عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

(إذا كنت تعرف عدوك وتعرف نفسك, فلا حاجة بك للخوف من نتائج مائة معركة)، مبدأ آمنت به مملكة تشى «الصين», واعتنقه الشعب الصينى مند القرن الخامس ق. م, ويعد مقطعاً من ضمن 6000 مقطع ذكرها القائد العسكرى الصينى «سون تزو» فى كتابه «فن الحرب» الذى انصح كل من لم يقرأه بأهمية الاستمتاع بقراءته, ونعود لحديثنا الذى بدأناه عن الصين, فهكذا ومن زمن بعيد حددت دولة الصين هدفها, فأقامت حضارة من أقدم وأعرق الحضارات, وسارت فى طريق الحرير, وكانت أولي الدول التى تعاملت بالعملة الورقية «جياوتشى» عام 1016م, وأهدت الصين العظيمة للعالم فنون صناعة السفن والطباعة وآلات النسيج.

وفى عام 1949م أعلن «ماوتسى تونج» تأسيس جمهورية الصين الشعبية, وكان عام 1997م نقطة تحول اقتصادية فى تاريخها, وذلك استكمالاً لما بدأه «ماو», حيث بدأ تشجيع رأس المال والاقتصاد غير الحكومى, ما ترتب عليه تحقيق معدل نمو اقتصادى مرتفع, وتحسن هيكلة الصناعات, والارتقاء بمستوى البحوث والدراسات التنموية و.. إلخ، وبالتالى ارتفع مستوى دخل الفرد الصينى, وصارت الصين أحد الاقتصادات الكبرى, ففى بداية التسعينيات كان الاقتصاد الصينى يمثل ما نسبته 7% تقريباً من حجم الاقتصاد الأمريكى, وصل حالياً إلى ما يناهز الـ 50%, كما تعد الصين أكبر دائن لأمريكا, إضافة لامتلاكها أصولاً كبيرة الحجم فى جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وقد أثبت التاريخ أن الاختيارات التى تقررها القوى العظمى تتجاوز دائماً أهمية ترتيبها الاقتصادى.. ففى الحالة الصينية نجد أن التأكيد على سلمية الصعود من أولويات الاستراتيجية الصينية, وأن هذا الصعود لن يشكل خصماً من أى قوى بل تعمل على أن يكون إضافة للمصالح المشتركة, ومن الواضح أن الصين تعلمت من الدرس السوفييتى بألا تمد نفودها خارج مقدراتها, ففى حديث للزعيم السابق «دانج شياو بينج» عن السياسة الخارجية والأمنية يعكس الاعتقاد الصينى قائلاً: «أى سياسة داخلية أو خارجية عسكرية أو دبلوماسية, يجب أن يكون محورها الأساسى هو تأمين المصلحة الوطنية لتعزيز التنمية المحلية للبلاد».

وبالنظر إلى علاقة بكين بواشنطن, وهو الأمر الذى عليه ستتحدد عليه أهم ملامح النظام العالمى مستقبلاً, يمكننا أن نضع احتمالين, الاحتمال الأول: فسيكون الصراع أو الخلاف بين الدولتين, انطلاقاً من محاولة أمريكا الاحتفاظ بمكانتها ووزنها العالمى كقوى عظمى, فى حين تسعى بكين للتحول إلى قوى عظمى هى الأخرى, وبمعنى آخر فالقوى المسيطرة دائماً ما تسعى للحفاظ على مكانتها فى القمة, بينما القوى الجديدة تسعى لتغيير شكل نسق علاقات القوى, وفى هذا السياق نرجح أن تلجأ أمريكا لاستخدام واستغلال تفوقها العسكرى.

وأما الاحتمال الآخر وهو الأقرب إلى تواقعاتنا, وهو التعاون بين الدولتين, حيث أنه من أولويات الصين حالياً التركيز على بناء اقتصادها القومى, والدخول فى صراع سياسى أو عسكرى مع أمريكا من شأنه عرقلة ذلك, فزيادة الإنفاق العسكرى والتسلح سيؤدى إلى إنهاكها, هذا من جانب، ومن الجانب الآخر قد ترى واشنطن أنه من الحكمة السياسية أن تتعامل مع الصين على أنها دولة لها وزنها الإقليمى والعالمى ومن ثم تبنى علاقات مصالح مشتركة ومتبادلة معها, وعليه ستستفيد الدولتين, حيث إن الدخول فى صراعات وحروب سيترتب عليه خسائر مادية وبشرية لا تحمد عقباها, فى حين أن العمل على ترسيخ العلاقات وفتح مجالات متنوعة للتعاون سيصب فى مصلحة القوتين. وما يجعلنا نميل أكثر إلى هذا الاحتمال هو المصالح الاقتصادية الضخمة والمتشابكة التى تربط بكين بواشنطن. كما أن حالة التعاون هذه تعد بمثابة ضامن لواشنطن لعدم حدوث تحالفات مع دول كروسيا مثلا ضد مصالحها, وعلى المستوى العالمى فوجود حالة من السلام والتعاون سيخلق فرصاً أفضل لحل مشاكل كالإرهاب والطاقة والبيئة وغير ذلك.

أيضاً ما يعزز رأينا هذا وجود ارتباط نقدى متبادل بين الصين وأمريكا, فذلك يعد بمثابة الضامن أيضاً لعدم الصراع أو محدوديته. كما أن أسلحة الدمار الشامل فى كلتا الدولتين تضع الحواجز أمامهما لعدم الدخول فى حروب كبرى يتورط فيها العالم بأثره. ولا يعنى رأينا هذا عدم استمرار المنافسة بل على العكس ستزداد حدتها.

وأما بخصوص العلاقات الصينية العربية, فأولاً يجب علينا أن ندرك حجمنا العالمى الحقيقى بعيداً عن الأيديولوجيات والشعارات, لكى يكون التخطيط والتوجه على أساس سليم واقعى, مع الأخذ فى الاعتبار ألا يكون التوجه استبدالاً لقوى أخرى, وأن نتعامل على أساس المصالح المشتركة والمتبادلة, ويجب أيضاً ملاحظة أن السياسة الصينية تميل إلى التعاون الثنائى وليس الجماعى. ومع وجود استثمارات عربية تقدر بحوالى 20 بليون دولار فى الصين إلا أن ما يحدث فى الشرق الأوسط من إحداث تتعلق بالشأن السياسى ليس من أولويات السياسة الصينية, ونخرج من ذلك بأن مستقبل علاقتنا مع الصين سيكون تعاوناً اقتصادياً أكثر منه سياسى, وفى هذا السياق أيضاً يجب تشجيع الاستثمارات الصينية فى الدول العربية وتدليل العقبات أمامها, ما سيترتب عليه بشكل غير مباشر مردود سياسى لتأمين وحماية تلك الاستثمارات.

ومجمل القول إن عدم اتخاذ قرار من الدول العربية الآن بخصوص توجهاتها المستقبلية سيكون هو قرار فى حد ذاته.