رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مترجمون ومبدعون: لهذه الأسباب أهملنا الأدب الأفريقي ونحتاج لعمل مؤسسي عربي

بوابة الوفد الإلكترونية

كان لفوز عبدالرزاق غورنا " قرنح" التنزاني الجنسية بجائزة نوبل للآداب وقع مثير في العالم العربي، خاصة أن إنتاجه الأدبي لم يطرح من قبل عربيًّا، فلا توجد ترجمة واحدة للغة العربية لأي من إبداعه، وهو ما يضعنا جبرًا أمام حقيقة واحدة، أن نسبة اهتمامنا بترجمة الأدب الإفريقى عامة تكاد تكون معدومة.

 

اقرأ أيضا.. في دراسة حول غورنا أديب نوبل.. سرد القوة والبشر والعلاقات

 

وفي الواقع فإن جملة ما نشر من ترجمات الأدب الإفريقى لا يتناسب مع علاقاتنا التاريخية بإفريقيا، وربما كان حادث الاعتداء على الرئيس الأسبق مبارك فى أديس أبابا عام ١٩٩٥ سببًا في ابتعادنا عن إفريقيا، سياسيًّا وثقافيًّا.

 

وبالعودة إلى ستينيات القرن الماضي نجد أنه قد سبق لنا الاهتمام بترجمة الأدب الإفريقي، وكانت ترجمة الروايات والأشعار قليلة، ثم أصدرت المنظمة الأفروآسيوية مجلة لوتس فى 1968 لتصبح نافذة للأدب والنقد الإفريقي، لكنها توقفت عن الصدور، ونسى المترجمون أن هناك ما يعرف بالأدب الإفريقى، حتى فاز الأديب النيجيرى «وول سوينكا» بجائزة نوبل عام 1986، وهو ما لفت أنظار المترجمين لإبداعاته، ثم بعدها بعامين فاز  «نجيب محفوظ» بنوبل، ثم الأديبة الجنوب إفريقية «نادين جورديمر» وغيرها، وكانت الجائزة اعترافا بنضج وعالمية الأدب الإفريقى، فاطلع المثقفون فى العالم على إبداعات مكتوبة بالإنجليزية والفرنسية لشعراء مثل «سنجور» و«إيمى سيزر»، وقاص مثل «عاموس تيتولا»، وروائيين مثل «تشينوا أتشيبي» و«جيمس نجوجي» و«بيتر إبراهام».

لكنها جميعا ترجمات ركزت على النقل من الإنجليزية والفرنسية، وهناك جهود قليلة تتم على استحياء تهتم بالترجمة من اللغات الإقليمية مثل السواحيلية المنتشرة بشرق إفريقيا، تقوم بها كلية اللغات والترجمة، والمركز القومى للترجمة، إلا أنها لا تكفي لاحتواء هذا الزخم من الأدب الأفريقي.
 

يطرح كل ما سبق تساؤلا حتميا؛ مفاده ما أسباب قلة ترجمة الأدب الأفريقي للعربية، هل ترجع إلى أن المترجمين العرب يضعون الأدب الإفريقى فى منزلة أدنى من الآداب الأوروبية دون إدراك لعمقنا الإفريقي، وهل للنقد دور في لفت نظر المترجمين للأدب الافريقي؟، أم أن لدور النشر ومتطلبات سوق الكتاب يدًا في الأمر؟

وضعنا تساؤلاتنا تلك بين يدي مترجمينا ونقادنا ومبدعينا؛ علنا نجد لديهم إجابات شافية.

 

 

* التكلفة المادية واختلاف الذائقة وسوق النشر..أسباب تراجع حركة الترجمة

 

بداية يؤكد المترجم ميسرة صلاح الدين أن حركة الترجمة رغم ازدهارها الكبير في السنوات الماضية الا انها تعتبر في بداياتها، ورغم الخطوات الهامة في ترجمة عناوين مهمة وكتاب وشعراء من جنسيات مختلفة وتقديم أعمالهم إلى القارئ العربي
والتزايد الملحوظ في عدد المترجمين، لكن المحصلة أن المترجم ما زال أقل بكثير من مواكبة حركة الأدب العالمي، وخصوصا للكتاب المعاصرين، ويرجع ذلك لفجوة اساسية بخصوص الحقوق والتكاليف المادية التي تدفع كثيرًا من الناشرين لتجنب الأعمال الحديثة.
ويضيف ميسرة أن هناك سببا آخر يتعلق بالكتاب الأجانب ودور النشر الأجنبية التي لا تسوق لأعمالها بشكل كافٍ، ومع كثرة المطروح ولوجود أعداد ضخمة من الكتابات العامة غير مترجمة، مما يؤدي لضياع فرص التعرف على العديد من الكتاب الجادين.
موضحا أن هناك سببًا مهمًا يتعلق بالذائقة والثقافة المحلية التي مازال امامها كثير من الوقت للتطور واستيعاب كل أشكال وتيارات الكتابة الجديدة، فمع الاسف كثير من الاسماء لكتاب مصريين وعرب لهم اهمية واضحة وبصمة كبيرة في الفن والإبداع لكنهم غير معروفين و لا تُقرأ أو تناقش أعمالهم بشكل كافٍ، فكيف تواكب هذه الذائقة أحدث ما يكتب في الادب العالمي؟!

أما فيما يخص ترجمة الأدب الأفريقي، فيقول صلاح الدين:
من وجهه نظري ينقسم الأدب الأفريقي لنوعين أساسيين:
النوع الاول الكتاب الأفارقة الذين يكتبون بلغتهم المحلية ويعيشون داخل قارتهم السمراء ويعبرون عنها، وهناك حواجز قوية متمثلة في اللغة والثقافة وأولويات سوق النشر تعطل حركة الترجمة والنشر لهذا الأدب، والنوع الثاني هم الكتاب الافارقة المغتربون والمهاجرون والذين يكتبون بالإنجليزية والفرنسية مباشرة في الاغلب، ورواياتهم وإن دارت في أجواء افريقية او حول تجربتهم في الخروج من افريقيا
لكنها أقرب للذوق الأوربي وللمناخ الغربي الذي يقدر على تسليط الضوء ومنح الجوائز، وهذا الطراز من الكتاب له خصوصية فريدة تدفعه بشكل أسرع إلى الاقتراب من حركة الترجمة وتسوق له بشكل جيد نسبيا مقارنة بغيره من الكتاب الأفارقة.

وفي تعليقه على عدم ترجمة أعمال عبدالرزاق غورنا للعربية، يختتم ميسرة صلاح الدين رأيه قائلا: إن غورنا قبل فوزه بالجائزة كان خارج التصنيف وخارج دوائر الضوء، ولكنه أصبح محط أنظار العالم وسيتغير موقعه من حركة الترجمة بشكل سريع، مع الاسف الحكم في الاغلب ليس حكما على القيمة ولكنه حكم تسويقي يتحكم فيه بجانب الذائقة الأدبية قواعد ادارة رؤوس الأموال ومتطلبات السوق.

 


 

* نحتاج عملًا مؤسسيًّا عربيًّا يعمل على الترجمة من وإلى اللغة العربية

 

فيما يرى الكاتب والناقد منير عتيبة، مدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية أنه من الطبيعي أن تثار الكثير من الأسئلة بعد أن يفوز كاتب تنزاني لم يسمع اسمه أحد منا من قبل بجائزة نوبل. لكن لندع هذا الكاتب جانبًا، وننسى نوبل بما لها وما عليها، ولنسأل أسئلة أخرى؛ إضافة لهذه الأسئلة المتعلقة بالأدب الأفريقي: هل نترجم ما يكفي لمعرفة آداب شعوب آسيا، هل نترجم ما يكفي من آداب شعوب أوروبا الصغيرة، هل نترجم ما يكفي لمعرفة اتجاهات الكتابة الحقيقية في أمريكا الجنوبية. هل نعرف خريطة الكتابة الحقيقية العربية نفسها، بل والمصرية، هل نعرف كتاب الوادي الجديد وسيناء والصعيد، والكتاب غير المتصلين بالدائرة الإعلامية في المحافطات الكبرى ومنها القاهرة نفسها؟؟ هذه الأسئلة التي تطرح إجاباتها بنفسها تبين واقع الحال. وهو واقع صعب لكني لا أحب أن نجلد أنفسنا فيه. فالرجل الذي فاز بنوبل لا يعرفه أحد ف العالم تقريبًا، والترجمة عملية اقتصادية فمن يصرف عليها، هناك بعض الدول تضع ميزانيات لترجمة أدبها، لذلك يروج ويهتم به المترجمون. القارئ يقبل على الذي اشتهر في العادة، فلماذا نلوم المترجمين أو الناشرين. ولنسأل السؤال العكسي، كم الذين فوجئوا في العالم باسم لا يعرفونه عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟ لأن المشكلة العكسية موجودة أيضًا، أدبنا لا يترجم إلا بجهود شخصية وفي نطاق محدود. فهل حان الوقت لعمل مؤسسي عربي، يعمل على الترجمة من وإلى اللغة العربية؟ هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى خطة عمل

تتعاون فيها العديد من المؤسسات العربية الكبرى.



 

* يجب تفعيل حركة ترجمة مضادة

 

بينما يقول الشاعر والقاص والمترجم محمد الحديني:
على مدار سنين طويلة ومنذ بداية تشكل إدراكي، صرت أؤمن بمقولة القاعدة ألا قاعدة، ولذلك لم أعد أندهش من أمور كثيرة تحدث من حولي.
الأمر ببساطة أن الأفعال البشرية لا قاعدة لها وقد تكون غير متوقعة لأن فاعليها بشر بمنتهى البساطة. وهذا الأمر أصبح ينسحب على الكثير من الأحداث التي قد يراها البعض غريبة وغير متوقعة ومنها ما تم في 2016 عندما مُنحت جائزة نوبل في الآداب إلى المغني وكاتب الأغاني الأمريكي بوب ديلان وتكرر الأمر العام الماضي عندما مُنحت الجائزة نفسها للشاعرة الأمريكية لويز جلوك، ورغم أن الكثيرين توقعوا أن تذهب الجائزة هذا العام إلى اسم معروف إلا أن العكس هو ما قد حدث حيث مُنحت الجائزة  للأديب التنزاني الأصل عبد الرازق جورناه أو عبد الرازق جورنا أو عبد الرازق قورنه،
(أنا لم أخطيء في كتابة لقبه ولكنني بالفعل قرأته هكذا في أكثر من منصة إلكترونية!).
عبد الرازق جورناه البالغ من العمر 73 عاما لم يكن ملء السمع والبصر أو معروفا من قبل الكثيرين رغم أن له عشر روايات منشورة كتبها بالإنجليزية على مدار السنين الماضية وفوزه بالجائزة هذا العام من المؤكد سيضع أمامنا عدة أمور ومنها:
من الممكن أن تُمنح جائزة نوبل لكاتب غير مشهور. يبدو أن الجائزة لم تعد حِكرا على الكُتاب ذوي البشرة البيضاء فمن الممكن أن تمنح لكاتب ملون حتى وإن تم الأمر كل عدة أعوام وعن قصد بغرض عدم وصف الجائزة بالعنصرية.

ويضيف الحديني:  من الواضح أن الكتابات التي تعالج القضايا الخاصة بالمهاجرين والمهجرين والمثليين والملونين أصبحت محط اهتمام لجان التحكيم في الجوائز الكبرى. فيجب ألا ندفن رؤوسنا في الرمال ونعترف بأن هناك تقصيرا من الهيئات الثقافية المصرية والعربية تجاه ترجمة الأعمال الأدبية عموما والأدب الأفريقي خصوصا والدليل عدم وجود أي كتاب مترجم إلى العربية من أعمال أديب نوبل عبد الرزاق جورناه رغم أنه وصل من قبل لقائمة جائزة البوكر.
ويرى الحديني في نهاية حديثه أنه يجب تفعيل حركة ترجمة مضادة، وأقصد هنا أن تقوم مؤسساتنا الثقافية الرسمية وغير الرسمية بترجمة الأعمال الأدبية من مختلف الأجناس الأدبية إلى لغات أخرى بما يحقق انتشارها عالميا وتعريف الآخر بهويتنا وتنوعنا الثقافي وهو أمر قد نجني ثماره مستقبلا بتكرار إنجاز الأديب العظيم نجيب محفوظ.

 


 

* لهذه الأسباب شهدت ترجمة الأدب الأفريقي كبوات لكنها ستعود بالتدريج

 

فيما يقول الناشر والكاتب أسامة إبراهيم، مدير دار النخبة، إن الملاحظ ان تراجع الأدب الافريقي تزامن مع تغير التوجهات السياسية المصرية بشكل حاد في مرحلة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال الفاشلة في أديس أبابا، ومن قبله توجه الرئيس أنور السادات إلى توطيد العلاقات مع الغرب ودول الخليج على حساب العلاقات المصرية الافريقية.
ويضيف أسامة: إذن الانسحاب السياسي المصري من العمق الافريقي كان له أثر جوهري في ضعف حركة الترجمة إلى اللغة العربية والعكس، وفي نفس الوقت تقريبا توقف اهتمام المؤسسات الثقافية المصرية بالتواجد في الفعاليات الثقافية الافريقية مما تسبب في حدوث ما يشبه القطيعة بين الآداب المصرية والافريقية.
  ويتابع أسامة إبراهيم قائلا:  لكني أتوقع ان اهتمام القيادة السياسية المصرية بتعميق العلاقات مع افريقيا، سيصحبه عودة الترجمة من وإلى الأدب الافريقي، ومما يساعد على ذلك تحمس دور النشر المصرية للمشاركة في معارض الكتب الدولية التي يعلن عنها بين الحين والآخر، وهذا الأمر كفيل بتشجيع حركة الترجمة وعودتها للازدهار من جديد مثلما كان عليه الحال في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

وعن موقفه كناشر من الأدب الأفريقي يقول أسامة إبراهيم : إنه منذ خمس سنوات مضت حرصنا في دار النخبة  بشدة على استقطاب الأدب الافريقي من خلال نشر أعمال روائية وقصصية وحتى دواوين شعرية لكتاب أفارقة باللغة العربية زادت على 40 عنوانا من دول عربية، مثل الكُتاب عثمان نواي، الطيب محمد جادة، هاشم محمود، وغيرهم، إضافة الى تبني نشر مشروع ترجمة القصص المصرية المميزة للغة الإنجليزية بهدف ترويجها في الدول الافريقية.