رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الجنسية المصرية.. لـ"البيع"!

بوابة الوفد الإلكترونية

«الجنسية المصرية للبيع».. هذا هو أدق تعبير يمكن أن نطلقه علي مقترح رئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر، الذي أثير حوله علامات استفهام كبيرة تؤكد غياب الرؤي الواضحة لدي صناع القرار المصري فيما يتعلق بمجالات الاستثمار والتنمية.

بين التأييد القاطع والانتقاد الحاد نتحدث عن مشروع «منح الجنسية المصرية»، الذي تقدم به محمد سامح، رئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر إلي الحكومة، معلناً أن هذا المقترح يهدف إلي تأسيس صندوق استثماري تحت اسم صندوق تمويل بناء مصر، يقوم على توفير موارده من النقد الأجنبي عبر منح الجنسية المصرية إلى الأجانب، وهو ما أحدث ضجة كبيرة بين المحللين الاقتصاديين والقانونيين والسياسيين، حيث أشاد البعض إلى أنه مقترح له قواعد وقوانين خاصة وسيسهم في تقوية الاقتصاد المصري، لكنه يتطلب شروطاً معينة.
في مقابل هذه الإشادة كان الوجه الآخر للآراء، حيث رأى البعض أن المشروع «معيب وغير مريح»، وأكدوا أنه «اغتيال للوطن»، وأنه مشروع غرضه تفتيت مصر، التي لا تشترى بالمال، في الوقت الذي أنكرته الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الخارجية.
ومن أهم ملامح المقترح الذي أثار تلك الضجة، فهو يتضمن 3 برامج استثمارية لجذب الأثرياء والمستثمرين العرب والأجانب مقابل منح الجنسية، وتشمل إيداع مبلغ نقدي بقيمة 250 ألف دولار كمساهمة لا تسترد، وإيداع مبلغ نقدي بقيمة 500 ألف دولار بما يعادل 3.5 مليون جنيه كوديعة يتم استردادها بالجنيه من دون فوائد بعد مرور 5 سنوات، وبرنامجاً ثالثاً بإيداع مبلغ 700 ألف دولار بما يوازي 5 ملايين جنيه كوديعة يتم استردادها بالجنيه من دون فوائد بعد مرور 3 سنوات.
البرنامج المقترح يستهدف منح الجنسية لـ300 ألف مستثمر أجنبي، على أن يتم انتقاء الشريحة الفضلى من بين المتقدمين من حيث مستوى الثراء والمؤهلات العلمية التي تحتاج إليها البلاد، ويهدف المشروع إلى جمع 150 مليار دولار لدعم صندوق تمويل بناء مصر.
«الوفد» سألت المحللين الاقتصاديين والقانونيين حول الانتقادات التي أثيرت حول الفكرة المقترحة.
عصام شيحة، المستشار القانوني وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد، يؤكد أن الجنسية المصرية لا تمنح إلا بقانون، وقانون الجنسية المصري يسر في السنوات الأخيرة، فيما يتعلق بإجراءات منح الجنسية لأبناء الأم المصرية، بما يتفق مع المواثيق الدولية.
وأكد «شيحة»: إن مقترح منح الجنسية للأجانب ليس بيعا للهوية الوطنية أو الجنسية، وإنما حافز استثمارى يمكن أن تعتمد عليه الحكومة ضمن حزمة الحوافز التى تقوم بترويجها لجذب الاستثمارات الأجنبية، ولكنه سيتيح حقوق المواطنة كاملة لحاملى الجنسية، بما يمكنهم من الاستفادة من المزايا الضريبية والمنافسة على جميع المشروعات القومية، والتخلص من أى مخاطر قد تخص المشروعات، أو تصاريح الاقامة بسبب اية خلافات سياسية.
وقال: من غير المعقول التخوف علي الكرامة الوطنية في ظل الالتزام بمعايير الشفافية والمصارحة والمكاشفة والمحاسبة واحترام السيادة الوطنية والخضوع لسلطة القانون، فهذا البرنامج هو الحل الأمثل والأسرع للأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، والهدف منه هو جذب الاستثمارات ومعاونة الدول النامية علي تنفيذ خطط التنمية فيها، علماً بأن هناك دولاً كبيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وكندا والنمسا وأستراليا تمنح الجنسية مقابل تشجيع الاستثمار، فهناك دول تشترط دفع مبلغ 250 ألف يورو، علي كل فرد، وبالتالي فهو أمر وارد ومقبول، ولكن من المفترض أن تمنح الجنسية لكل من يقدم أعمالا جليلة تخدم مصر.
وأضاف: أعتقد أن مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونية، وبتكاتف كل من منظمات المجتمع المدني بدورها البارز مع الأحزاب السياسية القوية، والإعلام المصري الصادق، بالإضافة إلي التخوف من المحاسبة والعقاب، من الصعب بل من العسير إساءة استخدام الحق في إعطاء الجنسية، لكننا في أشد الاحتياج لوضع مجموعة من الضوابط والاشتراطات تمنع التلاعب وتضع هذا الحق في إطاره القانوني، لأن القوانين المصرية تسمح صراحة لكل من أمضي ست سنوات من الحاصلين علي الجنسية المصرية بمزاولة العمل السياسي كزعامة حزب سياسي أو الترشح للانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، ولكن الخوف هنا ليس في الأمد القصير، ولكن في الأمد البعيد.
وأشار إلي أن مصر اهتمت بقضايا اللجوء السياسي من منطلقات متعددة، واللاجئ يعني انتقال الفرد من دولته إلي دولة أخري لأسباب متباينة عندما يتعرض للاضطهاد بسبب الجنس أو الاعتناق الديني أو السياسي أو العرق أو اللون أو العقيدة، وارتباطه ايضاً بالاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحروب والصراعات الدولية، حيث إننا من أوائل الدول الموقعة علي اتفاقية جنيف «1951» بشأن اللاجئين السياسيين بوصفه حقاً علي الدول أن تمنحه، كما أن الدساتير المصرية المتتالية اعتباراً من دستور 23 الذي يحظر التسليم ويقر بمبدأ منح اللجوء السياسي وضوابطه لكل اجنبي اضطهد بسبب الدفاع عن مصالح الشعوب وحقوق الإنسان أو السلام أو العدالة، ويكفي أن لدينا أعداداً كبيرة من قادة العالم كانوا ومازالوا مقيمين في مصر منذ أقدم العصور بداية من الأرمن مروراً بالأتراك والرؤساء الليبيين والسودانيين والتونسيين والجزائريين.. وغيرهم.
وحيد الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي، يري أن مشروع منح الجنسية المصرية للأجانب «ليس مرفوضاً»، إذ ما سينجم عنه تهديد الأمن القومي المصري، مشدداً علي ضرورة وضع قيود وضوابط قانونية معينة للحد من الآثار السلبية التي يتخوف منها البعض، بمعني آخر ألا تكون الجنسية الممنوحة مصدراً من مصادر التأثير علي القرار المصري أو السيطرة علي أملاك أو أراضي المصريين، حتي لا يؤدي إلي تهديد أمن واستقرار المجتمع، ونمنع التعرض لأي تهديدات أو شكوك في هذا الشأن.
وأضاف: أرجو ألا ننسي أنه في عهد المعزول محمد مرسي قد منحت الجنسية لعدد كبير من الحمساويين، ولم يصدر حتي الآن قرار بسحب الجنسية المصرية.
مشيراً إلي أن مصر تحتاج لمن يساند الاقتصاد المصري، بشرط أن يكون حسن السمعة وذا خلفية وطنية، لأننا أحوج لذلك.. وهذا سيكون دليلاً علي حسن نوياه، ومن ثم فنحن نضع رجال الأعمال في اختبار لكي نكشف حقيقة الأمر، لكننا نأمل في تحقيق الأمن والاستقرار داخل المجتمع، خاصة أن مصر تتعرض لمؤامرات داخلية وخارجية كبيرة من أجل تعويق أو إعاقة مسار الإصلاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في البلاد، وهو ما يجب أن نرتاب منه ونحضر أنفسنا علي مواجهته ونأخذ كل أمر جديد بشك وريبة حتي يثبت لنا سلامة موقف ذلك الشىء الجديد بالنسبة لمصر.
وتساءل «الأقصري» حول أهمية فتح هذا المقترح في الوقت الراهن، خاصة بعدما أطاحت مصر بالجماعة الإرهابية المنتمية للتنظيم الدولي، ومن ثم علي من يطلبون الحصول علي الجنسية أن يقبلوا القيود القانونية بما يثبت أنهم غير مدفوعين بأغراض أو أهداف تؤثر علي الأمن القومي المصري.
واستطرد: أنكرت وزارة الخارجية هذا المشروع

المثار الجدل حوله الآن بما يؤكد أنه يهدد عنصر الأمن ويزعزع ولاء وانتماء المصريين، وفي حالة ازدواج الجنسية لن يكون انتماء الأجنبي خالصاً لمصر، بل سيكون منقسماً بين جنسياته المختلفة، بما يزعزع حالة الاستقرار المجتمعي، بل يعطل المشروعات القومية الكبري التي بدأت القيادة المصرية في المضي نحوها.
مؤكداً أن حالة النفي من قبل الحكومة جاءت بناءً علي استقراء الأمر ودراسته دراسة وافية مما يجعلنا نمهل ذلك الطرح تماماً، وألا نثيره طالما أنكرته الدولة المصرية، لأن كرامة الشعب المصري أغلي وأعظم من أموال الدنيا بأثرها، كما أننا يجب ألا ننسي أن وسيلة استخدام المال للسيطرة علي الشعوب ابتدعتها الدولة الإمبريالية وأيضاً صندوق النقد الدولي والتي تعلمت ذلك من الكيان الصهيوني منذ بدء تاريخه وحتي الآن، ونحن علي استعداد لأن نقبل أن نجوع ونعيش علي حد الكفاف، علي ألا نفرط في ذرة من كرامة أو أمن أو تراب هذا البلد العظيم.
«لا لبيع الجنسية المصرية.. ولا لتقسيم مصر».. هكذا بدأت حديثها الدكتورة بسنت فهمي، الخبيرة الاقتصادية محذرة من هذا المقترح الذي وصفته بـ«المهين»، وبأنه مشروع هدفه «اغتيال مصر»، مشيرة إلي أنه إذا كانت هذه الأفكار أو المقترحات العبثية والتخريبية هي ما لدي صناع القرار.. فالأجدر بهم ترك مناصبهم والعودة إلي صفوف المواطنين العاديين.
وأكدت: إن مقترح الاستثمار في الجنسية المصرية عن طريق بيعها للأجانب مقابل الحصول على ودائع دولارية أو الإسهام في صناديق الاستثمار، بشكله الحالي يثير علامات استفهام كبيرة ويؤكد أن هناك تخطيطاً مقصوداً غرضه تحويل مصر إلى سلعة يتاجر بها، للفلسطينيين مثلاً وفي المقابل يتنازلون عن بلدهم لإسرائيل، وهذا ليس في صالح الوطن بل استكمال لمخطط بيع مصر، وضرب السيادة المصرية في مقتل، وهو الأمر المرفوض شكلاً ومضموناً.
وتابعت: أنا أرفض الاتجار بالجنسية المصرية لجذب الاستثمارات، ولكن هناك طرقاً عديدة لجذب المستثمرين دون بيع الجنسية المصرية، بتقديم تسهيلات وتشريعات وإصلاحات وإمكانيات جذابة للعرب والأجانب المستثمرين. مؤكدة أن الشعب يجب أن يعرف لماذا خرج ذلك المقترح في هذا التوقيت.
الدكتور أحمد أبوالنور، أستاذ الاقتصاديات الحرجة والأزمات بالجامعات الامريكية، وصف المشروع بأنه «شيطاني»، وأن مجرد طرحه للنقاش يثبت أن هناك إفلاساً فكرياً لدي صناع القرار المصري فيما يتعلق بقضايا التنمية، فمن غير المعقول أن تمنح الجنسية لأجنبي بشكل اعتباطي أو عشوائي لمجرد أنه يشارك باستثمارات أو يودع أمواله داخل مصر، وغالباً ما يكون إنساناً جاء ليرتزق بالمواطنة أي يتربح منها، وتشبه كثيراً الحصول علي المال من القضايا غير المشروعة كغسل الأموال مثلاً، وهذا هو الخطر الأكبر، فلو سار في هذا الاتجاه يصبح من حق الدول المعادية للوطن الحصول علي الجنسية المصرية بأموالها وعلى رأسها إسرائيل وأصحاب التيارات الدينية المتطرفة.
وقد أشار إلى أن خطورة المقترح تكمن فى عدم قيامه على أساس دراسة جدوى شاملة، بالإضافة إلى المحاذير الأخرى المتعلقة بالسيادة، وسلطة العدالة، وفيما يتعلق بالترشح للبرلمان والمنصب الرئاسي المرموق، واحتمالات الممارسات الفاسدة، مما يضر بالوطن اقتصادياً وسياسياً وسياحياً، ويهدد مشاريع التنمية بالبلاد.
وأوضح أن من تمنح له الجنسية يصبح له حقوق سياسية بعد مرور ست سنوات من تاريخ تجنيسه، سواء من خلال الترشح للمجالس النيابية أو لرئاسة الجمهورية، ولهذا كان منحها من أعمال السيادة، وبالتالي قبول مثل هذه المقترحات من شأنها أن تخرج مجتمعاً مليئاً بالعيوب الخلقية في تكوينها النفسي، نظراً لاختلاف الجنسيات داخل الوطن الواحد بين الفئات عريقة الأصل والأخري المستحدثة، مما يصعب حدوث تناغم بينهما. مشيراً إلي أن المجتمعات الأوروبية لجأت مضطرة إلي ذلك بعد حدوث إفلاس لديها في معدلات المواليد مقارنة بزيادة الوفيات وحالات الانتحار، وهذا يختلف بالتأكيد عن مجتمعنا العريق تاريخياً.
السفير جمال بيومي، أمين عام برنامج دعم المشاركة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولي، أمين عام اتحاد المستثمرين العرب، أوضح أن مصر تعرضت للعديد من الأزمات الاقتصادية البالغة الصعوبة، لكن ذلك لم يدفعها نحو اتخاذ مثل تلك القرارات، نافياً نية الحكومة أو توجهها لمنح الجنسية لغير المصريين مقابل عوائد واستثمارات مادية، لافتاً إلى أن الحكومة تلزمها قوانين صارمة في هذا الشأن.
وأضاف: كل دولة أجنبية تمنح حق الجنسية تضع المحددات والقيود والشروط والضوابط من خلال دراسة كل حالة ومدى الاستفادة الحقيقية التي ستقدمها للوطن، مقابل منحها الجنسية، وليس لمن يدفع أكثر أو يشتريها بالمال في شكل ودائع دولارية.