رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

حنان أبوالضياء تكتب عن: «راجعين يا هوى» نوستالجيا من لحم ودم

مسلسل راجعين يا هوي
مسلسل راجعين يا هوي

بفن الكتابة الأرابسكية، القادرة على غزل الابداع الفنى بالمعنى الحقيقى للنوستالجيا من الرجوع للبيت والأصل والشعور بالألم والوجع، القادر على إعادة المصالحة مع الذات، سار بنا السيناريست المبدع محمد سليمان عبدالمالك بين دروب إحدى أيقونات الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة فى مسلسل «راجعين يا هوى»، بينما أشعل شعلة الحنين رؤية المخرج المبدع محمد سلامة.

وتحولت النوستالجيا لشخصيات من لحم ودم بأداء متفرد، لنخبة من الممثلين عزفوا مقطوعة درامية تتأرجح بين غموض الماضى وأسراره، وما يحدث فى الحاضر بكل ما فيه من تناقضات، وصراعات، وجاء الوقت لمواجهتها ولكن بدون أن نغرق أنفسنا فى الماضى أو نتجنب أخطار الحاضر، كوسيلة لخلق مستقبل مختلف مبنى على الحقيقة، بعد الخروج من الدائرةٍ المفرغة لعدم مواجهة أنفسنا.
 

المخرج محمد سلامة فى «راجعين يا هوى» يستكمل مفرداته الابداعية التى لفتت الانظار اليه منذ أول أعماله فيلم «الطرحة» وفيلم «اللعبة» من تأليفه وإخراجه. ومسلسل «رحيم» الذى لفت الانظار اليه كمخرج قادر على التعبير بالصورة عن محتوى المشهد والتناغم بين الاضاءة المباشرة والظل وكأنه يرسم لوحة تعبيرية، يبدع فى داخلها الممثل، وتجلى هذا الأسلوب بوضوح فى مسلسل «موسى» العام الماضى.
 

ومازال الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة يؤكد مع كل عمل يعاد تقديمه له أنه الكاتب المتفرد، بالغوص فى تفاصيل الشخصية المصرية، بكل ما فيها من أصالة وما غزاها من تناقضات مع مر العصور. واستكمل «راجعين يا هوى» سلسلة الموضوعات الإنسانية الاجتماعية التى رأيناها من قبل فى ليالى الحلمية، الشهد والدموع، رحلة السيد أبوالعلا البشرى، أنا وأنت وبابا فى المشمش، ضمير أبلة حكمت، أرابيسك، الراية البيضاء.
 

ولقد كانت المعالجة والسيناريو والحوار لمحمد سليمان عبدالمالك بمثابة الجسر المتين الممهد الذى سارت عليه الشخصيات مرتدية رداء التحولات من عمل اذاعى الى دراما تليفزيونية معبرة عن حالنا فى 2022.
 

ليؤكد سليمان عبدالمالك مع كل مشهد أن الغلبة للكتابة الإبداعية وأن صاحب لوتس، مغامرات س، المكتب رقم 17، أخوة الدم، عملية المشروع السرى، استفاد من تلك التجارب لخلق نوع من الاثارة الهادئة القادرة على طرح القضايا والافكار من خلالها. والذى غاص من قبل فى تفاصيل الشارع المصرى من خلال مسلسله «باب الخلق»، وحالة التناقض بين الشخصيات والتى قدمها فى مسلسله «رسايل»، وبالطبع كانت نقطة التميز فى مسلسله «ممالك النار» الذى كان لقاءه مع بطل مسلسله خالد النبوى، الى جانب أنه تكنيك مختلف فى اسلوب السرد المعتمد على التفاصيل الخاصة بكل شخصية، نتيجة لتاريخها الذى رسمه لها المؤلف، فكانت شخصيات لها جذور وليست معلقة بالهواء، محدثة أحداثًا لها ما يبررها.
 

لقد كان محمد سليمان عبدالمالك واعيا بأبعاد شخصياته الرئيسية والثانوية، كل واحدة منها مربوط بالآخر، برباط شفاف، ناتج من تراكم عدد كبير من الأفعال التى مرت بهم، وبالتالى تتحرك الشخصيات فى تسلسل مدروس من الأفعال داخل الحدث.

ساعد على إنجاح المسلسل الاختيار المميز لأبطاله خالد النبوى، نور، هنا شيحة، أحمد بدير، أنوشكا، وفاء عامر، سلوى محمد على، إسلام إبراهيم، مصطفى درويش، محمد الصاوى، طارق عبدالعزيز، وأسماء شابة عديدة مثل نور النبوى، سلمى أبوضيف.
مسلسل راجعين يا هوي

واستطاع خالد النبوى السيطرة على مفردات شخصية بليغ الناتجة من تراكم الخبرات فكان محركا للحدث قادرًا

على اتخاذ القرار، والدخول فى صراعات عدة متوازنة مع تفاصيل شكله وهيئته، وقدراته النفسية التى تأرجحت بين هدف ظاهر مفروض عليه، وأحداث جديدة يكتشفها، بعد اتصال مجهول يخبره أن موت أخويه بفعل فاعل، وما بين الباحث عن القاتل غير المعروف هويته ودوافعه وبين ملاحقة عدو معروف «أبوعدنان» أعطاه فرصة للحصول على ملايينه أو قتله، يعيش مشاكل أخرى حول الخلافات التى تطحن ترابط أسرته.
 

ومع استمرار وتدافع الأحداث بمشاركة ابداعية لكل ابطال المسلسل نعيش قصصًا جانبية لشخصيات لا تتوارى عن المشهد الرئيسى بقصصها الفرعية كالعلاقة بين أحمد بدير وسلوى محمد على، ومشاكل هنا شيحة واسرتها. لتصبح كل شخصية فى المسلسل مؤثرة فى الحدث ولها تفاصيلها التى تميزها مثل الشخصية التى تؤديها أنوشكا. وشخصية وفاء عامر على الرغم من أنها مثيرة للأعصاب، فى المشاهد التى تظهر بها، ولكن أعتقد أن تلك طبيعة الشخصية.
 

وببساطة وتلقائية تتحرك نور فى محيط شخصية الطبيبة النفسية، التى تعانى هى نفسها من أزمات نفسية، بسبب فشل عاطفى سابق، وانفصال والديها، لتكون مع بليغ تفاصيل قصة حب تنمو ببطء، ولكن بأثر كبير عليهما، وعلى المحيطين بهما.
مسلسل راجعين يا هوي

ويلعب المكان دوما دورا دراميا فى كل أعمال أسامة أنور عكاشة، وفى «راجعين يا هوى» يضاف اليه دور جمالي، الى جانب أنه ركن أساسي من أركان العملية الإبداعية، فهو ليس مجرد خلفية للمشاهد ولكن يرتبط المكان بالحدث وهو جزء لا يتجزأ من تركيبة شخصية أبطاله، الى جانب دوره فى النسيج الفنى الدرامى، فأصبح المشهد البصرى مرتبطا بطبيعة الأشخاص فساعد فى توصيل الفكرة الى جانب الديكور والملابس والمكياج والاكسسوارات والإضاءة وزوايا التصوير خالقا مجموعة اللوحات البصرية، فكان منزل «عم جابر» وهو عبارة عن فناء «بيت السحيمى» فى حارة الدرب الأصفر بشارع المعز.
وتنقلت الاحداث بين «مسجد وسبيل سليمان أغا السلحدار» ومجموعة «السلطان منصور قلاوون» و«البيمارستان المؤيدى» و«بوابة درب اللبنانة» و«تكية تقى الدين البسطامى» ومسجد السلطان حسن والرفاعى بمنطقة القلعة. واختيار هذه الأماكن للتصوير أضاف ثراء للعمل الفنى. ومن المعروف أن استخدام الاماكن التاريخية فى التصوير من أهم ما كان يميز الدراما السورية.