رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لغز سبيل «أم محمد على الصغير»

بوابة الوفد الإلكترونية

قبل قرن ونصف القرن من زمننا هذا، جلست الأميرة التركية الجميلة المحبوبة من المصريين تفكر وقد تمزق قلبها حزنا وألما على فراق ابنها وفلذة كبدها.. تفكر بقلب وعقل أم مكلومة كيف تؤمن من الاعمال ما يشفع لابنها، ويدخله جنات تجرى من تحتها الانهار؟ وهداها تفكيرها إلى بناء سبيل يشرب منه الناس ماء نقيا ويدعون لابنها بالمغفرة والرحمة.

فكان سبيل «أم محمد على الصغير» الذى يشاهده المارة الآن مواجهًا لجامع الفتح فى نهاية شارع الجمهورية والتقائه بشارع رمسيس.

ولم تجد الأميرة "زيبا قادرين" اكثر قيمة من سبيل لله رحمة ونورا على روحه ليروى عطش الظمأى فى مصر المحروسة. ووافقها الوالى الاعظم محمد على عاشق تراب مصر فكان السبيل تحفة معمارية رائعة الجمال.

وأمرت "قادرين" بأن يكتب باللغة التركية ما يعنى بالعربية "اللهم يا ربنا ألهم روح محمد على، الرشاد والسداد واقبل منه كل أعمال الخير التى قام بها وعجل له بموفور الجزاء الأوفى" ونقشت بشرفة فى الطابق الثانى "مع حور العين الجميل بالجنة سيسقى والدة والى مصر محمد على باشا من ماء الكوثر".

كما نقشت والدة محمد على اسم ابنها على جُدران السبيل، عرفانًا منها ببره وإحسانه، آملة أن تنعم معه بدعوات الخير والأجر الجزيل من الله.

حكايات زمان يرويها احد الجالسين أمام السبيل، وهو رجل عجوز افترش بعض الحلوى يبيعها للمارة، وأخذ ينسج الحكايات حول المكان فيها من الخيال ما اختلط بالحقيقة التاريخية ومنها ما لم يهتم بالتاريخ أصلا.. يقلب الرجل فى اكياس الحلوى ويقول: هذا المكان فيه سر كبير لا يعلمه احد إلى الآن إذ تشعر فيه وبجواره براحة نفسية رهيبة وهدوء روحانى غير مفهوم والمكان من الداخل كأن به تكييفا ربانيا طوال العام.. ويستطرد الرجل قائلا: ده كان قصر محمد على باشا نفسه وكان مقيما فيه قبل ان ينتقل إلى القلعة، وزوجته عملته سبيل رحمة ونور على روح ابنها محمد على الصغير، وفيه كتاب ايضا، وبيقولوا كانت مياهه «مسكرة» علشان أمه كانت ست صالحة.

كلام الرجل فيه كثير من الحقيقة، فالسبيل كان يضم بالفعل العديد من الآبار ذات الماء النقى.. وتتم تنقيته على لوح «الشاذروان» ويصب فى «كنيران» أكواب نحاسية ويقدم للمارة.. كما كانت تشرب منه الخيول التى كانت تصطف على جوانب السبيل لتشرب.

بينما تتأمل جمال البناء تصطدم أذنك بصوت الضجيج والزحام واصوات السيارات المزعجة فى شارع رمسيس، والتى اضاعت

الرونق واللمعان ليحتل لون العادم مساحة واضحة من واجهة واركان السبيل، لكن النقوش والرسوم والزخارف تتحدى الزمن، وهى التى نقشت عام 1268 هـ 1867 م.

بالجوار رجل عجوز آخر يؤكد ان المكان مسئولية مشتركة بين الأوقاف والآثار، وهناك من استأجروا فيه وحدات منها سكنية ومنها ذات نشاط تجارى او صناعى ولكن لم يتملكوها.. ويقول برغم الاهمال الواضح إلا أن المكان يحظى بروح غريبة وفيه دفء حقيقى على امتداد مساحته التى تزيد على 500 متر، ويتميز باعتدال الجو بداخله فلا تشعر بحر او برد مهما كانت الاجواء بالخارج سواء حرارة شديدة او برد شديد، وربما يرجع ذلك إلى دعاء العطاشى لصاحبة السبيل وابنها فحلت به البركة، ويقال ان الدور الاول به كان خزانًا كبيرًا للمياه يتصل بالنيل، حيث لم تكن هناك بيوت أو شوارع تفصل بين منطقة رمسيس والنيل، وكان السبيل مسئولًا عن مد سكان المنطقة بالمياه، ومع دخول المياه إلى المساكن تم ردمه، وأغلق السبيل نفسه، وانتقلت تبعيته إلى وزارة الأوقاف والتى قررت فى خمسينيات القرن الماضى، تأجير شققه الأربع، بالإضافة إلى عدد من الشركات والمحال، وبغض النظر عن الورش والمحال التجارية التى تشارك معظم المبانى الاثرية مكانتها فى القاهرة، وبغض النظر عن القضية الأزلية الخاصة بإيجارات الاوقاف، فإنك أمام هذا السبيل تقف مذهولا من دقة النقوش والزخارف التى تأبى ان تزول رغم الاهمال وعوادم السيارات والضجيج والزحام. حيث يعلو المبنى وتُزينه زخارف نباتية وهندسية، وعلى الجانبين زخارف نباتية وقد كتب بخط مزخرف "يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّا".