رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سرايا "العُمدة العطافى".. إفطار وسحور وسماع قرآن بصوت كبار القراء

 سرايا «العُمدة العطافى»
سرايا «العُمدة العطافى» سرايا «العُمدة العطافى»

إفطار وسحور وسماع قرآن بصوت كبار القراء

 

تظل سرايا «العُمدة العطافى» التاريخية الواقعة فى مدينة بيلا، بمحافظة كفر الشيخ، والتى تخطى عُمرها قرنا من الزمان، علامة مُميزة فى المبانى ذات الطراز المعمارى المُميز، وصاحبها كان واحداً من أهم الشخصيات التاريخية فى كفر الشيخ، ألا وهو «العُمدة العطافى المنشاوى»، عُمدة بيلا الذى تولى مقاليد الحُكم المحلى أوائل القرن العشرين، وكان واحداً من أشهر الشخصيات فى مصر.

وكان فى السابق إذا جاء شهر رمضان المبارك مُدت موائد الرحمن فى ساحة السرايا طوال الشهر إفطاراً وسحوراً، مُستعدة لاستقبال البُسطاء، الذين كانوا يُشاركون «العُمدة العطافى» فى مآدب الإفطار والسحور ويستمعون معه إلى آيات الذكر الحكيم من كبار القراء، ومنهم القارئ الراحل الشيخ أبو العينين شعيشع، نقيب قُراء مصر السابق، والقارئ الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل، وغيرهم.

وكانت سرايا «العُمدة العطافى» العامرة تُضاء بالأنوار الكثيرة وتُزين بالزينات والفوانيس لإحياء ليالى شهر رمضان، ويُعد عدد كثير من المقاعد فى حديقة السرايا لجلوس المئات الذين كانوا يقبلون لسماع آيات الذكر الحكيم.

ويُعتبر «العُمدة العطافى» هو أول من أدخل جهاز الراديو فى بيلا عام 1934م، وكان يضعه فى شرفة السرايا كل مساء فى شهر رمضان كغيره من أيام العام لسماع آيات القرآن الكريم والابتهالات الدينية بصوت كبار القراء والمُنشدين فى ذلك الوقت، ويصطف كل أهالى بيلا أمام السرايا ليستمعوا لهذا الجهاز العجيب والغريب فى ذلك الزمان، وفى الأيام الأخرى من غير رمضان كانوا ينتظرون بشوق كبير سماع حفلات سيدة الغناء العربى أم كلثوم التى كانت تُقام الخميس الأول من كل شهر.

ويرجع تاريخ إنشاء سرايا «العُمدة العطافى» إلى عام 1917م، حيث شيدها مُهندس يهودى من أصل أوروبى، على الطراز الإيطالى الكلاسيكى، وعُرف مُحيط السرايا لاحقاً بـ«حى العطافى»، نسبةً إلى مالك السرايا وهو «العُمدة العطافى المنشاوى»، والذى يُعد أحد الشخصيات المُؤثرة التى تولت مقاليد الحُكم المحلى فى مركز ومدينة بيلا مع بداية الثلاثينات من القرن الماضى.

السرايا التى مرّ على تاريخ إنشائها 105 أعوام، تقع على مساحة 1150 مترا، وتتكون من بدروم، وطابقين علويين، كل طابق يحتوى على 8 غُرف، ودورتى مياه، وصالة استقبال كبيرة، ويُحيط بالسرايا سور، وحديقة صغيرة، وعن طريق السُلم الخشبى الداخلى يُمكن الوصول للطوابق العليا من السرايا، أما البدروم فكان به المطابخ والجراجات وحُجرات الخدم، وهى ضمن المبانى التاريخية والخاضعة لقانون رقم 144 لعام 2006م، وقد صدر كشف حصر لها من قبل مجلس الوزراء لعام 2009م على أن تكون تحت إشراف الجهاز القومى للتنسيق الحضارى والذى يتبع وزارة الثقافة، كونها تُعد تُحفة معمارية فريدة من نوعها ذات طراز معمارى مُتميز.

كانت سرايا «العُمدة العطافى» على موعد مع الشهرة حينما زارها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عام 1954م، بصُحبة أعضاء مجلس قيادة الثورة، لافتتاح مقر الاتحاد الاشتراكى فى وسط مدينة بيلا، وبدأ «ناصر» الزيارة بالتوجه إلى السرايا مع صديقه البكباشى أركان حرب محمد على المنشاوى، أحد الضباط الأحرار، وابن شقيق «العُمدة العطافى»، وصاحبه خلال الزيارة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، والمُشير عبدالحكيم عامر، وعزيز صدقى، رئيس وزراء مصر الأسبق، وآخرين من الشخصيات العامة والسياسية.

وكان فى استقبال «ناصر» وأصدقائه الآلاف من أهالى مدينة بيلا ومحافظة كفر الشيخ، الذين خرجوا من كل حدب وصوب لاستقبال موكب الرئيس من أول المدينة، وحتى سرايا «العُمدة العطافى»، فضلاً عن كبار الشخصيات العامة فى ذلك الوقت، وأعضاء مجلس الأمة، وتناول الزعيم خلال الزيارة وجبة الغداء فى سرايا «العُمدة العطافى»، وجلس على مأدبة الطعام التى شملت أطياف عديدة من أبناء الشعب المصرى، وأبدى «ناصر» إعجابه الشديد بالسرايا.

وقد غطت الإذاعة المصرية الزيارة التاريخية للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وأعضاء مجلس قيادة الثورة، إلى سرايا «العُمدة العطافى» ببيلا، بحضور الإذاعى الكبير الراحل جلال معوض، والإذاعية الكبيرة الراحلة آمال فهمى، والتى أفردت لها حلقة خاصة فى برنامج «على الناصية» الشهير وقتها.

وعلى غرار هذه الزيارة، طلب البكباشى أركان حرب محمد على المنشاوى، من وزير الداخلية وقتها البكباشى أركان حرب زكريا محيى الدين، إلغاء العُمودية فى بيلا وتحويلها إلى مجلس مدينة يتبعها قريتى «الحامول وبلطيم» وتوابعهم، تابعين لمحافظة كفر الشيخ المحافظة الجديدة التى انفصلت عن الغربية، ولأول مرة وكان له الفضل حيث كانت بيلا قرية وعُمدية تابعة لمركز طلخا التى كانت وقتها تابعة لمحافظة الغربية، قبل أن تتبع محافظة الدقهلية فى الوقت الحالى، وصدر القرار وتحولت إلى مجلس مدينة بيلا تضم قرى وتوابع حتى بحر بلطيم.

ولعلّ المُشير عبدالحكيم عامر، القائد العام للجيش والنائب الأول لرئيس الجمهورية فى ذلك الوقت، كان أبر المُترددين على سرايا «العُمدة العطافى» الخميس من كل أسبوع، فكان يصل من القاهرة مع حلول العصر، ليأخذ قسطاً من الراحة فى إحدى غرف السرايا التى خُصصت له، ثم يستيقظ قبيل أذان المغرب، ويتناول وجبة الغداء، مع صديقه البكباشى أركان حرب محمد على المنشاوى، ثم يجلسان يتسامرن ويلعبان «الدومينو» حتى صباح يوم الجمعة، ومن ثم يُلملم «عامر» أغراضه الشخصية، ويستعد للسفر إلى القاهرة، دون أن يشعر به أحد.

كما زار السرايا أيضاً، القائد العسكرى المصرى الراحل الفريق أول فؤاد الدجوى، الحاكم العسكرى العام لقطاع غزة الأسبق، والذى سبق أسرِه فى إسرائيل، وتولى فيما بعد رئيس محكمة الثورة، وكان القاضى الذى حكم على سيد قطب بالإعدام عام 1965م.

الجدير بالذكر أن نجل «العُمدة العطافى» هو الوزير الراحل المهندس السيد المنشاوى، المُلقب بـ«أبو التعاونيات فى مصر»، وهو منصب يُساوى منصب وزير الصناعة والتجارة فى الوقت الحالى، وكان الوزير مُتزوجاً من ابنة الشيخ عبدالمجيد سليم، شيخ الأزهر الشريف، فى ذلك الوقت، وقد زار كل دول أوروبا وأمريكا ومُعظم باقى دول العالم مُمثلاً للدولة المصرية، وقد عمل أستاذاً غير مُتفرغ للدراسات العُليا بجامعتى عين شمس والإسكندرية بجانب منصبه الرسمى.

ورغم هذه القيمة التاريخية التى تتمتع بها سرايا «العُمدة العطافى» إلا أنها تُعانى من الإهمال، وباتت مُهددة بالانهيار فى أى وقت، وتنتظر إزالة الغبار عنها، وإنقاذها من السقوط، بعد أن استمرت صامدة لقرن من الزمان.