رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

في ذكراه.. بين إنسانيته وتفرد إبداعه.. زهران الذي يحيا هناك

بوابة الوفد الإلكترونية


بينما تحل ذكراه الأولى، تطفو على السطح غصة، ربما هي غصة الفراق والعجز عن اللقاء، إلا أن ما خلف الكاتب والقاص محمد عبدالمنعم زهران، من إبداع متفرد، ونبل نادر وإنسانية حقة، يجعله دائم الحضور عند محبيه وقرائه ومريدي أدبه.
بالأمس مر عام كامل على رحيل القاص والمسرحي والشاعر محمد عبدالمنعم زهران، ابن محافظة المنيا، والذي ترك إرثًا إبداعيًّا مختلفا، فما بين أربع مجموعات قصصية وثلاث مسرحيات ومجموعة قصص أطفال وديوان شعر، ومجموعة مترجمة، ورواية لم تطبع، جاء إنتاجه الأدبي، الذي حاز عن معظمه ما يربو على خمس عشرة جائزة أدبية داخل مصر وخارجها، كان آخرها جائزة يوسف إدريس في القصة القصيرة ٢٠٢٠، عن مجموعته "سبع عربات مسافرة"، كما تم تكريم اسمه مؤخرا في مؤتمر أدباء مصر بالوادي الجديد.

ولأن أمل الكاتب، أي كاتب، أن يظل اسمه عاليا خفاقا في سماء الإبداع، بعد رحيل جسده عن دنيانا، وأن تظل سيرته إنسانًا وأبًا وحبيبًا وصديقًا، يضوع عطرها فواحًا؛ لذا كان رصدنا هذا، لإنسان اجتمعت الآراء على نبل شخصه، وأديب اتفق النقاد والقراء على تفرد إبداعه، فما بين أصدقاء يبثونه حبا، ونقاد ومبدعين تناولوا إبداعه، يأتي تقريرنا حول شخص زهران إنسانا ومبدعا..

 

* أصدقاؤه: كان شريك الحلم.. ملائكي الخصال

_ الكاتبة والقاصة رباب كساب: زهران لم يرحل

بداية تصف الكاتبة رباب كساب شعورها تجاه رحيل زهران، فتقول:

حقا لا أعرف حقيقة علاقتي بالموت، ذلك الذي اعتدت أن ألتقي أفعاله بحالة من الصمت، وعدم التقبل، أستغرق  وقتا طويلا لاستيعاب ما يحدث، لكن ما حدث بعد وفاة صديقي القاص الرائع الموهوب محمد عبد المنعم زهران كان الفعل الأعجب والأغرب. 
لقد وضع عقلي ستارا أخفى الشخص تماما منذ تلك اللحظة التي سمعت فيها صوته متعبًا مريضًا والكلمات ثقيلة ضائعة، ثم الرسائل المغلوطة، حينها عرفت ما سيحدث ونزلت تلك الستارة  كأن محمدا لم يكن موجودا، أو أننا لم نكن نعرف بعضنا بعضا من الأساس، وكأن كل ما يحدث يحدث لشخص آخر، ليس محمدًا، هذا العزاء الذي حضرته، تلك الكلمات التي رثيته بها، كأنها لغيره، لم يكن من السهل تقبل أن صديقي الذي كان يشاركني الحلم وساعدني لتخطي عقبة قوية، صديقي الذي كنا نتحدث لمدد طويلة عن كل شيء وأي شيء، لم يعد له وجود، وأن تلك الأحلام التي كانت تملأه ليستعيد سنوات نشاطه بعد توقف طويل قد ذهبت ولم يعد صاحبها هنا ليحلم، وأنني لن أسمع نبرة الصوت الفرحة بكتابة نص جديد أو العمل على فكرة جاءته بينما يجلس على المقهى ليتابع مباراة لكرة القدم، لن يطلب مني أن أرسل له أسماء الأفلام الجديدة التي شاهدتها، لن يقرأ نصوصي!
وها أنا في ذكراه أعترف أنني لا أستطيع أن أنعيه، لا أستطيع أن أشارككم ذكرى لشخص في نظري لم يرحل.

 

 

الشاعر إسلام سلامة: زهران.. اسمًا وصفة

 

يتحدث الشاعر إسلام سلامة عن نبل زهران بقوله: هل رأيتم أحدًا من قبل يعتذر لأصدقائه عن مرضه؟ والله هذا ما حصل معي يا عالم، أنا أعتبر أن أية كلمات بعد موقف كهذا لن تفي ولن تعبر عن مدى جمال روحه وشخصه، إنه "محمد عبد المنعم زهران" وكفى، لا يحتاج مع اسمه أي صفة أخرى، هو اسم وصفة في نفس الوقت، قررت من وقتها بيني وبين نفسي أن أصف كل شخص أرى فيه إنسانية ودماثة وجمالا بأنه "زهران".
الحكاية حدثت في آخر مكالمة بيني وبينه، بعد أن كان قد بدأ يتماثل قليلا للشفاء بعد عملية جراحية أولى كان قد أجراها، وكان قد سُمح له بالتواصل عن طريق الهاتف، حادثته لأطمئن عليه، ولأول مرة بعد عدة محاولات وجدته يجيب بنفسه، بكلمات قليلة وصوت خفيض وبدا أنه يجاهد في إخراج الكلمات بعد ما أحسست أنه يرتب الحروف أولا في رأسه قبل أن ينطقها، إلا أنه رغم ذلك لم يخل صوته من نبرته الدافئة الحميمية، أنهيت المكالمة بسرعة حتى لا أثقل عليه، ولا أنهار أنا أيضا في حديثي باكيا ومشفقا. إلى هذا الحد فالموقف عادي جدا، ولكن ما حدث بعد انتهاء مكالمتنا هو اللا عادي بالمرة، وجدته يرسل إليّ رسالة نصية على الماسنجر يعتذر لي فيها عن صعوبة حديثه، وأنه ربما كلماته لم تكن مفهومة بالنسبة إلي أثناء المكالمة، ساعتها فعلا لم أستطع أن أتمالك نفسي. ياااه يا زهران! أية طينة تلك التي خُلقت منها؟! لا، بل أي نور هذا الذي يسطع في روحك يا صديقي؟! بعد الحديث عن هذا الموقف لكم أن تتخيلوا كيف سيكون الحديث عن شخصه الفريد وإبداعه المتفرد الذي انعكست عليه كل تلك الملائكية حديثا قاصرا، أنا لا أبالغ، هو فقط "زهران" وبعدها ضعوا ما شئتم من صفات وخصال.


الفنان التشكيلي شريف الجلاد: كان سندًا أحب الجميع

بينما يبثنا صديقه ورفيق دربه الفنان شريف الجلاد شوقه لصديقه قائلا: زهران، أيها الأخ والصديق، أعرف جيدا يازهر أنك سافرت لمكان جميل أفضل من هنا بكثير، وكالعادة بضحكتك الجميلة يأتى سفرك القاهرة بدون مقدمات، وأنتظر رجوعك، ولكن ياصديقي الوضع الآن أصبح مختلفا، فها أنا أقف على المحطة أنتظر ميعاد قطاري المتجه لنفس مكانك.
مازلت ياصديقي أحكي عنك بصفة الحاضر طوال السنين التي كنا معا خلالها، لم أرك إلا مبتسمًا، حتى في ذلك اليوم الذي أخبرتني فيه بمرضك كنت تخبرني والبسمة تملأ وجهك، مما خلق بداخلي الأمل في شفائك وقدرتك على الانتصار على المرض.

كنت ولازلت سندًا بما تمنحه لي من طاقة إيجابية وبمواجهتك لكل الأمور بهدوء وابتسامة تحمل كل السلام الداخلي، فقد أحببت الجميع دون استثناء، كنت كطفل لا يحمل اي نوع من الشر لأحد، حتى أي خلاف لا يدوم سوى لدقائق وينتهي، كنت  تبرر أخطاء الاخرين في حقك ولا تتخلى عنهم، وكنت دائما ما تقول لي إننا جميعا مرضى نفسيون، وعلينا أن نحتمل الآخر مثلما يتحملنا.
لا أنسى أبدا يا زهر سفرنا إلى القاهرة، في طريقنا لأحد معارضي، وتذكيرك لي بالدعوات والبانر، وحرصك على حملها بنفسك، لتحدث مفارقة غريبة، وتنساها أنت في القطار، وتصر على أن تأتي بغيرها باحثا عن مطبعة لتنفذها قبل أن يحل موعد المعرض.
صديقي زهر.. أنا الآن أقف على محطة القطار أنتظره، حتى يحملني ذات يوم إليك، ونعود إلى أيامنا وصداقتنا.. انتظرني يا زهران.

 

الكاتب والمترجم طارق فراج: كان شديد الإنسانية.. حانيًا كأب

 

فيما يصف لنا الكاتب طارق فراج، زهران إنسانا ومبدعا بقوله: أمر صعب، عندما يصبح كل ما تستطيعه هو تذكر لحظات جميلة مرت. أمر بالغ القسوة، بكل تأكيد، عندما تمسي ضحكة صديقك المقرب، صدى صوته الخفيض بينما يوجه إليك حديثه، والتماعة عينيه هي كل ما تبقى لديك من إرث السنوات التي أمضيتماها معا، صديقين ورفيقي طريق. لا أصدق إلى الآن يا زهران أنك رحلت. تلفني ابتسامتك التي لم تكن تفارق وجهك ويحيط بي صوتك من كل مكان، وتستأثر بي انسانيتك المفرطة، وحنو قلبك الأبوي. لقاؤنا الأول في قصر السينما كان خاطفا. وقتئذ قدمني إليك صديقنا المشترك محمد رشدي عبد الباسط. ابتسامتك التي لا يخطئها قلب كانت كافية جدا لأحبك. لم نلتق بعد ذلك اللقاء القصير الا بعد سنوات لكني لم أنس ملامحك وانسانيتك واصرارك على أن نحتسي مشروبا على اول مقهى يقابلنا، كما انك لم تنس أيضا بل ذكرتني بكلماتي القليلة التي تبادلتها معك في ذلك اليوم.
التقينا عام ٢٠٠٣ في قصر السينما. لا بد أنك تتذكر . ومنذ ذلك اليوم لم تستطع المسافات الشاسعة التي تفصلنا أن تباعد بيننا. انت قرأت مخطوط أول رواية لي وابديت ملاحظات مهمة وأنا قرأت مخطوط آخر رواية لك ولم يمهلني الفراق كي أبلغك برأيي فيها. لكني أخبرتك فور الانتهاء منها.. لم تكن حاضرا بجسدك، لكني أعرف جيدا ان كل كلمة حدثتك بها قد وصلتك. رأيتك وقد ابتسمت بعد أن أتممت حديثي، وأتاني صوتك واضحا، نقيا مثل نبع ماء.
قلت بتواضعك المعهود: معقولة الرواية عجبتك أوي كده؟.. وضحكنا... ثم، لن أوضح: فأنا أعرف جيدا أنك تعرف، وانت تعرف اني أعرف أنك تعرف.

الكاتبة السورية روعة سنبل: تعلمت من زهران أن أتبع حلمي

 

تحدثنا الكاتبة السورية روعة سنبل عن صداقتها بزهران وزمالة القلم والجوائز قائلة: التقيت محمد عبد المنعم زهران عام 2017 في الشارقة، هذا اللقاء الوحيد ترك فيّ أثراً كبيراً، ولم أدر حينها أن الأسمر صاحب الملامح المصرية الطيبة والوجه المبتسم سيكون فيما بعد واحداً من أعز أصدقائي، وسيكون أيضاً أحد القاصين الذين سأتعلم منهم الكثير، وسيكون أخيراُ حسرة في قلبي!

أهديت زهران مجموعتي الأولى صياد الألسنة، ليفاجأني بعد مدة بإرسال رابط لمقال موجز عميق، كتبه عنها لمجلة الرافد الإماراتية، لم يكن هذا المقال مفاجأة سعيدة وحسب، بل كان مهماً إذ جعلني أعي أدواتي السردية، ونقاط القوة والضعف في قصصي، وكان أيضاً فاتحة لصداقة عميقة، في العام التالي فاجأني بإهدائي نسخاً من مجموعاته القصصية أرسلها إلى الشارقة مع صديقنا المشترك الشاعر جعفر حمدي، وحين قرأت المجموعات أدركت أنني أمام قاص بارع محترف.
" تذكِرني بخوليو كورتاثر، تكتب وكأنك تلعب". هذا ما قلته لزهران حينها، فضحك وقال: " وأنت تكتبين وكأنك تحلمين". هذه الجملة البسيطة كانت سبباً لأفهم نفسي أكثر كإنسانة وكقاصة، تعمقت صداقتنا أكثر فيما بعد، رشح لي كتباً كثيرة وتناقشنا حولها، وفي عام 2019 حين كتبت مجموعتي الثانية، تابعني قصة فقصة، قرأ باهتمام وترك لي ملاحظات قيمة، ثم كنت محظوظة ليختارني لقراءة مخطوط مجموعته الأخيرة "هندسة العالم" ولنتناقش بها معاً.
تعلمت من زهران أن أحلم وأن أتبع حلمي، أن أحترم تجارب الآخرين، أن أدعم وأهتم، أن أقول رأيي بما أقرؤه بصراحة دون مجاملة، وبرفق دون تجريح، تعلمت ألا أنكر فضل من يقف إلى جانبي، وأن أشكر وأمتن، تعلمت أن أصبر وأحمد الله على الابتلاء قبل النعم.

 

*نقاد: زهران المجرب صانع الدهشة

 

د.رامي هلال: مِن شُرفة تُطِل على الوجود:

 

يتحدث الناقد د.رامي هلال عن إبداع زهران فيقول: يتصل الفنان بالوجود من شرفة خاصة به، ينسق ورودها، ويغازل السماوي الأزرق فيها من مساحتها الصغيرة، ويطمئن منها على الكائنات، من خلال إصغائه المرهف للغتها الغامضة، وهو في شرفته يحاول إعادة اكتشاف الإنسان، و(محمد زهران) من هؤلاء الذين لم يغادوا مقعدهم في شرفة الوجود الفني؛ لأنه لم يتعود أن يجلس على كرسي الغياب، بل هو يمثل حيرة الكائن، ويجلس جوارنا بينما تمطر، ومع أنه قطع تذكرة في سبع عربات مسافرة، فما زال يسرد علينا من نقطة كثيفة الشاعرية والإنسانية معا، تلك النقطة الأعمق التي تشترك فيها الفنون جميعا، وتتنوع طريقة اتصالها: فتتصل بالشعر حين تعبر عن روح الإنسان وعن أزمته الوجودية، على حين تتصل بالسرد من خلال توظيف الواقع، واختبار الإنسان في عالم الحقيقة، وذلك عبر رؤية خاصة في التعاطي مع العالم والأحداث والأشخاص.
    يلتقط (زهران) بأنامل شاعر، اللفتات الإنسانية الرهيفة الأكثر كثافة، والأعمق دلالة

التي يمكن من خلالها أن نزج بحواسنا الخمس في تحليلها وتفسيرها، وليس ذلك مبالغة فإنك إذ تغوص مثلا في مجموعته(سبع عربات مسافرة)، سوف تجد اللمس في قصة(أصابعي منك)، والرائحة في قصة(ولد طيب بجواري)، والتذوق في(روح البهجة)،وبهجة البصر في (بين سحابة وأخرى)، كل هذا من خلال سرد  الأحداث العابرة الصغيرة التي ربما لا يعبأ بها أحد، لكنّها من وجهة نظر (زهران) السارد، كافية لتغيير العالم، يلتقطها (زهران) ليجعل منها أحداثا مهمة وضرورية كأثر الفراشة.
   تتعمق أكثر فتجد أن (زهران) أثيري التفكير يجلس في شرفة تقع بين الغياب والحضور والغيب والشهود، يسافر عبر الزمن؛ كي يغرس في تربة الموت شتلات من حكاياته ويسرد عليه بعضا من قصصه الخاصة؛ فتتسرب شاعريته المرهفة وسطوة سرده، وإنسانية حكايته إلى قلب الموت الأسود؛ فاستأثر به دوننا.... سلام عليك .

 

الكاتب الصحفي أحمد المريخي: مبتكر الأفكار

فيما يصف الكاتب أحمد المريخي إبداع صديقه بقوله: يعرف "زهران" كيف يوظف أدواته بحرفية وفقا للحالة، فهو صاحب جملة رشيقة؛ تكمن عبقريتها في قدرتها على الولوج إلى عمق المشهد في رفق وسهولة؛ دون فذلكة لغوية أو مباشرة فجة أو إغراق في الشاعرية.
ما يدعوك أيضًا للتوقف أمام أسلوب محمد عبد المنعم زهران هو المؤاخاة بين الأضداد؛ إذ لا يعتمد المفارقة كآلية سرد ظاهرية، وإن وجدت لديه تأتي في سياق رؤي القرويين عن الكون والعالم؛ فالبرغم من أن الظاهر والباطن يؤلفان عالمين مختلفين ويرتبطان برؤى وأنماط تفكير مختلفة، إلا أنهما يؤلفان وحدة واحدة هي الكون أو العالم نفسه. أيضًا لا شيء مجاني في قصصه؛ الأفكار مبتكرة لكأنها مختومة باسمه، ولكل جملة وقعها الخاص في تطوير الحدث، فهناك جدة في التناول؛ من دهشة الجملة الافتتاحية، إلى البناء التسلسلي، وصولا للجملة الختامية؛ كل قصة "مبنى/ معنى".


الكاتب والناقد منير عتيبة: قرر إعادة هندسة العالم

يقول الناقد والكاتب منير عتيبة عن زهران مبدعا: لابد أن محمد عبد المنعم زهران كان يعرف أن كل الحكايات قيلت من قبل مرات كثيرة، لكنه يصر على كتابة حكاية لم يروها أحدٌ من قبل، فقرر إعادة هندسة الحكاية، فاكتشف أن هذا يقوده مباشرة إلى إعادة هندسة العالم ذاته. كان يعرف أن اللغة هي المادة الأولية للحكاية، وهي صلصال حكاية العالم، فحقيقة الوجود أنه حكايات صغيرة لا متناهية، يربطها بشكل ما خيط حكائي ممتد عبر التاريخ، وما على الكاتب إلا التواصل الحميم مع النقطة التي يريدها على هذا الخط ليحصل على كنزه الخاص، ولكن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها. والراوي هو عصب الحكاية، أين يقف؟ ماذا يرى، كيف يراه، وكيف يخبرنا به؟
فكما اختار عناوين كتبه لتكون مليئة بالدهشة؛ عمد إلى تكسير نمط الحكي المعتاد، وفي بعض قصصه التجريبية، نجدهاتقف في منطقة متفردة من وضوح الفكر، ومتعة التلقي، وطزاجة التجربة الفنية، فلا سطحية ولا غموض ملبس؛ لذلك اعتمد زهران في قصصه على لغة وضمائر حكي، يلعب بهما بطريقته الخاصة، فيقدم لنا الحكايات القديمة، نقرؤها وكأنه يخلقها لأول مرة.
الحس الساخر المبطن بقطيفة ناعمة من التعاطف الإنساني والرغبة في سعادة البشر، وتفهم الأخطاء الصغيرة، والأفكار غير المعقولة، وتلاعب الأقدار بالشخصيات.. هو ما تلمسه في كتابة زهران، وهو ما يجعل القارئ متورطًا على المستوى الفكري كما ورطه الكاتب من قبل بإشراكه في اللعبة الفنية، ليحمل على عاتقه -القارئ- واجب إعادة هندسة عالمه الخاص.

الناقد طارق جادو: زهران الكائن الحائر المخلص لإبداعه

 

يصف الكاتب والناقد طارق جادو إبداع زهران قائلا: أن تكتب عن محمد عبد المنعم زهران بشكل مختصر ، ما أشبه ذلك بمحاولة اختزال ماء البحر في زجاجة! ..
هو ذلك القاص الذي عرفته مجرباً و مجدداً و مخلصاً لفن القصة القصيرة كما لم يكن أحد من قبله، غايته هي الإبداع و التفرد ، أن تكتب فيترك سردك أثراً في وجدان قارئك ، أن ترضى عن قصتك فتصبح معلماً و حجراً في بناء هائل من الكتابات التي سبقت والتي سوف تلي قلمك . كاتب متجول في الواقع و الخيال ، يمزج بينهما بعفوية وسلاسة دون اصطناع ، يمتلك لغته الخاصة و عالمه الأثير إليه ، عالم الإنسان في أبسط تكويناته وأعقد حالاته الاجتماعية منها والنفسية . محمد عبد المنعم زهران هو ذلك الكائن الحائر، من كان بجواري بينما تمطر ، من جلس إلى جواري في سبع عربات مسافرة ، وبحكم المهنة من بحث معي عن هندسة العالم .. ودون ضجيج غادرنا لكنه باق بروعة ما كتب .



 

الشاعر والمترجم محمد الحديني: تفوق على أقرانه بتفرد

فيما يتحدث الشاعر والمترجم محمد الحديني عن تجربته مع إبداع زهران قائلا: سعدت كثيرا بترجمة المجموعة القصصية "المتجول في الأحلام" للانجليزية والتي صدرت عن دار اكوان، للكاتب الراحل الباقي محمد عبدالمنعم زهران، ورغم اهتمامي بترجمة الشعر على وجه الخصوص، لكن عندما عرضت علي ا.سمية عبدالمنعم ترجمة قصص زهران كان الأمر محيرا، فهي تجربتي الأولى لنص قصصي، لكني قبلت هذا التحدي وعندما طالعت نصوص المجموعة انبهرت بتجربة الكاتب لأنه يمزج ببراعة في نصوصه بين النثر والشعر والفانتازيا والواقع، وهو الأمر الذي أسرني وجعلني أقبل على ترجمتها في وقت قياسي، فقد كان الهدف الأول من الترجمة هو رفع الروح المعنوية لزهران في وقت كان قد بدأ المرض يشتد عليه.
وقد كانت تلك المجموعة بوابتي الأولى لمطالعة أدب زهران، والذي أعجبني بشدة، وجعلني أوقن أنني أمام مبدع مختلف عن كل أقرانه من كتاب القصة القصيرة، ذلك أنه يهتم في المقام الأول بالانسان وأزمته على مر العصور، سواء صراعه الاجتماعي أو الداخلي والنفسي، ثم إنه للتخفيف من حدة ذلك الواقع يعمد زهران لإضفاء التخييل إلى قصصه، مما يكسبها تميزا وثراء قلما يوجد.

يذكر أن محمد عبدالمنعم زهران، قاص وروائي وشاعر  ومسرحي مصري، ولد عام 1972،وتوفي في مارس 2022.
صدر له :
*في المسرح:
أشياء الليل – مسرحية – دار سعاد الصباح – الكويت – 2000 م .
ساحر الدراما- مسرحية – طبعة محدودة - إصدارات المجموعة الأدبية 2008 .
زيارة عائلية – مسرحية – المركز الأدبى للنشر والترجمة – أسيوط - 2013 .
*في القصة القصيرة:
حيرة الكائن – قصص – دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة – الشارقة 2001 طبعة ثانية- دار النسيم للنشر والتوزيع – القاهرة -2016 م .

بجوارك بينما تمطر – دار الأدهم للنشر والتوزيع – مصر 2013، وطبعة جديدة_ دار أكوان_2022.

سبع عربات مسافرة- قصص – دار النسيم للنشر والتوزيع- القاهرة- 2017، طبعة جديدة دار اكوان 2022.

هندسة العالم- قصص- منشورات المتوسط- ميلانو 2020.

المتجول في الأحلام_ مجموعة مترجمة للإنجليزية_ دار أكوان2022.
*في الشعر:
ديوان دون ضجيج _ شعر نثري_ دار أكوان 2022.

*في أدب الأطفال:
أنا ومجتمعى – سلسلة قصص للأطفال – دار أصالة للنشر والتوزيع – بيروت-2017 .

* الجوائز
تحصل على عدة جوائز في مجالي القصة والكتابة المسرحية، منها عربيا:
جائزة أخبار الأدب للقصة1999.
جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة القصة المفردة 2000.
الجائزة الأولى في مسابقة سعاد الصباح للتأليف المسرحي، 2000. عن مسرحية " أشياء الليل".
جائزة الشارقة للإبداع العربي في القصة القصيرة، 2002. عن مجموعة " حيرة الكائن".
جائزة يوسف إدريس في القصة القصيرة 2020. عن مجموعة " سبع عربات مسافرة".
وخمس جوائز أخرى إقليمية ومحلية، كما تم تكريم اسمه في مؤتمر أدباء مصر ٢٠٢٣.