رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أنوار الحقيقة

أثار عدد من الناشطين السياسيين وأعضاء بعض الأحزاب السياسية خلال الأسبوعين الماضيين في وسائل الإعلام المختلفة رمز الحصانة البرلمانية، وقد قال هؤلاء إنه وقد اقتربت الانتخابات لمجلس النواب فإنه سيتعين في رأيهم أن تقتصر الحصانة البرلمانية علي داخل قاعة البرلمان، أو في اجتماعات لجانه!، ولا يجوز أن تمتد هذه الحصانة البرلمانية إلي تصرفات النائب خارج قاعات مجلس النواب، وقد برر هؤلاء بحماس شديد رأيهم في هذا الخصوص وذلك بالزعم بأن أغلبية المرشحين لعضوية البرلمان القادم غرضهم الأساسي هو الحصول علي الحصانة البرلمانية، وذلك لاستغلالها في التربح وتحقيق مصالح شخصية والحصول علي كسب غير مشروع، وقد استندوا إلي ما حدث خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك من وجود نواب القروض ونواب المخدرات ونواب التحرش مع النساء.. إلخ، وقد أكد أصحاب هذا الرأي أن الأحزاب والجماعات السياسية التي تعتزم الترشيح لعضوية مجلس النواب القادم من أصحاب المصالح والرأسمالية والمغرضين من رجال الأعمال والمتربحين!، وأنه إزاء ذلك ولخطورة البرلمان القادم علي أساس اختصاصاته الواسعة في الدستور، فإنه يتعين أن تقتصر الحصانة البرلمانية علي ما يؤديه عضو مجلس النواب داخل قاعة اجتماعات المجلس وداخل اجتماعات لجانه!

والحقيقة أن الحصانة البرلمانية أمر قديم وقد قررها البرلمان الإنجليزي منذ مئات من السنين، منذ «الماجكاكارتا»، حيث جري العمل علي أن يكون لعضو البرلمان في مجلسي العموم واللوردات حصانة تمنع اتخاذ أية إجراءات جنائية ضد العضو خلال فترة عضويته، وتشمل هذه الحصانة نشاط العضو في البرلمان وسلوكه وتصرفاته خارج البرلمان وذلك بقصد تمكين العضو من ممارسة اختصاصاته البرلمانية علي أساس من الاستقلال والحرية سواء في الجانب الرقابي البرلماني للحكومة أو أيضاً فيما يختص بالتشريع!، وتحظر الحصانة أن تتخذ السلطة التنفيذية أي إجراء جنائي يعوق ويقيد حرية واستقلال النائب عن أداء واجباته في البرلمان، والمعروف أن النظام السياسي البريطاني يقوم علي أساس تعدد أو ازدواجية الأحزاب السياسية، حيث يحدث غالباً أن تكون الحكومة من حزب العمال، والنواب المعارضون بينهم العديد ممن ينتمون إلي حزب المحافظين أو العكس، وكان يحدث أن يتم خارج المجلس افتعال مواقف وأحداث تفوق أداء النائب لواجباته البرلمانية، وذلك بلا ادعاء أو تلفيق اتهامات جنائية للعضو علي نحو يؤدي إلي تعويقه عن أداء واجباته البرلمانية، ومنعه لسبب افتعال الحادث من حضور إجراءات جنائية قبل النائب بحيث يترتب علي ذلك منع العضو من ممارسة الرقابة البرلمانية أو المشاركة في العملية التشريعية.

وفي مصر فإنه منذ دستور عام 1923 والحصانة البرلمانية مقررة في أحكام الدستور لكل عضو بالبرلمان!، وقد تكررت المادة التي تنص علي الحصانة البرلمانية في كل من الدساتير اللاحقة حتي الدستور الحالي النافذ في البلاد!، والذي نصت المادة 113 منه علي أنه لا يجوز في غير حالة التلبس بالجريمة اتخاذ أي إجراء جنائي ضد عضو مجلس النواب في مواد الجنايات والجنح إلا بإذن سابق من المجلس وفي غير دور الانعقاد يتعين أخذ إذن مكتب المجلس ويخطر المجلس عند أول انعقاد له بما اتخذ من إجراءات، وفي كل الأحوال يتعين البت في طلب اتخاذ الإجراء الجنائي ضد العضو خلال ثلاثين يوماً علي الأكثر وإلا عد الطلب مقبولاً.. وطبقاً لأحكام قانون مجلس الشعب أو لمجلس النواب حالياً واللائحة الداخلية للمجلس فإنه قد جري تطبيق النص الذي يقرر حصانة النائب في عدة حالات فردية حيث يخطر النائب العام وزير العدل بما أجرته النيابة من تحقيق في الاتهام الموجه للنائب إذا كان يمثل جناية أو جنحة طبقاً لأحكام قانون العقوبات، ويجب أن يتوافر في تحقيق النيابة العامة أدلة كافية علي ثبوت التهمة الجنائية قبل النائب ويقوم وزير العدل بإحالة الأوراق إلي مجلس الشعب، ويتم دراسة الطلب في اللجنة التشريعية والدستورية، فإذا انتهت اللجنة بعد مراجعة أوراق التحقيق والاتهام وسماع دفاع العضو أن هناك أدلة كافية ومعقولة لصحة نسبة التهمة إلي النائب، وأنه لا يوجد شبهة تلفيق أو تضليل في الاتهام من النيابة العامة فإن اللجنة تعرض تقريرها مسبباً علي المجلس في أقرب جلسة للنظر في طلب رفع الحصانة البرلمانية عن العضو ويقرر المجلس بأغلبية أعضائه رفع الحصانة ما دامت التهمة لها أدلة معقولة تجعل الاتهام جدياً قبل العضو، أي أنه تتأكد اللجنة أنه ليس في الأمر أي دليل أو قصد علي أن الاتهام أساسه الكيد من الحكومة أو غيرها ضد النائب المتهم، خاصة لو كان ذلك التلفيق أو الكيد بسبب ممارسة العضو الرقابة البرلمانية ضد الحكومة!، وقد جري العمل في كل الدساتير السابقة علي الدستور الحالي علي موافقة المجلس علي رفع الحصانة أو صدور الإذن من مكتب المجلس في حالة غياب المجلس، ويتم إثر ذلك استكمال التحقيقات مع النائب وإحالته إلي المحكمة الجنائية المختصة لمحاكمته!

ولابد من التأكيد أن الحصانة البرلمانية ليست ميزة شخصية للنائب المتهم، وهي ليست مقررة لمصلحته الشخصية ليستغلها في تحقيق مغانم أو مكاسب غير مشروعة ولكنها مقررة لصالح المجتمع وهي ضرورة تفرضها الحياة البرلمانية واستقلال السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية وحتمية تحقيق الالتزام بالحرية والاستقلال للنواب في أداء واجباتهم البرلمانية!

وبناء علي طبيعة المسئولية البرلمانية وحتمية توفير الاستقلال والحرية لأعضاء البرلمان من أجل ضمان جدية وجدوي ممارسة الأعضاء لرسالتهم في خدمة الشعب وبمراعاة ضمان استقلال البرلمان عن السلطة التنفيذية فإن الرأي الصحيح أن الحصانة البرلمانية تشمل كل نشاط وتصرفات النائب سواء داخل البرلمان أو خارجه!، ولا يؤثر وجود حالات فردية محدودة من بعض النواب بإساءة استخدام الحصانة للتهرب من الخضوع للقانون لتحقيق مكاسب غير مشروعة لأن علاج هذه الحالات لا تكون بتقييد الحصانة البرلمانية، ولكن برفع الحصانة عن الأعضاء المنحرفين ومحاسبتهم ومحاكمتهم وإسقاط العضوية عنهم، هذا فضلاً عن أنه لا يخفي أن ما يطالب به المنادون بتحديد نطاق الحصانة البرلمانية يقتضي تعديل المادة 113 من الدستور ولا تسمح الظروف الحالية التي تمر بها البلاد بإجراء هذا التعديل قبل انتخاب مجلس النواب القادم بمراعاة القواعد والأحكام التي قررتها مواد الدستور لإجراء التعديل في الدستور، ولا شك في أن الدعوة إلي قصر الحصانة البرلمانية داخل البرلمان أمر غريب ولا يستند إلي أساس دستوري، ولا إلي مصلحة قومية ودستورية واضحة.

 

 

رئيس مجلس الدولة الأسبق