رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
سامي ابو العز

أيادٍ من ذهب قهرت العواصف وبرد الشتاء

بوابة الوفد الإلكترونية

لحظات عصيبة عاشها المصريون خلال الأيام القليلة الماضية، رياح محملة بالأتربة وهواء شديد وبرودة لم يتحملها الكثيرون، الذين لجأوا إلى الاحتماء بمنازلهم وتحت الأغطية الوثيرة راحوا يخفون أجسادهم من «قرصة» البرد المفاجئة التى أعلنت عن قدوم الشتاء بقوة، ولكن هناك آخرين لم يستطيعوا أن يبقوا فى منازلهم، فحياتهم لا تحتمل رفاهية البقاء فى المنزل ولو ليوم واحد،

فمع صباح كل يوم يحاولون مواصلة رحلتهم فى الحياة، يضربون بما يواجهونه من مآسٍ عرض الحائط فى سبيل توفير لقمة العيش لأفواه جائعة تعتمد اعتمادا كليا على رب أسرة لا يمتلك إلا الفتات لسد رمق اطفاله، بطولات خاصة حققوها خلال مسيرتهم، لا يبالون ببرد الشتاء القارس ولا أمطاره، بل روضوا مطبات الأمطار والتقلبات الجوية فى صالحهم بالدعاء.

جولة ميدانية أجرتها «الوفد» فى عدة مناطق التقت خلالها بعض هذه النماذج التى تحدت أول جولة لبرد الشتاء، هؤلاء يجب أن يكونوا طاقة نور لغيرهم من الشباب الذين لا يملكون لأنفسهم أى دافع معنوى لكى يواصلوا الحياة بل استسلموا للبطالة، هذه النماذج هم الأبطال الحقيقيون الذين يجب أن نكرمهم ونلقى الضوء على مسيرتهم.

 

بائعة الصحف: علاج «بنتى» أهم من الرياح والأمطار

بينما كانت الرياح الشديدة التى تعرضت لها البلاد خلال الأيام القليلة الماضية تضرب بكل قوة، وجدناها تقف صامدة أمام « فرشة» الصحف التى تعمل عليها بمنطقة أرض اللواء بمحافظة الجيزة، لم تمنعها برودة الجو ولا الأتربة والرمال التى حملتها الرياح من مغادرة مكانها والاحتماء بمنزلها، فهمومها أكبر كثيرا من أن تتحمل رفاهية البقاء فى المنزل، فقد قضت السيدة الخمسينية بخيتة عطا بائعة الصحف الشهيرة بمنطقة أرض اللواء سنوات طويلة من عمرها تسعى من أجل تربية أبنائها، وقفت طويلا على الأرصفة ساعية من أجل لقمة العيش الكريمة المغموسة بالعرق والكفاح الشريف، بعد أن اتخذت من بيع الجرائد نشاطًا لها استكمالاً لمسيرة زوجها الراحل، الذى وافته المنية تاركا لها حملا ثقيلا، حتى أصبحت من أشهر بائعات الصحف بالمنطقة.

تجلس السيدة الخمسينية أسفل سلم الإليزية والذى يفصل بين حى المهندسين الراقى وبين منطقة أرض اللواء، ما إن تقترب منها حتى تنظر لك بابتسامتها الصافية، وتقول : «أؤمر تحب تقرأ إيه؟».

بخيتة عطا، والملقبة بـ«أم هانى» قالت إنها واجهت الأهوال لتربية أبنائها من بيع الصحف والمجلات، والذى أصبح على غير المعتاد مقارنة بالسنوات الماضية، وتابعت:«الناس زمان كانت بتقرأ جرائد والساعة 10 الصبح تلاقى كل الجرائد خلصت.. دلوقتى نص الجرائد بترجع مع المرتجعات». ومع ذلك فالربح القليل الذى أحصل عليه من بيعها يعتبر هو دخلنا الأساسى الذى أنفق من خلاله على أبنائي.

 وأشارت بائعة الصحف إلى أن أبناءها يفتخرون بها وبشقائها، ولهذا كانوا يساندونها فى عملها خاصة ابنتها نور، والتى كانت تظل معاها على الرصيف لساعات طويلة حتى تنتهى من بيع الصحف.

ولأن الرياح تأتى دائما بما لا تشتهى السفن، فلم يتوقف القدر عن اختباراته للسيدة بخيتة وأسرتها البسيطة، فبعد وفاة الزوج أصيبت ابنتها الكبرى بمرض السرطان اللعين، لتجد الأرملة المكلومة نفسها فى مواجهة شبح الموت مرة أخرى، الذى راح يهددها بسلب روح فلذة كبدها بعد أن سلبها والدها من قبل، إلا أن السيدة المحاربة رفضت الاستسلام، حملت ابنتها على كتفها وتوجهت بها لمعهد الأورام بحثا عن علاج، وتمكنت بمساعدات أهل الخير من إجراء جراحة لإزالة الورم اللعين، وطوال الأربع سنوات الماضية وهى تتوجه بابنتها إلى المعهد للحصول على جلسات العلاج الكيماوى للسيطرة على الورم الذى ينافس الفقر فى محاربة هذه الأسرة.

ورغم ذلك تحمد بخيتة ربها على كل شئ، ومع قدوم فصل الشتاء وما تشهده البلاد من رياح وأمطار وعواصف، لا تستطيع مغادرة مكان عملها فهو وسيلتها الوحيدة للحصول على لقمة العيش، وتوفير ثمن علاج ابنتها، وتقول إن هذا أقل ما يمكن أن تتحمله من أجلهم.

وتتذكر الأم يومًا كانت الأمطار تسقط بغزارة وكان لديها موعد مع طبيب بمعهد الأورام للكشف على ابنتها ولم تجد أى وسيلة مواصلات، وفى الوقت الذى كان الجميع يهرب فيه من التقلبات الجوية، حملت الأم ابنتها على كتفيها، وظلت تسير على الأرض المبللة تحاول أن تتجنب العثرات حفاظًا على سلامة ابنتها حتى وصلت لأقرب محطة مترو.

تصمت السيدة الخمسينية للحظات وتدخل فى نوبة من البكاء، ثم تعود لحديثها مرة أخرى قائلة إنها تحاول أن تواسى ابنتها لتخفف عنها أوجاع السرطان فى الوقت التى تعانى هى فيه من آلام الفقرات وهى تحملها أسفل الأمطار، وتابعت: «يمكن ربنا مدينى الصحة علشان أقدر أراعيها وأحملها على كتفى».

 

عامل تسليك بلاعات: «بحط إيدى فى البلاعة ومش عارف هترجع ولا لأ»

عقارب الساعة تدق الخامسة صباحًا، يستيقظ مُسرعًا لصلاة الفجر، ويتناول وجبة الإفطار فى عجالة ثم يخرج لمقر عمله داخل شركة المياه فى انتظار تليفون طواريء بوجود بالوعة مغلقة تحتاج للتسليك، خاصة فى وقت المطر حتى لا تتوقف حركة المرور فى الشوارع.

عيد عبدالملك خليل، عامل تسليك المياه، أحد الجنود المجهولين داخل شركة المياه، والملقب بـ«صاحب المهام الصعبة» تجده كثيرًا تحت الأمطار يحاول تسيلك البالوعات وشفط المياه، ليالى طويلة تخلى فيها عن الإحساس بالدفء مع الأسرة فى سبيل خدمة المواطنين.

«لما بيكون فيه أمطار ببقى طالع من بيتى روحى على كفي».. قالها عامل التسليك وهو يشعر بالفخر لما يقوم به، ففى الوقت الذى يسرع فيه المواطنون فى الشوارع هربًا من مياه الأمطار ويحتمون بمنازلهم، يبدأ عمل «عم عيد»، الذى لا يبالى بالأمطار الشديدة ولا الرياح قائلا: « ربنا بيقوينا لأنى بعمل اللى عليا وبستحمل لسعة البرد مع المطر.. المهم مصالح الناس لا تتوقف».

استكمل الرجل الستينى حديثه منوهًا

إلى أن البالوعات وقت الأمطار تشكل خطرًا على أرواح العمال إذا كانت ملامسة لسلك كهرباء أو بها أى شئ خطير جرفته مياه الأمطار إلى البلاعة، وتابع: «الواحد بيحط إيده فى البلاعه ومش عارف إذا كانت هترجع تانى ولا لأ».

وأضاف قائلا: «جسمى بيبقى تلج بعد ما بخلص شغل الطواريء فى الأمطار، ولكن كله بيتنسى بمجرد ما بدخل البيت بعد يوم عمل طويل وأحس بدفء الأسرة» وتابع: «كتير بتعرض لنزلات برد حادة ولكن ربنا الحافظ وبيدنى الصحة علشان أخدم الناس».

 

ملاك الرحمة: «تخفيف آلام المرضى جائزتى الكبرى»

3 سنوات ظلت خلالها تكد وتجتهد لترى ابتسامة المريض وتسمع دعاءه لها «ربنا يكرمك يا بنتى ويديكى الصحة»، دفعتها الكثير من الظروف للبيات فى المستشفى بسبب الأمطار والتقلبات الجوية.

ناهد محمود، واحدة من آلاف الممرضات اللاتى استطعن رسم البسمة على وجوه الكثير من المرضى بحسب شهاداتهم لنا.

حصلت «ناهد» على دبلوم المعهد الفنى الصحى، وبعدها بدأت عملها الميدانى داخل المستشفيات، وتعد هى الأكثر تضررًا من مآسى أجواء الشتاء خاصة وأنها قد تقضى أيامًا وليالى على كرسى أمام المرضى لكى تخفف من آلامهم.

«بسمة واحدة من المريض بتنسينى كل تعبى».. قالتها «ناهد» بفخر شديد، مشيرة إلى أنها كثيرًا ما تجبرها الظروف سواء الأمطار أو أحوال المرضى الصحية إلى البقاء فى المستشفى.

وتابعت: «اتجوزت وجوزى كان عون لى فى عملى وسند نفسى، وكان دائما يقول لى بأن ما أفعله هو أجر عند الله عز وجل، فلا يمانع إذا أجبرتنى الظروف للعودة متأخرة إلى المنزل».

وأشارت «ناهد» إلى أنها كثيرًا ما تتنظر سقوط الأمطار فى الشتاء للدعاء لمريض أمامها يحتاج للدعوة خاصة إذا كان وحيدًا.

تصمت «ناهد» قليلاً لتتذكر موقفًا لا ينسى قائلة إنها ذات يوم كانت مسئولة عن متابعة مريض بين الحياة والموت وكان ذلك فى فصل الشتاء، ومع أذان الفجر ظلت تدعو له حتى ساعات الصباح، وحدثت المفاجأة حينما استيقظ المريض من غيبوبته ودعا لها بالصحة.. وأضافت قائلة: «وقتها نسيت كل تعبى.. فيه حاجات كتير حلوة بتعوضنا عن التعب والشقى».

 

عامل اليومية: «لو نمت فى البيت يومين مش هلاقى آكل»

جلباب مليء بالأتربة يعتليه شال صوف، يرتديه رجل أسمر اللون تركت سنوات عمره الأربعون أثرها على وجهه الشاحب، لسان حاله راضٍ بقضاء الله.. هكذا هو حال عبدالعال الصواف، عامل باليومية التقينا به فى منطقة المرج الجديدة.

يوم «عبدالعال» يبدأ من الساعة السادسة صباحًا يخرج من منزله الكائن فى شارع محمد نجيب بمنطقة المرج الجديدة مترجلاً حتى موقف الأقاليم بجوار المترو.

يجلس الرجل الأربعينى بجوار زملائه من عمال اليومية فى انتظار أحد أصحاب الأعمال، وقال «عبدالعال»: «كل واحد ليه رزق محدش بياخد رزق حد».

متاعب الحياة لا تجعل عامل اليومية يقف مكتوف الأيدى بل اعتاد «تشمير الأكمام» لمواجهتها، فما بين آلام الفقرات وتورم الأقدام يحاول «عبدالعال» التأقلم مع عمله حتى يستطيع سد احتياجات أسرته المكونة من 5 أفراد.

ورغم الرياح الشديدة والأتربة المصاحبة لها والشتاء وما يصاحبه من أمطار وجدناه يعمل بجد واجتهاد، يقبض بيده على الشاكوش محاولاً تكسير بعض الطوب وباليد الأخرى يحتمى ببعض الأكياس البلاستيكية أو شكائر الأسمنت التى يضعها على رأسه لتحميه من الأتربة .

«لو نمت فى البيت يومين هشحت ومش هلاقى آكل» هكذا لخص «عبدالعال» حاله مؤكدا أنه مهما كانت حالة الجو فهو لا يستطيع البقاء فى المنزل، مشيرا إلى أن أبناءه فى مراحل التعليم المختلفة، بداية من الثانوية العامة حتى المرحلة الإبتدائية ويحاول جاهدًا أن يوفر لهم المال لتعليمهم، موضحا أنه يرفض أن يساعده أى منهم فى العمل حتى يتفرغوا للتعليم قائلا «نفسى أشوفهم فى أماكن مرموقة» موضحا أنه «لو سقطت السيول هطلع واشتغل، مؤكدا أن أسبوع المطر كله رزق وشغل».