ما يسىء الظن بالآخر, ويخفى حسناته ويعظم من سيئاته, و يحاكم معتقداته التى لا يعلمها إلا الله, و يغلق باب الحوار, فلا يقتنع الا بفكره و رأيه, ونراه يدور فى دائرة مغلقة هو ومن على شاكلته, ويعد هذا عاملا أساسيا من عوامل تكوين الجماعات التى تمارس الإرهاب فى المجتمعات, ولا ينتج هدا إلا فى مجتمعات تفتقد الى «الأمن الفكرى», حيث إن «الأمن الفكرى» يجسد حالة إحساس الانسان باستقرار القيم والمصالح, وبلورة رأى عام رافض لكل ما يمس هذه القيم, وأن تكون أيضا تلك القيم محل حماية من المجتمع.

فالإرهاب الذى نواجهه دائما ما ينهل من منابع الفراغ الفكرى والعاطفى, لذا فتكوين الهوية الفكرية وصياغتها, أمر فى غاية الأهمية لمحاربته, فنحن بحاجة الى استراتيجية تتبنى فى أهدافها مشروعا تنمويا وطنيا شاملا, تشترك فيه كل أطراف الثقافة. فقضية «الأمن الفكرى» واقع ملموس,وليس مجرد قضية بحثية فلسفية تناقش فقط فى غرف أكاديمية, ولا مسألة رفاهية فكرية, بل إن تبنيها أصبح ضرورة حتمية, وخاصة فى ظل ما فرض على عالمنا ومجتمعاتنا العربية تحديدا من واقع ملىء بالانحرافات الفكرية فى مناحى عديدة, فوسط كل هذه التحديات أصبح «الأمن الفكرى» يجسد مشروعا وطنيا ستنعكس آثاره على المجتمع.